يعتبر برنامج «جامعة المواهب» أو «ملتقى المواهب» ــ Talent Campus ــ من الفعاليات الطموحة في مهرجان برلين السينمائي، وهو برنامج انطلق قبل عشر سنوات من الآن، وتنظمه إدارة المهرجان كي يكون تجمعا أقرب للورشة التخصصية التي تهيئ لمناخ خصب وتفاعلي يساهم في تطوير مهارات السينمائيين الشبان والواعدين من مختلف دول العالم، كما يهدف البرنامج أيضا إلى خلق فرص لتبادل الخبرات بين السينمائيين الموهوبين، وتقييم مشروعاتهم المستقبلية وأفكارهم السينمائية. يمثل الإمارات في برنامج التدريبي الدولي «ملتقى المواهب»، المخرج الشاب خالد المحمود، الذي سبق له المشاركة بفيلمه «سبيل» في مسابقة «أجيال» بمهرجان برلين السينمائي العام الماضي، ويعد المحمود من المواهب السينمائية الواعدة في الإمارات، وله تجربة حافلة في هذا الحقل الفني تمتد لأكثر من ثماني سنوات، والتي توجت قبل أشهر باختياره كواحد من أفضل عشر مواهب سينمائية شابة في الوطن العربي، في تصنيف مجلة «الشاشة الدولية» أو «سكرين إنترنشونال» الشهيرة، وبانت ملامح موهبة المحمود وقدراته الفنية المتميزة، منذ الدورات الأولى لمسابقة أفلام من الإمارات التي كانت تقام في المجمع الثقافي بأبوظبي، وكانت معظم أفلام المحمود على موعد مع الجوائز والانتباهات النقدية في مختلف المناسبات السينمائية في الدولة مثل مهرجان دبي السينمائي، ومهرجان الخليج السينمائي، بالإضافة إلى الحضور اللافت لأفلامه في المهرجانات الخارجية. سينمائيون محترفون وللتعرف والاقتراب أكثر من أجواء وتفاصيل الملتقى التقت «الاتحاد» بالمخرج خالد المحمود، الذي أشار بداية إلى أن مشاركته في «ملتقى المواهب» بدأت بإجراءات التسجيل الاعتيادية المطلوبة في مثل هذه الملتقيات، وقد تمت الموافقة على طلبه، اعتمادا على مساهماته السابقة، والمشاريع السينمائية المستقبلية التي يحضر لتنفيذها، ويستعد لترجمتها إلى أفلام روائية قصيرة، بالإضافة إلى رغبته في إنتاج أفلام وثائقية خلال العام القادم، وقال المحمود إن عدد المشاركين في الملتقى وصل إلى 350 سينمائيا شابا، قدموا من 99 دولة في مختلف قارات العالم، من أجل تبادل المعارف والإطلاع على التقنيات الحديثة الخاصة بصناعة الفيلم، ومن أجل خلق فرص لتكوين صداقات سينمائية مع مخرجين قادمين من ثقافات مختلفة وتعزيز التعاون المستقبلي والمشترك معهم، وذلك من خلال الورش المتعلقة بكتابة السيناريو والتصوير والمونتاج والمكساج والإخراج، وكذلك من خلال الالتقاء بخبراء ومخرجين عالميين معروفين ويملكون رصيدا زاخرا من الأعمال السينمائية القوية والمميزة. ويذكر المحمود من هؤلاء السينمائيين المحترفين الذين شاركوا في محاضرات وندوات الملتقى، المخرج التركي نوري جيلان الذي سبق له الفوز بجوائز كبرى في مهرجانات أوروبية عريقة مثل مهرجان كان، وبرلين، والبندقية وغيرها، والمخرج البريطاني الكبير مايك لي الذي يرأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية في الدورة الحالية من مهرجان برلين، والممثلة الفرنسية جولييت بينوش التي تملك رصيدا محترما ورصينا من الأعمال السينمائية المستقلة والجماهيرية على السواء. فرص الإنتاج المشترك وعن الورش التي استفاد منها أكثر من غيرها، يشير المحمود إلى أنه استقى معارف جديدة وخبرات إضافية في ورشة السيناريو، لأنها كانت ورشة احترافية ألقت نقاط ضوء جديدة بالنسبة له حول أسرار ومنهجية كتابة نص متماسك وقوي يكون له دور مؤثر للخروج بفيلم ناجح، يتماهى فيه أداء الممثلين مع روح وقيمة النص المكتوب على الورق، ويتشرب فيها المخرج الطاقة الجمالية المخزونة في السيناريو ويوصل مكونات وتفاصيل ورسائل النص إلى الفنيين والتقنيين العاملين في الفيلم. ويضيف المحمود أن الملتقى استقطب عددا من المنتجين العالميين المشاركين في سوق الفيلم بالمهرجان من أجل تمويل بعض المشاريع السينمائية الجادة والقوية التي يعمل عليها عدد من المخرجين الشبان الموجودين في الملتقى، ويوضح أن من آليات صناعة الفيلم الأخرى التي تعرف عليها خلال الملتقى هي، شروط التوزيع وفرص الإنتاج المشترك وكيفية استغلال تقنيات الوسائط المتعددة المعاصرة مثل الإنترنت والهواتف النقالة واستثمارها في دعم المشاريع الشخصية وفي تحقيق الشروط القياسية للفيلم الجيد والترويج له بشكل مناسب وسليم. دورات كتابة السيناريو ويضيف: «هناك مجموعات خضعت لدورات مكثفة حول كتابة السيناريو لأنها تعاني من نقص في هذا الجانب، وهناك دورات أخرى أقيمت حول عمليات المونتاج والإضاءة وإدارة الممثل وغيرها، إضافة إلى المحاضرات النظرية العامة التي تقرأ وتحلل التوجهات الجديدة والمعاصرة لفن السينما. مع تخصيص جلسات فردية للمشاركين مع خبراء سينمائيين ومخرجين منتمين لمدارس وأنماط سينمائية مستقلة». وفي سؤال حول الدور المنتظر من «ملتقى المواهب» في مهرجان برلين في تطوير مهارات المحمود عند التعامل مع مشاريعه السينمائية القادمة، يجيب بأنه ما تعلمه واستقاه من هذا الملتقى سيكون له انعكاسات إيجابية دون شك على أعماله القادمة، نظرا لما احتوى عليه الملتقى من تبادل للخبرات مع صناع أفلام شباب أجرى معهم حوارات متعددة في هذا السياق، كما أن المعارف التقنية والنظرية التي استمع واطلع عليها، ستمده بحصيلة جيدة من الحلول والابتكارات لمواجهة العقبات الفنية والموضوعية التي تؤثر على ترجمة الأفكار الملهمة إلى أفلام ملهمة أيضا. خطط تطوير السينما عن سبب افتقاد السينمائيين الإماراتيين لمثل هذه الملتقيات السينمائية في الداخل، رغم وجود مهرجانات دولية كبرى مثل أبوظبي ودبي ومهرجان الخليج، يوضح المحمود أن وجود هذه المهرجانات وكذلك بعض الهيئات والمؤسسات المختصة بالشأن السينمائي ساهم في دعم وإنتاج الأفلام الإماراتية، ولكن الإشكالية التي تقلل من تطوير مهارات السينمائيين المحليين تمثل في حس الوصاية الذي تمارسه هذه المؤسسات على المخرج الإماراتي الشاب، رغم أن تجربة أغلب هؤلاء المخرجين تتجاوز تجربة وخبرة المشرفين والإداريين في المؤسسات الجديدة، والذين يضعون شروطا صعبة أمام المبدع المحلي، ويمارسون عليه نوعا من التسلط المستند على الموقع الإداري والإملائي لطرف على حساب الطرف الآخر، ومن هنا فإن القائمين على الشأن السينمائي المحلي ينتظرون نجاحات سريعة ولحظية، بينما أمر تطوير السينما وتنمية المواهب يحتاج إلى خطط مبتكرة، وإستراتيجية صبورة وممتدة حتى يمكن تحقيق مفهوم صناعة الفيلم بشكله الصحيح، وحتى يمكن جني الثمار الفنية الناضجة والزاهية للفيلم الإماراتي في المستقبل.