أحمد مراد (القاهرة) هو إبراهيم بن يزيد بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن ذهل النخعي، أمه مليكة بنت يزيد بن قيس أخت الصحابي الأسود بن يزيد النخعي. والنخع قبيلة في اليمن، ذو شعب وبطون، وقد قدم وفد من القبيلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، ودخل في الإسلام، ثم نزل الكوفة، ومنها انتشر ذكرهم، وذكر عبدالله بن عباس أنه شهد قدوم هذا الوفد وسمع دعاءه له، حيث قال: «اللهم بارك في النخع»، فأجاب الله تعالى دعاء رسوله. ولد إبراهيم النخعي العام 46 هجرية، ونشأ في الكوفة، وهي آنذاك مدرسة تعج بالعلماء وطلاب العلم، وجمعت عدداً كبيراً من الصحابة رضوان الله عليهم، وعلى رأسهم عبدالله بن مسعود، ومن ثم كان الجو العام الذي عاش فيه النخعي جو علمي، كما أن الجو الخاص الذي وجد فيه هو جو علمي أيضاً، بعد أن حظيت قبيلته بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بالخير، فتفتح هذا الخير فيها علماً وتقوى وصلاحاً. روى إبراهيم النخعي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن خاله الأسود النخعي، وعلقمة بن قيس، ومسروق بن الأجدع، وعبيدة السلماني، وعبدالرحمن بن يزيد، وشريح بن الحارث، وزر بن حبيش، وعبيدة بن نضلة، وهني بن نويرة، وعابس بن ربيعة، وتميم بن حذلم، وسهم بن منجاب، وعبدالله بن ضرار الأسدي. وهؤلاء كلهم من كبار التابعين، وقد حظي النخعي بعناية هؤلاء الأفذاذ في قراءة القرآن الكريم وتفسيره، وحفظ حديث رسول الله، وكان من أعلام الفقه في عصره، فقيه العراق بلا منازع، لم يختلف أحد من السلف والخلف على ذلك. واستطاع النخعي بما آتاه الله من علم، وبما هداه إليه من طريقة مثلى في التعليم، وما وهبه من خلق فاضل ودين قويم، أن يستقطب وجوه الكوفة وأعيانها، الذين يجتمع الناس حولهم ويرجعون إليهم حيث وجدوا فيه العلم والإخلاص في القول والعمل، فمن تلاميذه المغيرة بن مقسم الضبي، ومنصور بن المعتمر السلمي، وعبدالله بن عون المرادي، وأبوإسحاق الشيباني، والحارث بن يزيد العكلي، وأبومشعر زياد بن كليب وعبدالله بن شبرمة والأعمش وحماد بن أبي سليمان. وكان النخعي تقياً نقياً عابداً يصوم يوماً ويفطر يوماً، قال الأعمش: ربما رأيت إبراهيم يصلي، ثم يأتينا، فيبقى ساعة كأنه مريض. وكان إبراهيم النخعي طويل الصمت، إذا جلس في القوم لم يشعر مصاحبوه بوجوده، وقد لازمته هذه الخصلة طيلة حياته، قال أشعث بن سوار: جلست إلى إبراهيم ما بين العصر إلى المغرب فلم يتكلم، وكان لا يتكلم حتى يُسأل، وقد حباه الله تعالى خلقاً كريماً، فهو لا يشاجر ولا يخاصم أحداً، وفي ذلك يقول ما خاصمت رجلاً قط. وعرف إبراهيم النخعي بأنه كان شديد الاتباع لأستاذه علقمة، يتبنى الكثير من آرائه، وعلقمة هو التلميذ الملازم للصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وقد كان شديد التأثر به، فظهر أثر ذلك في فقه النخعي. في سنة 96 هجرية، أصيب النخعي بمرض، فأحس أنه ميت، فجزع جزعاً شديداً وبكى، فقال له بعض من يعوده: ما يبكيك يا أبا عمران؟ فقال: وأي خطر أعظم مما أنا فيه، أتوقع رسولاً يرد عليّ من ربي، إما بالجنة، وإما بالنار، والله لوددت أنها تلجلج في حلقي إلى يوم القيامة. وقد مات في هذه السنة، وله من العمر 49 سنة، وكان ذلك في عهد الخليفة الوليد بن عبدالملك.