قد ينذر مصير مئات المهاجرين الذين تم التخلي عنهم في البحر الأبيض المتوسط الأسبوع الماضي بسنة جديدة صعبة في وقت تكافح فيه أوروبا من أجل معالجة واحدة من أسوأ أزمات المهاجرين منذ الحرب العالمية الثانية. ففي يوم الجمعة الماضي كابدت القوات الجوية الإيطالية تحديات الظروف المناخية الصعبة والبحر الهائج من أجل إنقاذ قرابة 500 مهاجر كانوا عالقين على متن سفينة الشحن «إيزادين» التي كانت تبحر رافعة علم سيراليون. وقد كانت السفينة تبعد بنحو 40 ميلاً عن الساحل الجنوبي الشرقي لإيطاليا عندما أطلق المهاجرون على متنها نداء استغاثة يقولون فيه إنهم باتوا من دون طاقم ليقود السفينة إلى بر الأمان. وفي وقت سابق من الأسبوع، تم إنقاذ أكثر من 700 مهاجر من سفينة أخرى تدعى «ذا بلو سكاي إم»، يُعتقد أن المهرِّبين تخلوا عنها هي أيضاً، تاركين المهاجرين ليواجهوا مصيرهم في عرض البحر. وقد كان معظم من على متن السفينة من السوريين والأكراد. يذكر هنا أن تدفق المهاجرين على أوروبا يبلغ أوجه عادة في أشهر الصيف، ولكن وقوع هذين الحادثين في فترة قصيرة يبرز مدى يأس وتوق المدنيين للفرار من النزاعات الدموية في العراق وسوريا، إضافة إلى عدم كفاية التدابير الأوروبية التي شجعت شبكات تهريب البشر، وخاصة من ليبيا. يذكر أن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن 76 ألف شخص لقوا حتفهم في سوريا في 2014، من بينهم نحو 3500 طفل، وهو ما يجعلها السنة الأكثر دموية منذ بداية الحرب في 2011. وبالتوازي مع ذلك، تتفاقم شبكات تهريب البشر عبر أوروبا وتتجذر. وفي هذا الصدد، أفادت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية ذات التوجه اليميني يوم الأحد الماضي، استناداً إلى تقرير حصري، بأن الشرطة في فرنسا فككت في سنة 2014 نحو 230 منظمة إجرامية مرتبطة بالهجرة غير القانونية، أي بارتفاع أكثر من 30 في المئة قياساً إلى العدد ما قبل عامين. ويخشى كثيرون أن يزداد مهربو البشر قوة وتجرؤاً، ولاسيما في وقت يخضع فيه تضامن الاتحاد الأوروبي تجاه اللاجئين والمهاجرين للاختبار في ظل خلافات حول تقاسم العبء ورد فعل شعبي وسياسي متزايد. ذلك أن بعض البلدان الأوروبية على الجبهة الجنوبية، وخاصة إيطاليا، تتحمل العبء الأول المتمثل في استقبال اللاجئين، ولكن الشمال يتولى احتضان معظم المهاجرين. وعلى سبيل المثال، فإن ألمانيا المرحبة باللاجئين عموماً استقبلت الأغلبية الساحقة من السوريين، ولكن ذلك أدى في المقابل إلى نشوء حركة جديدة مناوئة للمهاجرين هي التي تدعى «بيجيدا»، وقد انتقدتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بشدة في خطاب ألقته بمناسبة السنة الجديدة حيث قالت: «لا تلتفتوا إلى الأشخاص الذين ينشئون (مثل هذه الحركات) لأن قلوبهم قاسية وكثيراً ما تكون مملوءة بالأحكام المسبقة، بل بالكراهية». ومع ذلك، فإن الحركات مثل «بيجيدا» أو الشعبويين اليمينيين الذين ينددون بتدفق المهاجرين يمكن أن تثبط الإرادة السياسية لحل المشاكل. وفي هذا السياق، تقول إليزابيث كوليت، مديرة معهد سياسة الهجرة -أوروبا: «ثمة فتور بين صناع السياسات والسياسيين والجمهور عبر أوروبا تجاه الهجرة وسياسة اللجوء». والآن، يبدو الوضع أكثر قتامة. ذلك أنه عندما لقي أكثر من 360 لاجئاً حتفهم بعد غرق سفينتهم قبالة جزيرة لامبيدوسا في إيطاليا في 2003، أطلقت الحكومة الإيطالية عملية إنقاذ سميت «ماري نوستروم». وأمام التكلفة المرتفعة للبرنامج والانتقادات التي تقول إنه يؤدي عن غير قصد إلى تشجيع مزيد من اللاجئين على محاولة الوصول إلى السواحل الأوروبية، طالبت إيطاليا الاتحاد الأوروبي بتولي العملية، وهو ما قام به. غير أن البرنامج، الذي بات يسمى الآن «ترايتون» ويدار من قبل وكالة مراقبة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي «فرونتيكس»، كان أصغر بكثير من سابقه من حيث الحجم، وهو ما جعل المدافعين عن حقوق الإنسان يخشون أن يكون ذلك على حساب المهاجرين الاقتصاديين واللاجئين. وكان البابا فرانسيس قد انتقد أوروبا لردها غير الكافي خلال خطاب أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورج، حيث لقي 3 آلاف مهاجر مصرعهم هذا العام في البحر الأبيض المتوسط أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، وفق وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وهو ما يعادل خمسة أضعاف الرقم المسجل خلال الفترة نفسها من عام 2013. وقال البابا في نوفمبر: «لا يمكننا أن نسمح بتحول المتوسط إلى مقبرة كبيرة»، مضيفاً «إن غياب الدعم المتبادل داخل الاتحاد الأوروبي يمكن أن يؤدي إلى تشجيع… حلول لا تأخذ في عين الاعتبار الكرامة الإنسانية للمهاجرين، وهو ما قد يساهم بالتالي في أعمال السخرة واستمرار التوترات الاجتماعية». سارة ميلر لانا * * صحفية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»