الابتعاد عن الدين كان هو السبب الرئيسي في ظهور جرائم غريبة لم يتعود عليها المجتمع العربي والعالم الإسلامي من قبل.. كان هذا التصريح من ضمن إجابات الشيخ صلاح الدين نصار إمام الجامع الأزهر أكبر مساجد القاهرة. ويرى نصار أن كثرة الطلاق في العالم العربي تعود الى أن الأسر العربية خالفت وصية الرسول- عليه الصلاة والسلام- الذي أكد أن الشاب الراغب في الزواج عليه أن يظفر بذات الدين، ولكن مع الأسف عروس اليوم صار الحب شرطاً في طلبها للزواج. •• كيف كان طريقك الى الدعوة الإسلامية؟ أنا في الأصل من مواليد محافظة الدقهلية (شمال القاهرة) ولكن عشت طفولتي في محافظة كفر الشيخ.. ومع تفتح وعيي حلمت بأنني أدرس في الأزهر، وبالفعل اخترت أن أدرس في المدارس الأزهرية.. وأنا في هذه المرحلة كنت خطيباً للمدرسة.. ومع نتيجة الثانوية الأزهرية تحققت أحلامي في طريق الدعوة بعد أن اخترت الدراسة في كلية أصول الدين، وفور تخرجي عملت إماماً لعدة مساجد، ثم أصبحت إمام مسجد عمر بن عبدالعزيز في حي مصر الجديدة الذي عملت فيه 29 عاماً، وفي أوائل عام 2006 رشحت من قبل وزارة الأوقاف لأن أكون إمام الجامع الأزهر أعرق مساجد مدينة القاهرة. •• كيف تختار موضوع خطبة الجمعة؟ أصعب مرحلة في إعداد خطبة الجمعة هو انتقاء الموضوع الذي سوف أتحدث فيه الى جموع الناس.. الصعوبة تأتي في مرحلة البحث في رؤوس الموضوعات التي ستتضمنها الخطبة.. فلابد من العودة الى أمهات الكتب للبحث عن قصص أرويها للمصلين خلال الخطبة. •• أنت إمام الجامع الأزهر الذي يعتبره مسلمو العالم منارة العلم.. هل الأزهر له دور عالمي في احتواء مشاكل المسلمين؟ أود أن أوضح نقطة مهمة هي أن الأزهر منذ نشأته منذ ألف عام وهو قلعة حصينة للإسلام والمسلمين، وذلك لأنه يحمل منهجاً معتدلاً في الفكر والدعوة.. ودور الأزهر عالمياً واضح في الدفاع عن الإسلام وإظهار الصور الإيجابية لسلوكيات المسلم، ويأتي الى الأزهر مسلمون من كافة أنحاء العالم للفصل في أمورهم الدينية. •• الجامع الأزهر مزار سياحي يعشق الزوار الأجانب زيارته هل تشرح للأجانب عظمة الإسلام؟ تأتي الى الأزهر أعداد كبيرة من الأجانب.. ونظراً للزيادة تم الاتفاق مع شرطة الآثار والسياحة على إعداد إسدال تقوم الزائرة بارتدائه عند دخولها الجامع، وذلك حفاظاً على قدسية المسجد.. وقد حرصت على ذلك حتى يحترم الزوار العادات والتقاليد التي تربينا عليها وكانت أحد أسباب تماسكنا.. وقد قمنا بإعداد كتيبات صغيرة بعدة لغات نشرح فيها تعاليم الإسلام ونوزعها مجاناً ونوضح فيها للأجنبي عظمة الإسلام. •• أنت إمام أكبر مساجد القاهرة.. ما هي نوعية الأسئلة التي تصل إليك ويطلب أصحابها الفتوى؟ معظم الأسئلة عن أمور حياتية.. أغلبها عن العلاقات الزوجية وبعض الأسئلة عن السلوكيات. •• كلما تعرضت الأمة العربية الى أزمة كان الانفجار الشعبي من الجامع الأزهر.. ما هو السر؟ المسلمون في مصر بكافة أطيافهم يعتبرون حصن الأزهر هو المتنفس لهم.. الحرية تنطلق من الأزهر.. سابقاً كان الغضب ضد السياسات الإسرائيلية يخرج من الأزهر.. كافة القوى الوطنية خليط من الشعب، مثقفين وعمال وأميين كلهم أعلنوا صرخة «لا» من خلال الأزهر الذي له دور اجتماعي غير دوره الديني. •• يوجد حالياً في سماء الفضائيات أكثر من 25 فضائية إسلامية هل تؤدي دورها؟ مع الأسف لا.. بل خرجت عن النص وصارت مصدراً لزعزعة العقيدة، لأن معظم الدعاة الذين يظهرون ويرتدون عباءة الإفتاء غير مؤهلين وليسوا على المستوى المطلوب. •• كيف تنجح الفضائيات في تحقيق معادلة النجاح؟ الفضائية الإسلامية تعتمد على صدق المعلومة التي لن تأتي سوى من عالم مؤهل ومعتدل فكرياً.. انتقاء العلماء في الظهور أول طريق النجاح. •• خلال الفترة الأخيرة ظهرت جرائم غريبة في عالمنا العربي مثل أب يقتل أبناءه خوفاً من الغد.. ما هو السبب في ذلك؟ البعد عن الدين هو السبب الأول.. عندما ابتعد الناس عن الدين صاروا بلا أخلاق، لأن الدين يحسن خلق الشخص.. لن أدافع عن البطالة والظروف الاقتصادية، ولكن أرجع كل ذلك الى الابتعاد عن طريق الله. •• هل جرائم المراهقين سببها خلل في تربية الأسرة لأبنائها؟ نعم.. ومع الأسف أعترف لك بأن الأسرة العربية اليوم صارت لا تؤدي دورها على الوجه الأكمل في تربية صغارها.. ربما الظروف الاقتصادية كانت سبباً في غياب الأب عن دوره وترك المهمة للأم التي هي أيضاً مشغولة، فمن يربي الصغير الذي لم يجد سوى الشارع يكتسب منه بعض السلوكيات والتي عادة تكون سلوكيات خاطئة؟ •• لماذا أرقام الطلاق في زيادة.. والعنوسة صارت شبحا يهدد أحلام بنات العرب؟ ترجع كثرة الطلاق الى سوء الاختيار، فالشاب أو الفتاة لا ينظران بعين الدين عند إقدامهما على الزواج.. كلنا يرتدي نظارة لا ترى العيوب، مع الأسف أحياناً والد العروس يسعد بثراء العريس ولا يستفسر عن أخلاقه وربما بعد شهور طويلة أو قليلة يكون الطلاق هو البطل الأول لمشروع الزواج.. والرسول عليه الصلاة والسلام حدد مواصفات العروس حيث ركز- صلى الله عليه وسلم- على ذات الدين.. شباب اليوم يودون أن يختاروا بقلوبهم.. والقلب لا يرى، بل يسير وراء العاطفة. أعتقد أن أزمة العنوسة سببها المغالاة في المهور ومطالب أسرة العروس.. مع الأسف أحياناً الأسر العربية تعشق المقارنة.. تقارن ابنتها بفتاة أخرى معروفة لهم تزوجت من شاب من أسرة ميسورة. لو يسّر والد العروس ولم يحدد مطالب مالية كثيرة ودقق في أخلاق الشاب الطارق بابه طالباً الزواج لقل الرقم الذي يحزننا كلما ذكر أمامنا في وسائل الإعلام. وربما يكون حل مشكلة العنوسة في التعدد بأن يتزوج الرجل أكثر من امرأة، ولكن المشكلة أن المرأة العربية ترفض أن تكون لها ضرة وترفض مشاركة امرأة أخرى لها في زوجها.. وإن كان التعدد أصبح أمراً مقبولاً في الخليج العربي. اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن يقول الله سبحانه وتعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (1). إن الابتلاء أمر حتمي في حياة المسلم، ليميز الله الخبيث من الطيب تلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا، كما أن أثبت الناس في البلاء وأجلهم صبراً، أفضلهم عند الله منزلة وأجلهم قدراً، وأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، لما ورد في الحديث الشريف: (أي الناس أشد بلاء يا رسول الله؟ فقال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان رقيق الدين ابتلى حسب ذاك، وإن كان صلب الدين ابتلي على حسب ذاك، فما تزال البلايا بالرجل حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة» (2). وما يبتلى الله عبده بشيء إلا ليطهره من الذنوب أو يعظم له أجراً، وما وقع الصابر في مكروه إلا وجعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن ضاق بالقدر ذرعاً، وسخط قضاء الله، فاته الأجر وكان عاقبة أمره خسراً، كما قال تعالى: (ألم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (3). والإنسان الذي يعمر الإيمان قلبه يلجأ إلى الله دائماً في السراء والضراء يشكره على نعمائه، ويسأله العون وتفريج الكروب فهو على كل شيء قدير لأن ثقته بالله عظيمة، فالليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر، وأما غير المؤمن فيضعف أمام الشدائد وقد ينتحر، أو ييأس، أو تنهار قواه، ويفقد الأمل لأنه يفتقر إلى النزعة الإيمانية، وإلى اليقين بالله. وما أظن عاقلاً يزهد في البشاشة أو مؤمناً يجنح إلى التشاؤم واليأس، وربما غلبت المرء أعراض قاهرة فسلبته طمأنينته ورضاه، وهنا يجب عليه أن يتشبث بالعناية العليا كي تنقذه مما حل به، فإن الاستسلام لتيار الكآبة بداية انهيار شامل في الإرادة يطبع الأعمال كلها بالعجز والشلل. ولذلك كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعلم أصحابه أن يستعينوا بالله في النجاة من هذه الآفات، قال أبو سعيد: دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المسجد ذات يوم فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة: فقال: (يا أبا أمامة... ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت صلاة، قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك، قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال) (4) قال: فعلت ذلك، فأذهب الله همي وقضى عني ديني. وقد رأيت أن النبي – صلى الله عليه وسلم- استغرب قعود الرجل في المسجد فرده إلى الميدان مزوداً بدعاء يفتتح به نهاره، ويبتدئ به أعماله بعيداً عن أغلال الضيق النفسي والتسلل الفكري وبذلك يأمن (غلبة الدين وقهر الرجال). وسيرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - تلفتنا إلى صحة هذه الطريقة في تجزئة الحياة، واستقبال كل جزء منها بنفس محتشدة وعزم جديد. فهو إذا أصبح يقول: (أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله لا شريك له، لا إله إلا هو وإليه( النشور) (5)، وإذا أمسى قال مثل ذلك، وقد يدعو: (اللهم إني أصبحت منك في نعمة وعافية وستر، فأتمم نعمتك عليّ وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة) (6)، وإذا أمسى دعا بمثل ذلك!. وعن شداد بن أوس قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعلمنا أن نقول: (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك لساناً صادقاً، وقلباً سليماً، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأسألك من خير ما تعلم، وأستغفرك مما تعلم، إنك أنت علام الغيوب) (7). وعليك بسيد الاستغفار للحديث الذي أخرجه الإمام البخاري: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت). إن أصحاب اليقين وأولي العزم يلقون الحياة بما في أنفسهم من رحابة قبل أن تلقاهم بما فيها من عنت. وكما يفرز الجسم عصارة معينة لمقاومة الجراثيم الهاجمة يفرز هؤلاء معاني خاصة تمتزج بأحوال الحياة وأغيارها فتعطيها موضوعاً وعنواناً جديدين. من قديم عرف تفاوت الهمم باختلاف الطاقات في الإفادة من الشدائد، والكسب من الظروف الحرجة. انظر إلى الأمثلة لتحويل الخسائر إلى مكاسب، عندما فقد عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما - عينيه، وعرف أنه سيقضي ما بقى من عمره مكفوف البصر، محبوساً وراء الظلمات عن رؤية الحياة والأحياء، لم ينطو على نفسه ليندب حظه العاثر. بل قبل القسمة المفروضة، ثم أخذ يضيف إليها ما يهون المصاب ويبعث على الرضا فقال: إن يأخذ الله من عيني نورهـــــــــا ففي لساني وسمعي منهما نور قلبي ذكي: وعقلي غير ذي دخل وفي فمي صارم كالسيف مأثور, وقال « بشار بن برد « – يرد على خصومه الذين نددوا بعماه : وعيرني الأعداء ، والعيب فيهمُ ؟ فليس بعار أن يقال : ضرير إذا أبصر المرء المروءة والتقـــــى فإن عمى العينين ليس يضير رأيت العمى أجراً، وذخراً، وعصمة وإني إلى تلك الثلاث فقير, لا يسلبك الله شيئاً إلا عوضك خيراً منه إذا صبرت واحتسبت (من أخذت حبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة) يعني عينيه (من سلبت صفّيه من أهل الدنيا ثم احتسب عوضته من الجنة) مَن فقد ابنه وصبر بُني له بيتُ الحمد في الخلد ، وقس على هذا المنوال فإن هذا مجرد مثال . فلا تأسف على مصيبة ، فإن الذي قدرها عنده جنة وثواب وعوض وأجر عظيم . إن أولياء الله المصابين المبتلين يُنَوّه بهم في الفردوس «سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ «(8) . وحق علينا أن ننظر في عوض المصيبة وثوابها وخلفها الخيّر « أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»(9) . فقد سُجن أحمد بن حنبل وجلد، فصار إمام السنة، وحُبس ابن تيمية فأخرج من حبسه علماً جماً ، وُوضع السرخسي في قعر بئر معطلة فأخرج عشرين مجلداً في الفقه ، وأُقعد ابن الأثير فصنف جامع الأصول ، ونُفي ابن الجوزي من بغداد ، فجوّد القراءات السبع ، فإذا داهمتك داهية فانظر في الجانب المشرق منها . تكيف في ظرفك القاسي ، لتخرج لنا منه زهراً وورداً وياسميناً «وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ » (10) . ولا شك أن تلقي المتاعب والنوازل بهذا الروح المتفائلة، وهذه الطاقة على استئناف العيش، والتغلب على صعابه، أفضل وأجدى من مشاعر الانكسار والانسحاب ، التي تجتاح بعض الناس وتقضي عليهم. والعيش في حدود اليوم – وفق هذه الوصايا – يتسق مع قول الرسول – صلى الله عليه وسلم - : ( من أصبح آمناً في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها )(11) ، إنك تملك العالم كله يوم تجمع هذه العناصر كلها في يديك ، فاحذر أن تحقرها . إن الأمان والعافية وكفاية يوم واحد ، قوى تتيح للعقل النير أن يفكر في هدوء واستقامة تفكيراً قد يغير به مجرى التاريخ كله . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.