لقد وجهت حركة طالبان إنذاراً قوياً للعمل الغوثي، بمهاجمة عدد من مقاتليها العام الماضي لهذه المحافظة الواقعة جنوب العاصمة كابول مباشرة، واختطافها لبعض موظفي الإغاثة الإنسانية؛ ويمر الطريق الرئيسي المؤدي إلى معاقل حركة طالبان في الجنوب بهذه المحافظة، التي تعتبر مدخلاً إلى العاصمة ''كابول''، هذا وقد سارعت هيئة حكومية جديدة إلى إجراء استطلاع للرأي العام في المحافظة، كشف عن انعدام ثقة الكثير من مواطنيها في رئيس الشرطة وغيره من كبار المسؤولين المحليين، ولدى إجراء تحقيق حول أوجه إنفاق المال الحكومي على أفراد الشرطة، تبين أن قوات الشرطة بالمحافظة تتألف من 400 شرطي فحسب، إلا أن قوائم الرواتب تشمل ،1100 والواضح أن الفارق الكبير بين الرقمين يذهب إلى جيوب المسؤولين المحليين، وعليه فسرعان ما أقيل رئيس الشرطة، بينما دحرت القوات الأفغانية وقوات ''حلف الناتو'' عدداً من ميليشيات طالبان حينها، وبعد مضي ما يقارب ستة أشهر على تلك الأحداث، بدأ سكان القرى الذين تضاءلت ثقتهم في مقاتلي طالبان، التعاون التدريجي مع الحكومة على حد قول المسؤولين، الذين أوضحوا أن هؤلاء القرويين أنفسهم كانوا يدعمون المتمردين ويقاتلون في صفوفهم ضد الحكومة· هذا ولا تزال مثل هذه التحولات الإيجابية في مواقف المواطنين الأفغان في بداياتها، غير أن صلاح وفاعلية الحكم المحلي أصبحا من أهم القضايا إلحاحاً وتأثيراً على مدى النجاح الذي يمكن تحقيقه في تحول أفغانستان عموماً، وفي وسع هذين العاملين أن يحددا مصير الحرب الجارية حتى الآن، والتي لا يزال من الصعب التكهن بنهايتها· ويكاد الجميع يلهج هذين اليومين بعبارة ''الحكم المحلي'' التي تشير إلى أهمية توسيع نطاق الحضور الحكومي في جميع المحافظات الأفغانية، بحيث تتمكن السلطات المحلية من توفير الخدمات الأساسية التي طالما يحتاجها المواطنون، ويشكل غيابها أو نقصها، حتى هذه اللحظة، مصدر إحباط في أوساط عامة المواطنين، وشعور بالسخط على حكومة الرئيس ''حامد قرضاي'' المركزية في كابول، بل إن هذا الغياب الحكومي في المحافظات، يثير قلق الكثيرين إزاء قدرة الحكومة على مواصلة قتالها ضد طالبان، طالما أن هذه الأخيرة تعتمد إلى حد كبير على مشاعر الإحباط وعدم الرضا عن أداء الحكومة بين المواطنين· هذا وقد لاحظ ''جيلاني بوبال'' -مدير ''الإدارة المستقلة للحكم المحلي''- فجوة بين الشعب وحكومة كابول، وهي فجوة سرعان ما تحرص طالبان على ملئها بأعمالها التخريبية المتمردة على الحكومة؛ ورد ''بوبال'' هذه الفجوة إلى ضعف تمثيل الحكومة على المستوى المحلي في غالبية المحافظات الأفغانية، وهذا ما تؤكده التقارير الصادرة مؤخراً عن الأمم المتحدة، بقولها إن نحـــو 20 في المائة -أي ما يعادل 78 منطقة من جملة المناطق الأفغانية البالغ عددها 376- يتعذر على موظفيها العمل فيها، بسبب سوء الظروف الأمنية ونشاط المتمردين الذين يهددون أمنهم وحياتهم، بل يتعذر على مسؤولي الحكومة المركزية أنفسهم زيارة 36 منطقة من تلك المناطق· من جانبه يخطط السيد ''بوبال'' للعمل في 11 محافظة خصها بالأولوية القصوى خلال الـ18 شهراً المقبلة، ويبدأ تنفيذ هذه الخطة ببعض المحافظات المحيطة بالعاصمة ''كابول'' حيث تزداد المخاطر الأمنية أكثر من غيرها، بسبب ضعف الوجود الحكومي من جهة، وكثافة تحركات مقاتلي طالبان فيها من الجهة الأخرى، وبدلاً من التصدي للمحافظات الجنوبية الأقل استقراراً والأشد خطراً، بسبب كونها معاقل حصينة للحركة، ينصرف تخطيط ''بوبال'' في الوقت الراهن إلى عدد من المحافظات الأشد فقراً في وسط أفغانستان وشمالها، خاصة أنها بدأت تشهد للتو أولى بوادر التمرد وانعدام القانون، فمن رأي ''بوبال'' أن من شأن الفقر المدقع أن يوفر الظروف المواتية التي تستطيع حركة طالبان أن تغرس أقدام تمردها فيها، وهذا ما يستدعي المسارعة إلى التصدي لمشكلة الفقر هذه قبل تفاقم الأوضاع· يذكر أن الرئيس ''حامد قرضاي'' قد أعاد إنشاء ''الإدارة المستقلة للحكم المحلي'' تحت ضغوط من الإصلاحيين داخل حكومته، واستجابة لنداءات بعض المسؤولين الدوليين، والهدف هو تكليفها برئاسة السيد ''بوبال'' بالإشراف على تعيين ومراقبة مستوى أداء 34 من المحافظين الإقليميين، وجميع عُمَد المدن ومئات آخرين من المسؤولين الإقليميين، وبفضل مستوى التمويل الجيد الذي تحظى به هذه الإدارة، بفعل المنح السخية التي توفرت لها من قبل الممولين الأجانب، فقد أصبحت أملاً للكثيرين في العاصمة ''كابول'' باعتبارها وسيلة لتحسين صورة الحكومة ورفع مستوى أدائها في شتى أنحاء الريف الأفغاني· يذكر أن ''جيلاني بوبال'' -بصفته خبيراً في مجال إدارة المشروعات التنموية- قد سبق له أن أنشأ وأدار ''جمعية التنمية الأفغانية'' على مدى 20 عاماً، قبل التحاقه بحكومة ''حامد قرضاي'' نائباً لوزير المالية، ومن رأيه أنه وخلال السنوات الست التي أعقبت سقوط نظام طالبان، انصبت جهود الحكومة الأفغانية وحلفائها الدوليين على مشروعات إعادة البناء، ولكن دون إيلاء حاجات الشعب الأفغاني ما تستحقه من اهتمام وأولوية، وبالنتيجة لم يحدث للمسؤولين مطلقاً أن التفتوا لأهمية العلاقة بين الحكومة والشعب، واستطرد إلى القول إن هذا ''الاغتراب'' القائم بين الطرفين، يكاد يعم أفغانستان بأسرها، إلا أنه تسبب في إفراز واقع كارثي في جنوب البلاد وشرقها على وجه الخصوص، حيث سارعت طالبان إلى ملء الفراغ الحكومي هناك· كارلوتا جال-أفغانستان ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز