قبة الصخرة التي تحاكي المسجد الأقصى، يقارب فيها الفنان الفائز بجائزة أبراج كابيتال للفنون 2010 الرمز والأسطورة والواقع في عمل فني يمزج فيه الصوت وتهيؤات الرسم والحركة بأسلوب قال عنه لـ «الاتحاد» إنه «رسم القرن الواحد والعشرين». تزامن العرض مع العديد من الأخبار المقلقة التي تدور حول المسجد الأقصى وقبة الصخرة التي هي جزء منه، مع دخول القوات الإسرائيلية إلى حرمه، وقال عطية «ربما تنطلق انتفاضة جديدة» وهو قد شهد الانتفاضة الثانية التي انبثقت في القدس بعد دخول أرييل شارون (وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك في العام 2000) إلى المسجد. عمل قادر عطية الفني عرض خلال فعاليات «آرت دبي 2010» مع عملين فائزين، لكن الأحداث سرقت الأنظار إليه داخل غرفة سوداء يشعر فيها من يطأ أرضيتها بالحركة الناتجة عن صوت الرياح الذي سجّله عطية من داخل قبة الصخرة كما هو، وأضاف عليه صوت الباص الذي يشعر بالارتجاج، وللوهلة الأولى يعتقد الناظر أن ثمة رسماً على قماش الكانفا لقبة الصخرة، وريثما يكتشف أنه عرض صورة فيديو مباشرة تكبّر مجسماً صغيراً جداً صنعه قادر من أبسط ما يمكن تخيّله، عزقة البرغي النحاسية الفضية، وبرغي من النحاس الأصفر بقبة تمثل بلونها وشكلها قبة الصخرة التي لم تغلف بالذهب إلا منذ أربعين عاماً وحسب، فيما يعود تاريخ بناء القبة إلى الفترة الممتدة من 688 م إلى 692 م، على عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي أمر ببنائها فوق صخرة المعراج. قادر عطية، يقيم في ألمانيا، وهو جزائري تعود عائلته إلى فلسطين، وقد غادرتها منذ ثلاثة عصور. زار قبة الصخرة ثلاث مرات، أخيرا كانت رحلته إليها منذ عام حين سجّل من داخلها صوت الرياح التي تهب في مدينة «القدس العتيقة»، إذ يقع المسجد الأقصى وقبة الصخرة في البلدة القديمة لمدينة القدس. «الهندسة المعمارية تعطي الأجوبة فيما الفن يطرح الأسئلة، هذا هو أسلوب قادر عطية وتفكيره» كما تقول لوري آن فاريل، راعية عطية فنياً، والمديرة التنفيذية للمعارض في جامعة سكاد في نيو يورك، والتي تقيم معارض في جاليريهات ثابتة في أتلانتا وسافانا وجيورجيا وفرنسا، وقد افتتحت أخيراً جاليري في هونج كونج. لوري لم تزر قبة الصخرة، ولكنها سمعت عنها مطولاً من قادر عطية فأحسنت تقديمها في زيارة أولى للإمارات في سبتمبر الماضي نتج عنها الجائزة التي تعطى للفنان كي يقيم في الإمارات لفترة تسمح له بإنجاز فكرته وتطبيقها. الكلمات لا تكفي لتصف المشاعر التي تنتاب الداخل إلى غرفة قادر عطية السوداء، حتى للذين لا يعرفون كم تحمل هذه القبة والمسجد الأقصى من معاني دينية وتاريخية دخلت إليها الأسطورة في محاولة لتحطيم الرمز الايقوني. وقادر يحطم الرمز إنما على طريقته، فهو يبتدعه بفنه ويحطمه في آن معاً. فثمة المادة البسيطة التي اختارها، وهي ببساطتها وصغرها تعكس حجما مضاعفا بأكثر من عشرة آلاف مرة بتصوير فيديو مباشر يعكس المجسم على الكانفا يرافقه صوت الريح كما هو في قبة الصخرة مع صوت الباص فتهتز الصورة وتهتز الأرض كأنها حكاية من الزمن القديم بتاريخيتها ورمزيتها وواقعها. لوحة رقمية تسأله عن المشاعر وإنتاجها عفوياً من خلال العمل، فيقول قادر عطية «إنه ليس عرضاً إنما بث مباشر للفيديو وصوت يتداخل في المساحة. إنه رسم القرن الواحد والعشرين». يتحدث عن صفتين مؤقتتين، الصوت المسجل حيا من داخل المسجد والصفة المباشرة في عرض الموضوع. صفتان مؤقتتان تحصلان وتجعلان المرء يشعر بما يجري، وهناك الحركة من ذبذبات الصوت فيهتز المكان وترتج الصورة. ويضيف :»في الواقع، أنا أحاول كيف أظهر - ولا يتعلق الأمر بالمفاهيم بقدر ما هو ما ورائي وغيبي وتجريدي إلى حد بعيد- أنه أبعد من تقديم أثر ديني مثل قبة الصخرة، أود أن أجعل الناس تعي أنه لم ينته كل شيء، ولم يبدأ أي شيء في الواقع، وربما يكون شاهداً معبراً لما يحصل اليوم في القدس. ماذا جرى للمدينة التي نمت علاقة وتعايش معها من المسيحيين والمسلمين واليهود، وقد قدموا إليها لأسباب دينية غريبة. وأود القول إنه ربما ولأسباب فنية، أتساءل عن السبب، أتساءل لماذا يجري كل ذلك في هذه المدينة.. إنه شيء لا يصدّق». ويقول قادر «أعتقد أن ثمة شيئاً ممغنطاً يجذب في القدس، والصورة تتحرك، وما أحاول فعله هو إعطاء تلك المشاعر، كما أخبر مع استخدامي لصفتين مؤقتتين، هما سلطتان، العرض الأيقوني للأثر الديني والصوت، مستخدما اشياء صغيرة جدا لعرض أكبر اضعاف الأضعاف بأكثر من 10 آلاف مرة من حجم المجسم. إنها طريقة لنحتفل بها ونحطمها في الوقت ذاته، الإحتفاء بفكرة الرمز الأيقوني وتحطيمها، إنه عمل يتجاوز تاريخ الرمز في تاريخنا. وبسبب الصفتين المؤقتتين في العمل، أعتقد أنها لوحة رسم ولكنها لوحة رقمية». شجر الزيتون تتحدث لوري آن فاريل عن مفهوم العمل الفني، عن مفهوم قبة الصخرة، الذي نقله إليها الفنان قادر عطية، وهي راعيته فقدمته للجائزة، وتقول «عطية جزائري عاش في غالبية الوقت في باريس وعمل الكثير من الأعمال حول الهندسة المعمارية، فقد نظر إلى كيفية استخدام الهندسة المعمارية في العديد من المدن، وفي مشروعه «خط السماء (سكاي لاين)» عرض لمشكلة المباني السكنية الإسمنية العالية التي ضغطت الناس فيها، وفي العودة إلى الجزائر في زيارة لأحد أقربائه لاحظ أن ثمة مهندس نقل هذا المفهوم في البناء إليها. وقد تأمل لفترة طويلة كيف انبثقت القوة وكيف فوضت الهندسة المعمارية والآثار، كما لو بأي طريقة أصبحت علامة في زمنها». وتضيف «لقد عاد عطية إلى القدس وزار لعدة مرات قبة الصخرة، وقد تأثر كثيراً بجمالية هندستها المعمارية وبجمالية ساحتها العامة، وبصوت الريح وبشجر الزيتون والعصافير». «حين نسمع بقبة الصخرة، تطفو في المكان المسائل المتقاتل عليها المحيطة بالمكان. لذا فإن قبة الصخرة بالنسبة إليه هبة شعرية لأنه يذكرنا بأن هناك جمال وشعر، ويتيح للناس حين يدخلون لمعاينة عمله أو التمتع به هذه التجربة الجمالية والشعرية، إنه نوع من عدم التفكير في كل المسائل المحيطة بالمكان، لأن قادر يخلق بعمله تعبيراً فنياً جديداً يعيد هذه الجمالية ويعيد من جديد هذه الشعرية» تتابع لوري آن. وأبعد أيضاً، فمن خلال هذه الجمالية وهذه الشعرية، يتحدث قادر عطية عن الواقع، فيشير لها جرى أخيراً في المسجد الأقصى، وهو شهد في إحدى زياراته الانتفاضة الثانية، معتبراً ما حصل ويحصل يعطي لعمله قوة، معتبراً أن عمله «هو أيضاً لتذكير الناس بأننا لا نستسلم في القتال ولا ننسى، وإن صوت هذا الشاهد وهذا العمل هو أننا لا نزال هنا، إنه كما التهديد». ويعتبر قادر عطية أنه من المهم استخدام مواضيع كل الرموز الأيقونية، لأنه إذا ما نظرنا إلى الشتات بين الجزائر وأوروبا، بين الشرق والغرب، وليس هو كشخص إنما كعمل يقدمه يصبح كما لو أنه «سفير لهذه القضية»، ويضيف «من المهم أنني أتيت إلى دبي، ولكن بودي أن أعرض هذا العمل في نيو يورك، كما في باريس حيث سيكون له معناه... من المهم جدا أن يتغلغل إنتاج الفن المعاصر من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل فعال على مستوى العالم، فيصل إلى بلدان أخرى وثقافات أخرى وألا يبقى محصوراً كما الجيتوهات».