حتى قبل وقت طويل من تعرض أجهزة الكمبيوتر الإيرانية التي تدير برنامجها النووي لفيروس "ستاكسنيت" والضربة التي تلقتها خططها كانت الجهود النووية الإيرانية قد تعثرت أكثر من مرة لأسباب أقل تعقيداً متمثلة في غياب التكنولوجيا المتقدمة، هذه العقبات التقنية التي يواجهها البرنامج النووي الإيراني هي ما يفسر تقييم المسؤولين الأميركيين الذي يفيد أن الوقت المتبقي أمام طهران لحيازة القنبلة النووية التي يخشى منها الغرب والعالم يتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، وهو ما يتيح فسحة أكبر من الوقت لتكثيف العمل الدبلوماسي للوصول إلى تسوية مع إيران تنهي بموجبها برنامجها النووي. ويبدو أن المعضلة الأساسية التي تواجه برنامج إيران النووي تكمن في تصاميم أجهزة الطرد المركزي التي تعتمد عليها في تخصيب اليورانيوم، فهي تستخدم حالياً في برنامجها أجهزة طرد من طراز P-1 المستمدة من النموذج الباكستاني الذي طورها استناداً إلى نموذج هولندي، لا يمكن الاعتماد عليه لأنه من جيل قديم كثير الأعطال، لا سيما النموذج الذي سعت طهران إلى تطويره. والحال أن تكنولوجيا تصنيع أجهزة الطرد المركزي أو حتى تجميعها معقدة للغاية، ومن الصعب إتقانها في وقت وجيز بحيث تستدعي بناء جهاز آلي معقد يعمل وفق مواصفات خاصة جداً تسمح بالأسطوانات المكونة لأجهزة الطرد بالدوران بسرعة تفوق سرعة الصوت وبوتيرة يومية دون توقف. وفي ظل الصعوبات الهندسية التي تعترض إيران، فضلاً عن المواد الرديئة التي تهربها من الخارج يزيد من تعقيد الوضع بالنسبة للبرنامج النووي الإيراني لتقف أمام استكماله العديد من التحديدات التقنية والهندسية. هذه الصعوبات أكدها كبير المفتشين السابق "أولي هينونين" خلال عرض قدمه أمام جمعية مراقبة التسلح في الشهر الماضي عندما قال إن الطراز القديم من أجهزة الطرد المركزي الذي تعتمد عليه طهران في تخصيب اليورانيوم "يعاني من مشاكل حقيقية"، موضحاً أن التأخير الذي لحق بالبرنامج النووي الإيراني مرده "الطراز القديم لأجهزة الطرد المركزي"، ولعل المساعي التي تبذلها طهران حالياً لاستبدال الطراز القديم بآخر حديث، يثبت ما ذهب إليه كبير المفتشين في تقييمه لسبب تأخر البرنامج النووي الإيراني، وهي مساعٍ تواجه نفسها عراقيل كبيرة بسبب الصعوبات التقنية والعلمية المرتبطة ببناء نماذج جديدة لأجهزة الطرد المركزي تستدعي خبرة مهمة وتجربة علمية رفيعة. ورغم ما تعلنه إيران من أولوية تخصيب اليورانيوم وجعله قضية وطنية يعاني في الحقيقة بسبب العراقيل التقنية وتعطل أجهزة الطرد المركزي المتقادمة من عقبة كأداء تحول دون تحقيقها لأهدفها. فمن بين 8500 جهاز طرد مركزي تم تركيبها في محطة "ناتانز" لا يعمل منها إلا النصف، هذا بالإضافة إلى أن الطاقة التي تعمل بها تلك الأجهزة لا تتجاوز 60 في المئة من إجمالي طاقتها، ناهيك عن اضطرار المهندسين الإيرانيين كل مرة إلى استبدال الأجهزة التي تتوقف عن الدوران، وحتى عملية الاستبدال ليست سهلة عندما يتعلق الأمر بمحطة نووية بسبب افتقار إيران لمواد عالية الجودة والمكونات الأساسية ذات المواصفات الخاصة جداً التي تدخل في عمل الأجهزة، ورغم ما تبذله طهران من مساعٍ لتهريب الأجهزة وقطع الغيار المرتبطة بها، فإنه وبسبب العقوبات المفروضة على إيران، لم يعد من السهل تهريب الأجهزة وإدخالها إلى إيران. لذا إذا كان فيروس "ستاكسنيت" قد عرقل تقدم البرنامج النووي الإيراني بتخريبه لأجهزة الكمبيوتر في بعض المحطات، فإن البرنامج نفسه كان يعاني من صعوبات جمة حتى قبل ذلك، وربما لهذه العوامل بدأ المسؤولون الأميركيون يراجعون تقييماتهم فيما يتعلق بالإطار الزمني المتبقي أمام البرنامج، وهو ما ينسجم مع نمط متكرر من التحذيرات الأميركية حول المهل الزمنية التي حددت لوصول إيران إلى القنبلة النووية. والتعامل مع البرنامج النووي الإيراني بجدية، يعني إجراء تقييم موضوعي وواقعي لتقدمه والمدى الزمني الذي يتعين قطعه في ظل الصعوبات التقنية الحالية التي تعاني منها والقدرات التي يتعين عليها امتلاكها حتى تتقن إيران التخصيب. وكل ما يمكن القيام به في هذه المرحلة هو الاستمرار في التعاطي الدبلوماسي مع إيران كما حدث في اللقاء الأخيرة مع الدول الست الكبرى في جنيف، والذي لم يسفر عن نتائج مهمة، لكنه على الأقل يكسب الوقت لكلا الطرفين حتى تتضح نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران. جريج تيلمان- باحث في «جمعية مراقبة التسلح» ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"