قد يظن بعض الرجال أن قوامة الرجل على المرأة في الإسلام هي قوامة تشريف وتسلط واستبداد، ويصنع من علو الصوت وقسوة السوط عنواناً للفتوة والرجولة. والواقع أن هذا فهم مغلوط للرجولة وأماراتها، إذ إن الرجولة الحقيقية في الإسلام هي رجولة التكليف والقيام بالواجبات على أكمل وجه وأتم صورة، ومن ثم يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو سيد هذه الأمة ومثالها الذي يجب أن يحتذى به، أنه لا يخل برجولة الرجال أن يكون الرجل هيناً ليناً مع أهله، أو أن يعمل على خدمتهم، معاوناً إياهم في شؤون المنزل والحياة، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك، حيث قال (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى)، ثم يوضح القرآن الكريم أن المودة والرحمة في الإسلام هي عنوان الحياة الزوجية وواحتها الغناء التي يرفل الزوجان في ظلها ويتنسمان من عبيرها، إذ رأى كل منهما أنهما شريكان في مشروع واحد، وشريكان كذلك في الوصول إلى هدف واحد وغاية واحدة، وهي تأسيس الأسرة المؤمنة على تقوى من الله ورضوان، ومن ثم نرى المودة في صورة ونبرة المرأة البدوية التي تودع زوجها عند سفره قائلة “سهل الله لك الحزون، وقبض عنك المنون، وجنبك ما تخشى، ولقاك ما تهوى، وعجل أوبتك مظفراً بأعدائك، مسروراً بأهلك وأولادك” وبجانب هذه النبرة التي تنم عن المودة والرحمة لدى المرأة المسلمة ، نلمح أختاً لها تسير على هذا النهج وتمشى على ذلك الدرب، إذ يودعها زوجها طالباً منها خاتماً من ذهب يذكرها به، فتقول له بصوت الفطرة “إن الخاتم من ذهب وأخاف أن تذهب، بل خذ هذا العود لعلك تعود”. وفى ظل هذه المودة وهذه الفطرة الخيرة من المرأة المسلمة تنجلي سحب الخلاف، ووساوس الشيطان عن البيت المسلم. فيعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الزوج المسلم ينبغي ألا يضع منظاراً مكبراً على عيوب زوجته ومساوئ حياته، بل ينبغي عليه دائماً أن ينظر إلى نصف الكوب المملوء لا إلى نصفه الفارغ، فمما لا شك فيه أن في حياته من كثرة نعيم الله ما يستحق أن يبتسم من أجله، شاكراً واهبه ومعطيه ، ولهذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الزوج إذا كره من زوجته خلقاً رضي منها خلقاً آخر. ويأتي التطبيق العملي لهذا النهج النبوي من خلال سيرة رجل يضرب به المثل في الحمية والعصبية والشدة وهو عمر بن الخطاب، إذ يأتيه رجل يشكو زوجته فإذا به يجد زوجة عمر وقد علا صوتها عليه، فينصرف عائداً من حيث أتى، فيتعجب عمر من فعله وصنيعه فيقول له مهلاً أيها الرجل، فيما أتيت وفيما كان ذهابك؟ فيقول له: يا أمير المؤمنين لقد جئت إليك أشكو زوجتي فإذا بي وبك في الهم سواء، فيبتسم الفاروق عمر ثم يوجه نظر هذا الرجل إلى نصف الكوب المملوء في الحياة الزوجية، فيقول له: يا أخ العرب إنني أحتملها لحقوق لها على، فهي طابخة لطعامي مربية لأولادي تسكن إليها نفسي عن الحرام فأحتملها، فإنما هي مدة يسيرة. ولعلنا نلحظ في هذه القصة أنه تحت مرارة واقع الحياة وضغوطها يسول الشيطان لأحد الزوجين أن الود قد ذهب بغير رجعة، ومن ثم يحتاج إلى من يذكره بما في عشرته مع زوجته من صنوف الجمال والنعم، وهنا يصحو الود من سباته، وتنبعث الرحمة من مكمنها، ولا غرابة فهما لم يخرجا من القلب في واقع الأمر وحقيقته. غاية ما هنالك أن بذرتهما الطيبة قد ران عليها ركام الانفعالات، ومن ثم كانا في حاجة إلى من ينفض الغبار عنهما فتعود العلاقة بين الزوجين أفضل مما كانت، بعدما ذاق الزوجان مرارة الاضطراب ووبال الاختلاف، ويكفى أن يبدأ السلام بينهما بالنظرة الحانية المليئة بالود والعرفان بالفضل والجميل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا نظر الرجل إلى زوجته نظر الله إليهما نظرة رحمة، فإذا ما أخذ كل منهما بيد صاحبه تساقطت الذنوب من بين أيديهما). فإذا ما استحضر كلا الزوجين هذه المعاني الجميلة التي ورد ذكرها في هذا الهدي النبوي الشريف سينظر كل منهما إلى منغصات الحياة على أنها من محقرات الأشياء وسفاسف الأمور، حيث أيقن كل منهما أن الصديق إذا أتى بذنب أتت محاسنه بألف شفيع، ولن تأتي النظرة إلى هذه المحاسن إلا إذا كانت بداية الحياة بين الزوجين وفق قول الحق سبحانه وتعالى وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ النور 26. د. محمد عبدالرحيم البيومي أستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات