في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب·· هذه المضغة هي المحرك الذي يضخ الدماء إلى جسم الإنسان، ليقوم بوظائفه على الوجه السليم الذي جبل عليه· وعلى الرغم من الفارق الكبير والواضح بين الإنسان والآلة، إلا أنه يمكن التشبيه بينهما من ناحية واحدة على الأقل، وهي أنه كلّما كانت نوعية الوقود أجود كلّما كان الأداء أفضل، كذلك ينطبق الحال على قلب الإنسان، فكلما كان القلب محبا متسامحا نتج عن ذلك جودة أدائه وأداء الجسم بشكل عام· ولقد أثبتت الأبحاث العلمية والدراسات والأبحاث، صحة هذه المقولة، والتي أشارت إليها كافة الأديان والكتب السماوية، وعززها القرآن والحديث النبوي الشريف، وحتى أقوال الفلاسفة والحكماء والعقلاء منذ مئات بل آلاف السنين، لتخلص إلى أن الحب والتسامح والإحسان لا تقوم بتحصين الجسد فقط، بل وتشفيه أيضا من الأمراض والعلل، بما فيها الخبيثة، والتي نجمت في معظمها عن تعب القلوب أو فسادها، سواء من المشاكل اليومية في البيت والعمل وفي الطريق، أو مما فرضه نمط الحياة من عصبية وتوتر، نتيجة فقدان السيطرة على النفس وقلة التحمل والصبر، وهي أمور يمكن التغلب عليها جميعا، من خلال الحب والتسامح والغفران، وحسن الظن بالآخرين، والتي يسميها العلم اليوم بالطاقة الإيجابية، التي تقوي جهاز المناعة الذاتي لدى الفرد لمقاومة الأمراض· ولعلني لم آت بشيء جديد هنا، لكن الجديد هو تجديد الدعوة إلى مراجعة القلوب، ليكتشف كل منا المضغة التي في داخله، أهي صالحة أم فاسدة، وهل يستطيع هذا الفؤاد الصغير أن يقابل الإساءة بالإحسان، والخصومة بالتسامح، ربما يكون الأمر صعبا بعض الشيء، لكن المنفعة التي يعود بها الأمر على صحة الجسد وعافيته، تستحق منا المحاولة، وعندها سيقوم القلب ببرمجة نفسه على المسامحة والعفو عند المقدرة·· في مرض القلوب يستطيع كلّ فرد أن يشخص حالته بدون طبيب، أما الوصفة الطبية فهي واحدة في جميع الأحوال: جرعة محبة وتسامح قبل الإفطار والخروج إلى العمل، وجرعة أخرى في المساء قبل النوم، إنها وصفة الشفاء الحقيقي الذي لا يغادره سقم ولا ألم· فداء طه