أحمد السعداوي (أبوظبي) يحتضن مهرجان الشيخ زايد التراثي، المقام حالياً بمنطقة الوثبة في أبوظبي، صوراً بالغة الروعة لمفردات التراث الإماراتي، من أبرزها عناصر التراث الثقافي غير التي نجحت دولة الإمارات في ضمها إلى قائمة منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة «اليونسكو»، والتي كرست القيمة الكبرى التي يحتلها الحدث التراثي الضخم في العالم، وفي الوقت ذاته منحت الأعداد الكبيرة من الزائرين فرصة لعمل جولات سياحية ومعايشة حقيقية لمفردات البيئة المحلية والألوان المتميزة من التراث الإماراتي ومنها الرزفة، العيالة، الصقارة، السدو، القهوة العربية، التغرودة، العازي. وهي المفردات التي توزعت في ساحات المهرجان لتمنحه سمات العراقة والأصالة بكل ما تعنيه من جماليات الشكل الخارجي وعبق الحضارة والتاريخ الذي يلحظه الجمهور في كل ركن وزاوية بمهرجان الشيخ زايد التراثي، المقرر أن تنتهي فعالياته في السابع والعشرين من الشهر الجاري. فنون أصيلة ويقول سالم علي الكعبي، المتخصص في الرزفة، إن ضم أي من ألوان التراث الإماراتي للتراث الإنساني غير المادي يعتبر إضافة ومبعث فخر لكل إماراتي، كون تراثنا وتاريخنا له من الأهمية مبلغ عال يجعل أهم مؤسسات العالم تعمل على العناية به والاحتفاء به بمختلف الأشكال، ليشرح أن كلمة الحربية والرزفة مرادفان لمعنى واحد وهو نوع من الفنون الأصيلة التي عرفها أهل الإمارات قبل مئات السنين، ويتشارك في أدائها عدد كبير من الرجال قد يتجاوز الـ 40 شخصاً وبحيث يصطف الرجال على الجانبين، وفي الوسط يقوم «اليويّلة» بالاستعراض سواء بالعصا أو البندقية، على وقع كلمات الشاعر التي تتردد خلال تقديم اللوحة الفنية. ويؤكد أن هذا الإرث يعتز به كل أبناء الإمارات على اختلاف مراحلهم العمرية وفئاتهم، ويحرصون على توصيله للأجيال الجديدة وأبناء الجنسيات الأخرى، ولذلك نرى تنوعاً لافتاً بين أعضاء فرقة سيف هلال الكعبي، التي تقدم عروض الرزفة ضمن فعاليات المهرجان، ويتنافسون في العروض بما تحتويه من كلمات تراثية وطنية، مشيراً إلى أن هذا الفن كان ولا يزال يقدم في عديد من المناسبات الاجتماعية والوطنية وكذا في استقبال الضيوف المهمين، وخلال العرض يستعرض الرجال المشاركون فيها مهارتهم في تحريك السلاح أو العصا مصحوبة بحركات إيقاعية جميلة بالرأس تزيد من جمال هذا الفن وتمنحه جمالاً استثنائياً. ثلاث مجموعات وبالنسبة لفن العيالة، يقول عنه خلفان النعيمي، إنه يتميز باعتماده على ثلاث مجموعات يتشاركن تقديم العيالة، الأولى تحمل آلات العزف والدفوف يتقدمهم «الراس» الذي يحمل طبلة كبيرة تتحكم في إيقاع الفرقة عبر نقراته عليها والتي تصدر صوتاً عالياً يصل مداه إلى مسافات بعيدة، والثانية تقوم بالغناء والأناشيد الحماسية، أما الثالثة فتطوف حول الفرقتين لإضفاء مزيد من الحماسة وقد يكونون ممسكين بسيوف أو بنادق، مشيراً إلى أن إدراج العيالة ضمن التراث المعنوي للبشرية في 2014 يضاف إلى إنجازات مسؤولي التراث والثقافة في الدولة، وهو جهد مشكور يسيرون بمقتضاه على نهج المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بأن من ليس له ماضٍ ليس له حاضر ولا مستقبل، ولذلك نحرص جميعاً على حفظ كل مكونات تراثنا الغالي وتأدية أمانة توصيله إلى الآخرين في أبهى صورة. مذاق القهوة ومن الفنون الشعبية الإماراتية يذهب زائرو المهرجان إلى نمط تراثي فريد وهو طقوس شرب القهوة التي أقرتها اليونسكو ضمن التراث المعنوي للبشرية، ليقول عنها الوالد سيف راشد الدهماني، إن المجتمع الإماراتي عرف القهوة قبل عدة قرون وصارت طقوس القهوة وكيفية صنعها وتقديمها في أجواء أصيلة من العناصر المعروفة في تراث أبناء الإمارات، لافتاً إلى أن هناك أدوات تستخدم في تحويل البن إلى القهوة بمذاقها المعروف في الإمارات، ومن أهم هذه الأدوات المقلاة الحديدية التي يتم تسوية البن فيها على النار، والمحماص الذي يستخدم لتقليب البن حين تسخينه، ويتم هذا التسخين حتى يصبح لونه أشقر أو أحمر أو أسود، ويزداد درجة قتامة اللون كلما زاد وقت وضع البن على النار، علماً أن الغالبية يحبون تحميص البن إلى أن يصبح لونه «أحمر دم الغزال»، وبعد التحميص يتم وضع البن في المدق أو المنحاس، حيث يتم تنعيمه واستخدامه في عمل القهوة. وأوضح أن هناك فائدة أخرى لهذا المنحاس، المرتبط بقصص وحكايات عن التراث الإماراتي وحكايات الأجداد، إنه كان يستخدم في إيقاظ أهل الدار لتأدية صلاة الفجر، كون صوت دقاته تسبب رنيناً مميزاً قادراً ليس فقط على إيقاظ أهل الدار، بل أهل الفريج جميعاً بغرض تأدية الصلاة في وقتها، كون كل المنازل كانت مبنية آنذاك بخوص النخل وجريده، وهو ما يسهل انتقال الصوت في الفريج. أنواع الدلال وهناك أكثر من نوع للدلال التي تستخدم في تقديم القهوة تتمثل في دلة الإمارات أو الدلة الحساوية «نسبة لأهل الأحساء»، القريشية «نسبة لأهل قريش»، النجدية «نسبة لأهل نجد»، الحايلية «نسبة لأهل حايل»، العمانية «نسبة لأهل عمان» والبعض يسميها النزوانية، البغدادية، رسلان وهي من الشام، والصلاحية من الشام، حيث سميت الدلال على اسم المنطقة التي صنعت بها، علماً أنه عند العرب، خاصة التجار عند عمل القهوة توضع 3 دلال في موقد النار كبيرة، ومتوسطة، وصغيرة، ولكل دلة مسمى، الكبيرة تسمى الخمرة وهي التي يكون بها ماء ساخن وتوضع وسط الموقد كي تحتفظ بالماء ساخناً في حال الحاجة إلى إعداد القهوة، المتوسطة هي اللقمة والتي يطبخ بها القهوة، حيث يسكب فيها الماء وتضاف القهوة حتى تغلي الدلة، الصغيرة وتسمى مزلة، وهي التي يقهوون بها الضيوف، أي يتم تقديم القهوة لهم. إرث الأقدمين أما السدو فتحدثنا عنه الوالدة بخيتة عبيد، مؤكدة اعتزازها بإرث الأقدمين وأنها تشعر بالفخر، كونها تساهم بجزء بسيط في حفظ هذا الموروث ونقله للآخرين، حيث تعلمت كثيراً من الحرف اليدوية النسائية من خلال العائلة وهو ما تعمل عليه حالياً، حيث علمت بناتها وفتيات العائلة الكثير من الحرف التراثية خاصة السدو، الذي انتقل من المحلية إلى العالمية من خلال مشاركة أبناء الإمارات في المهرجانات التراثية بعديد من دول العالم، وإقبال الأجانب والسائحين على معرفة هذا التراث، وتوجت كل هذه الجهود بضم السدو إلى عناصر التراث غير المادي للبشرية قبل عدة سنوات. وأوضحت أن الآلة الرئيسة في عمل السدو هي النول الخشبي، حيث تقوم بشد خيوط الصوف المصنوع من وبر الجمال عليه، باستخدام أداة صغيرة مصنوعة من قرن الغزال تساعد في التحكم بالخيوط وضمها إلى جوار بعضها حتى يتم الوصول إلى الشكل المستهدف، حيث صارت هذه الأشكال تستعمل بشكل واسع في بيوت الإماراتيين ومحبي التراث لإضافة لمسة أصالة عليها، عبر قطع السجاد والأدوات المنزلية والمفروشات البسيطة. إرث يعتز به أبناء الإمارات على اختلاف أعمارهم رسائل مهمة الصقّار، علي جابر الحمادي، لفت إلى أن الوجود اللافت لعناصر التراث الإماراتي الذي سبق انضمامه إلى اليونسكو كمفردات تراثية غير مادية للإنسانية، يعتبر واحداً من الرسائل المهمة التي يحملها مهرجان زايد التراثي، ويؤكد اعتزازنا جميعاً بكل مكونات هويتنا، خاصة في ظل الحب والتقدير الذي نلحظه من جميع الزائرين للإمارات وأهلها وتراثها وتاريخها، بكافة أشكاله ومنه عالم الصقور التي انضمت مؤخراً للتراث العالمي غير المادي للإنسانية، لتؤكد على النهج الناجح الذي يسير عليه مسؤولو التراث، واتخاذ إرث الأجداد أساساً قوياً لمسيرة الإمارات. أنغام العازي على وقع أنغام وكلمات فن العازي التي تتردد في جنبات جناح دائرة الثقافة والسياحة بالمهرجان، يقول الخبير التراثي بالهيئة، سيف عبيد الكعبي، إن عناصر التراث الإماراتي التي انضمت إلى اليونسكو، تعتبر بحد ذاتها لآلئ تزين تاج التراث الإماراتي، حيث تنوعت هذه العناصر لتشمل جميع مناحي تراث الأهل والأجداد من حرف وفنون وأساليب حياة برع فيها أهل الإمارات القدامى، وبخصوص فن العازي الذي اهتمت به الدائرة بشكل لافت، يعتبر من فنون الحماسة استخدمه أهل القبائل قديماً لحفز همم أبناء القبائل في أوقات الحروب وتجميعهم لمواجهة هجمات الأعداء عبر أبيات حماسية وطنية، ويقوم فن العازي على قوة صوت المؤدي وتوحد صفوف المرددين، في مشهد يعكس التلاحم والترابط. أما التغرودة، فهي الأهازيج والأشعار التي كان يرددها أو يغردها راكبو البوش «الجمال»، أو الخيول خلال الترحال من مكان إلى آخر بحثاً عن الرزق وانتقال القبيلة من مكان إلى آخر.