المشكلة : عزيزي الدكتور : أنا فتاة جامعية، ومشكلتي وشقيقاتي الست هي والدي الذي تزوج من أمي منذ 23 عاماً، وعلى ما أتذكر وبقدر ما تسعفني ذاكرتي على التذكر منذ كنت طفلة، لم يكن بينهما تفاهم على الإطلاق منذ بداية زواجهما، فمع أي نقاش بينهما لا يخرجان إلا بسوء تفاهم ومشاجرة. ..المشكلة هي أن والدي حاد الطباع، سرعان ما يسب ويشتم ويلعن والدتي بأفظع الألفاظ، بالرغم من أنه حنون، أحيانا أشك أنه يعاني من عقدة نفسية، لأنه كان يعاني في طفولته بسبب عدم التفاهم بين والديه. فقد كان جدي يضرب جدتي أمام أولاده، وانتهى الحال إلى مرض جدتي مرضا نفسياً أدى إلى عزلها وزواج جدي بأخرى. ومن ثم فإنه لا يحب جدي أبداً، ودائما يتهمه بأنه سبب مرض جدتي، وأنه عاش والدي وإخوانه حالة من الضياع والتفكك بعد ذلك، لكنه في المقابل يحب جدتي”أمه” كثيرا. ويجدر التنويه أن والدي لا يتعاطى أي مخدرات، لكنه كان يدخن فقط، وترك التدخين منذ فترة، ومنتظم في عمله، ويحبنا جدا، فمشكلتنا معه أنه عصبي للغاية إذا تجادل مع والدتي، والمشكلة التي تتكرر دائماً عند مناقشة المصروف الشهري، وغالباً ما يحتد النقاش إلى مرحلة السب واللعن. أنا حزينة للغاية عندما أشعر بكراهيتي لوالدي التي تزداد عندما يعامل أمي بهذه الطريقة، وأحتار في كيفية التعامل معه، فهل من نصيحة تفيدني في ذلك؟ جزاكم الله خيراً. سهام ح.ح النصيحة: أحيي فيك حرصك وصراحتك وثقتك، وأظن أنك تدركين أن وجود والدين متفاهمين نعمة من الله تعالى، لكن أحياناً لا تكتمل تلك الصورة الجميلة بوجود منغصات لا دخل للأبناء بها، ومنها النزاع والخصومة التي تصل لرفع الصوت والغضب والزعل والعنف اللفظي من سب وشتم، وربما يصل إلى العنف الجسدي. .. نعود إلى رسالتك، والمعلومات المهمة فيها والتي تفسّر تصرفات والدك وغياب الحوار والتفاهم والغضب وحدة الطبع والسب والشتم حيث بررت ذلك بالظروف الأسرية الصعبة التي مرّ بها والدك في صغره، ومما لاشك فيه أن الأطفال يتأثرون في حياتهم الزوجية بتصرّفات آبائهم في صغرهم، فالمعاناة التي عاشها والدك تنعكس على شخصيته، فأحيانا يتقمص شخصية والده وأحيانا ينتقم من ظروفه في زوجته “والدتك” . أضيف لذلك السبب مشكلة أخرى وهي التعليم والثقافة والبيئة والوظيفة حيث نجد أن التعليم يرفع من مستوى التفاهم والعلاقة الطيبة بين الزوجين في الغالب وأظن حسب وصفك أن والدك لم يتلق تعليما متقدماً، ومن الاحتمالات أيضا هو طبيعة عمله، ولعله يعاني ضغطا وتوترا في العمل مما ينعكس على تعامله في المنزل، إلى جانب الضغوط المالية وأعباء الحياة، إلى جانب غياب الحوار والعلاقة المثلى بين الوالدين. .. سبب آخر يطل أمامي هنا قد يكون خفيا هو أنك أشرت إلى أن كل ذرية والدك بنات ونحن ننتمي لبيئة تفضل الذكور، وحرمانه من ذلك قد يجعله يسقط المشكلة على والدتك وأنها سبب في ذلك فيعاقبها بعدم المصروف أو عدم الاحترام ويكتم السبب الحقيقي الذي يحزنه ويوتر أعصابه ويؤثر على تصرفاته. .. علاقة مثل هذه تجعل الوضع متوترا بينهما ولا توجد علاقة طيبة بمعنى أن التقصير في حقوق الزوج من قبل والدتك قد يكون مؤثرا في التوتر وهو ما يحدث بدائرة متصلة، فنجد الأب يسيء معاملته ويقصر في مصروفه، وتقصر الزوجة كذلك في تحقيق التبعّل للزوج فتستمر العلاقة بتوترها بينهما من دون تقديم تنازلات أو إبداء تعاون وهذه الأمور تحتاج تنازلات وتغاضيا وتعاونا .. لقد فات وقت إمكانية إصلاح الآثار النفسية السلبية الناجمة عن ظروف نشأته، ولكن من الممكن أن تحاوري الوالد بهدوء في الوقت الذي تجدين منه صفوا ومزاجا هادئا، وتحاولي معه أن يتجنب مثل هذه العصبية قدر الإمكان، وحاولي مع شقيقاتك المشاركة في مناقشة ظروف الأسرة المادية ومسؤوليات الوالد، وأن تصلوا معه إلى سياسة أو رؤية تجنبه الغضب والنرفزة. وفي المقابل يمكن التفاهم مع الأم على تقديم حيل وطرق وأساليب لإرضاء الزوج والابتعاد عن طريقة الطلب المعتادة للمصروف. ومن الممكن أن تسهمي مع شقيقاتك في تكوين جبهة ضغط إيجابي بأسلوب مهذب ومقبول على الوالدين ليدركا أن ما يحدث بينهما ليس في مصلحتكن كفتيات ينتظرن الزواج، وأن ما يحدث يهدد سمعتكن ومستقبلكن، ودون أن تفقدن مساحة الود والألفة والتقارب والتفاهم بينكم جميعاً. وان شاء الله يصلح الله حاله ويهديه ويرشده ويملأ قلبه بالسكينة والهدوء والوقار وصدره بالحكمة. مع أطيب التمنيات.