بدأت عشرات الأسر السودانية في مغادرة العاصمة الخرطوم صوب ولايات أخرى يعتقدون أنها ستكون أكثر أمناً خلال فترة الاقتراع في الانتخابات التي تستمر ثلاثة أيام، في وقت يتوافد مئات الزائرين من مراقبين وصحفيين ومسؤولين إقليميين ودوليين إلى العاصمة لمتابعة الانتخابات المزمع انطلاقها الأحد المقبل. وعلمت (الاتحاد) أن مؤسسات مصرفية وبنوكا عاملة في الخرطوم انخرطت في اجتماعات على أعلى مستوى لبحث ترتيبات أمنية وإجراءات احترازية لحماية أموالها تحسباً لاحتمال انفلات أمني خلال الفترة التي يتفق الجميع على أنها ستحدد مصير السودان بين البقاء صامداً أو الانزلاق إلى أتون العنف والانقسام. وأكد لـ(الاتحاد) إسماعيل عمر مسؤول البيع في وكالة (توحيد مكة للسفر والسياحة) أن مؤشر السفر الداخلي يواصل صعوده بغير هوادة منذ مطلع الشهر الحالي وتجاوزت الرحلات المتوجهة إلى الولايات الشمالية والشرقية سقف المعدل الطبيعي لها في هذا الوقت من كل عام بسبب مخاوف انتشرت في أوساط السودانيين بوقوع انفلات امني خاصة في الخرطوم ودارفور خلال فترة الاقتراع. وقالت سعاد الحسن (طبيبة) إنها تتوقع أن تصبح الخرطوم بؤرة عنف مشتعل أيام الاقتراع التي لن تخلو حسب رأيها من “اعتداءات على المقترعين وقد تطال الأسر في بيوتهم” ما دعاها لحزم أمتعتها متوجهة إلى مدينة دنقلا (في أقصى شمال السودان)، التي تعتقد أنها ستكون أكثر أمناً. وأضافت بأنها شهدت مآسي إصابتها بالكآبة في أعقاب انتشار خبر مقتل زعيم الحركة الشعبية جون قرنق وأثناء هجوم متمري دارفور (قوات فصيل العدل والمساواة) على مدينة أم درمان. ولوحت آمنة عبد الرحمن بيدها في إشارة لرفض البقاء في الخرطوم خلال فترة الاقتراع، وقالت إنها غير مستعدة لتحمل أي أضرار قد تصيب أفراد أسرتها “بسبب هنات السياسة”. وأضافت أن معظم أفراد أسرتها غادروا إلى مصر مفضلين حفظ أرواحهم على المشاركة في الاقتراع. وقال حمدون كامل (معلم) إن قراءته للموقف الانتخابي ترجح احتمالات وقوع أعمال عنف خلال فترة الاقتراع. وتوقع أن تلجأ بعض العناصر المعارضة للنظام لتأجيج العنف كورقة ضغط أخيرة للتشويش على نتائج الانتخابات، لكنه يطمح في أن تكون الحراسة الأمنية كثيفة هذه المرة لتأمين الشعب وليس صناديق الاقتراع فحسب. في وقت أكدت مصادر مسؤولة بمطار الخرطوم لـ(الاتحاد) تزايد أعداد الزوار الأجانب للعاصمة منذ مطلع الشهر الحالي وفي المقابل أشارت شركات طيران الى أن النمو الهائل في عدد الزوار قابله تراجع لافت في طلبات المغادرة إلى الخارج. وأكدت شاهيناز عثمان مسؤولة البيع في وكالة (صبره للسفر) أن التراجع في بيع تذاكر السفر إلى الخارج وصل أدنى مستوى له هذا الصيف ورجحت أن يكون السبب في ذلك حرص السودانيين علي المشاركة في الانتخابات. وقالت مسؤولة التسجيل في إدارة الإعلام الخارجي بوزارة الإعلام سمية عبد الهادي لـ(الاتحاد) إن ما يفوق 222 صحفياً يمثلون 70مؤسسة إعلامية عربية وأجنبية أكملوا إجراءاتهم لتغطية الانتخابات، كما وصل المئات من مراقبي الانتخابات ومسؤولين إقليميين ودوليين إلى العاصمة وبدأوا إجراءات تسلم مهامهم. وفي غضون ذلك تواصل الشرطة بث تطميناتها للشعب السوداني مؤكدة قبضها على زمام الأمن فيما بدأت طائرات الجيش في التحليق الكثيف في سماء الخرطوم. وانتشرت قوات الشرطة في الشوارع الرئيسية في استعراض مبكر لحجم الاستعدادات الأمنية في العاصمة. وفي تصريح لـ(الاتحاد)، أكد مدير عام الشرطة الفريق أول هاشم عثمان الحسين استعداد قواته لمواجهة أسوأ الاحتمالات في الانتخابات المقبلة، مشيراً إلى إمكانية حدوث تفلتات أمنية طفيفة، لكنه استبعد أن تتطور لتبلغ مستوى العنف “بفضل الخطة الأمنية المحكمة التي ستطبق خلال فترة الاقتراع”. إلى ذلك، أكدت المفوضية القومية للانتخابات أمس بعد الاجتماع بالمبعوث الأميركي الخاص سكوت جريشن، أن الانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية السودانية ستجري في مواعيدها. و قال الهادي محمد احمد رئيس اللجنة الفنية للمفوضية القومية للانتخابات “لا تأجيل للانتخابات، لا تأخير للانتخابات”. وأضاف خلال مؤتمر صحافي في الخرطوم أمس “تحضيراتنا اكتملت بشكل أساسي ونؤكد أن الانتخابات ستجري أيام 11 و12 و13” ابريل. وقال محمد احمد بعد الاجتماع مع جريشن “المبعوث الاميركي طلب الاجتماع معنا اليوم (أمس) ولم يقدم أي مقترحات بالنسبة للانتخابات وإنما سأل بعض الأسئلة حول التحضيرات”. ولطالما أكدت الولايات المتحدة أنها تفضل إجراء الانتخابات في موعدها رغم مطالبة أحزاب من المعارضة السودانية بتأجيلها. من جانب آخر قال مفوض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي رمضان لعمامرة إن الاتحاد الأفريقي يرغب في أفضل مشاركة لجميع الأحزاب في الانتخابات القادمة في السودان. وقال لعمامرة إن “الاتحاد يأمل في أفضل مشاركة للأحزاب السياسية ولمختلف المرشحين والناخبين في الانتخابات”. وأضاف أن “مراقبينا منتشرون ميدانيا، ورئيس لجنة الاتحاد الأفريقي، الرئيس الغاني السابق جون كوفور وصل إلى الخرطوم” موضحاً أن “الرئيسين السابقين لبوروندي بيار بويويا وجنوب إفريقيا ثابو مبيكي سيكونان في الخرطوم أثناء الانتخابات كشخصيات مستعدة لدعم حسن سيرها”. الانتخابات تشمل حلايب المتنازع عليها مع مصر الخرطوم (الاتحاد) - نفت مفوضية الانتخابات السودانية عزل منطقة حلايب المتنازع عليها بين السودان وجمهورية مصر عن المشاركة في الانتخابات، وأكد عضو اللجنة العليا بالمفوضية الفريق الهادي محمد أحمد أن عمليات الاقتراع ستشمل منطقة حلايب وشلاتين كغيرها من أقاليم البلاد. وكان المسؤول الانتخابي يرد على تصريحات نسبت للقيادي بحزب المؤتمر الحاكم كمال حسن علي بثتها وسائل إعلام في القاهرة بأن الانتخابات السودانية لن تجرى في حلايب وشلاتين لأن المنطقتين لم يحدث فيهما تسجيل للناخبين. لكن المسؤول الانتخابي نفسه أفاد بأن التسجيل في حلايب قد بلغ (57.731) ناخب، مبيناً أن المثلث الذي تتواجد فيه القوات المصرية تم التسجيل فيه بالمناطق المجاورة له، وقال إن مراكز الاقتراع ستكون أيضاً خارج المثلث. وأضاف أن حلايب تعتبر الدائرة القومية الأولى بولاية البحر الأحمر مشيراً إلى وجود (37) مركز اقتراع بالمنطقة. وفي السياق شرعت المفوضية أمس في توزيع مواد الاقتراع على مراكز الاقتراع بالولايات بما فيها محليتا حلايب وشلاتين. تظاهرة صغيرة أمام مقر مفوضية الانتخابات الخرطوم (ا ف ب) - نظمت أمام مقر المفوضية وسط الخرطوم مسيرة شارك فيها نحو خمسين من الشبان والشابات الذين أطلقوا على حركتهم اسم “قرفنا”. وحمل المتظاهرون صندوق جنازة لفوه بالأسود ورفعوا شعارات تدعو لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة. وقال المتحدث باسمهم سراج الدين عمر “نريد أن نعلم العالم بأن هذه الانتخابات لن تكون حرة ولا نزيهة وندعو لتغيير المفوضية ونطالب العالم بالضغط على الحكومة من أجل قيام انتخابات حرة ونزيهة”. وسار الشباب بهدوء حاملين أعلاماً برتقالية كتب عليها “قرفنا”. وتختتم الجمعة الحملة الانتخابية في هذه الانتخابات المعقدة التي يتعين على الناخب فيها أن يملأ حتى ثماني بطاقات في الشمال، و12 بطاقة في الجنوب، في بلد تظل نسبة الأمية فيه عالية.