إن حالة الإنسان النفسية والسلوكية تتوقف بدرجة كبيرة على نتائج تفكيره، فما يفكر فيه الإنسان، ويتحدث عنه هو ما سيقوم به عقله؛ لأنه بتلك الأحاديث يعمل على برمجة عقله اللاواعي (خاصة إذا لازم الأمر خيال وشعور وتركيز وتكرار) الذي بدوره يقوم بتنفيذ ما أملى عليه الإنسان، وعلى ذلك يبنى السلوك والتصرفات والمعتقدات، ولكن من منا لا يتحدث إلى نفسه بين الحين والآخر، خاصة إذا كان هناك ما يشغل تفكيره؟ لا أحد؛ لأن الكل يفعل ذلك وهذا ليس بخطأ إنها طبيعة البشر، فالحديث إلى النفس قد يكون حديثاً ذهنياً، وقد يكون حديثاً بصوت مسموع للآخرين وكأنك تتحدث إلى شخص يقف بجوارك، ونحن إذ نفعل ذلك إنما نفعله لاعتقادنا الشخصي بأننا سوف نحل مشاكلنا بتلك الطريقة من خلال إيجاد الحلول إن كانت لدينا مشاكل، أو أنها طريقتنا في التنفيس عمّا بداخلنا من وهم وضيق وكدر، فبعضنا يشعر بحرارة في جوفه، وبعضنا يشعر بأحمال ثقيلة على صدره. ألا ترى معي عزيزي القارئ أنّ معظم ما نحدث به أنفسنا هو عن هموم الحياة، ومشاكلها ومسؤولية الأبناء وشريك الحياة، وبناء البيت، والدراسة والامتحانات والعمل والوضع الاقتصادي وسوق الأسهم والتخوفات من المستقبل، والأمراض والكوارث … إلخ. أليس كذلك؟ أليس هذا ما نقوم به دون أن نشعر؟ لماذا لا نفكر بتلك الأمور ولكن بشكل إيجابي لا يسبب لنا المشاعر السلبية؟ لماذا ينظر بعضنا إلى الحياة بصورة سوداوية كئيبة مزرية؟ فهل هذه النظرة ستغير في الأمر شييئاً؟! لا بل هو دمار وهلاك للصحة النفسية والجسدية، ففي دراسة أجريت في عام 1983م في جامعة (كاليفورنيا) الأميركية عن تأثير الصوت الداخلي علينا، أظهرت الدراسة أن ما يفوق 80 % مما نحدث به أنفسنا ما هي إلا أمور سلبية وهي تعمل ضدنا، كما أظهرت نتائج هذه الدراسة كذلك أن التحدث إلى النفس في الأمور السلبية تسبب ما يزيد على 75% من الأمراض بما فيها ارتفاع ضغط الدم، والشقيقة والصداع، والأزمة القلبية والقرحة، وكثير ممن قمت بمعالجتهم عن طريق تغيير أسلوب التفكير وتغيير زاوية النظر إلى المواقف والأحداث تحسنت حالتهم الصحية والنفسية، ففي إحدى الاستشارات أتاني شاب طويل القامة ضخم الجثة يمشي بهوان لا يعرف كيف يبدأ، لديه مشكلة ويطلب مساعدتي في حلها، سألته عن مشكلته فقال: «الخوف وعدم الثقة بالنفس أمام الآخرين»، فقمت بتوضيح أسباب تكوين ذلك المفهوم عن ذاته وكيف أصبح يرى نفسه بناء على تلك المعلومات الخطأ التي شغل بها فكره، فاستجابت لها نفسه، ثم قمت بتعليمه بعض التمارين لتعزيز الذات والثقة بالنفس، وبعدها خرج وهو شخصية مختلفة، شخصية واثقة مطمئنة، والآن وبعد أن عرفت خطورة التحدث إلى النفس في الأمور السلبية والتفكير بها، فهل أنت عازم على التوقف عن ذلك وأخذ المنحى الإيجابي أم مازلت تفضل أن تبقى في سلبياتك وضعفك؟ على فكرة، التفكير السلبي سمة الضعفاء، وغير الواعيين، والعاجزين عن إتيان ما يجب، فلتكن كبيراً ترى كل شيء من مكان عالٍ. الدكتور/ عبداللطيف العزعزي dralazazi@yahoo.com