انخرطت الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في جولة جديدة من المفاوضات الاستكشافية يوم الخميس الماضي بالعاصمة الصينية بكين على أمل أن تقود المفاوضات إلى فتح الطريق أمام استئناف المباحثات السداسية بشأن البرنامج النووي لكوريا الشمالية، وفيما جلس المبعوث الأميركي إلى كوريا الشمالية، "جلين ديفيس"، مع نظيره الكوري ذي الخبرة العالية "كيم كي جون"، برز سؤال أساسي حول ما إذا كانت السياسية الكورية قد تغيرت منذ وفات الزعيم الكوري "كيم يونج إيل" في شهر ديسمبر الماضي، رغم صعوبة الإجابة عن السؤال دخل المبعوث الأميركي المفاوضات التمهيدية بروح متفائلة قائلاً إنها "إشارة جيدة" أن تبادر كوريا الشمالية إلى فتح حوار مع الغرب حول برنامجها النووي وذلك مباشرة بعد المرحلة الانتقالية التي شهدت تولي "كيم يونج أون" السلطة خلفاً لوالده. غير أن هذه المفاوضات لن تكون سهلة حسب المحللين بحيث سيسعى كل طرف إلى تحقيق أقصى المكاسب لتتحول إلى ما يشبه عملية جر حبل بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة. فمن جهة تريد كوريا الشمالية تأمين احتياجاتها من الغذاء الذي بدأ مخزونه في النفاد، لا سيما والبلاد تدخل فصل الشتاء القارس. أما الولايات المتحدة، فتصر على تحقيق تقدم ملموس في الملف النووي تتوقف بموجبه "بيونج يانج" على الأقل عن تخصيب اليورانيوم قبل الحصول على أية تنازلات تخص توفير الغذاء. وفي هذا السياق يقول "تشوي جين-ووك"، الخبير الكوري في المعهد الوطني لتوحيد الكوريتين "يحرص المبعوث الكوري المشارك في المفاوضات مع الأميركيين على تحقيق اختراق هذه المرة، فهو من بادر إلى هذه المفاوضات، ولا يريد الخروج منها دون الوصول إلى اتفاق على الأقل يخفف من معاناة الكوريين من شح الغذاء الذي يؤرق القيادة السياسية". لكن "تشوي" يشك في استجابة الولايات المتحدة لمخاوف كوريا الشمالية وسعيها الحثيث إلى تلبية الاحتياجات الغذائية للمواطنين، ما لم تقدم هذه الأخيرة تنازلاً مهماً فيما يتعلق بالبرنامج النووي، وهو الأمر الذي لا يبدو قريباً في الأفق، لا سيما بعد الطريقة التي احتفت بها وسائل الإعلام الرسمية الكورية بالبرنامج النووي بعد وفاة "كيم يونج إيل" باعتباره إرثاً تركه "القائد العظيم" لا يمكن التنازل عنه. ومن غير المرجح أن تتخلى بيونج يانج عن برنامجها كلية حتى في ظل تنامي الضغوط الأميركية ومعها المخاوف من اندلاع مجاعة كبرى في البلاد، وهو ما عبر عنه الخبير الكوري بقوله "ما زالت المواقف الكورية والأميركية متباعدة"، وإنْ كان الخبير قد أضاف أيضاً بأن "المباحثات السداسية ما زالت قائمة ويمكن استئنافها رغم الصعوبات وتضارب المواقف إذا تم التوافق على حد أدنى من التنازلات المتبادلة". وتنقل التقارير أن الولايات المتحدة مستعدة لتخفيف مطالبها بالتخلي نهائياً عن البرنامج النووي بالاقتصار على وقف تخصيب اليورانيوم المستخدم في إنتاج الرؤوس النووية، لا سيما بعد إبداء الفيزيائي الأميركي، "سيجفريد هيكر"، المدير السابق في بالمختبر الوطني الأميركي، دهشته من الوتيرة السريعة التي قطعتها كوريا الشمالية في مجال التخصيب النووي مقارنة بآخر مرة قام بها بزيارة إلى المجمع النووي "بيونجبيون" في 2010. وحسب أغلب التقديرات الاستخباراتية تمكنت كوريا الشمالية من إنتاج مواد قادرة على صنع العشرات من الرؤوس النووية، هذا بالإضافة إلى التجارب النووية السابقة التي أجرتها كوريا الشمالية تحت الأرض في العامين 2006 و2009 في تحد واضح للمجتمع الدولي. وعن هذه المبادرة الكورية لمعاودة المفاوضات مع الولايات المتحدة، يقول "جوردون" فليك، المدير التنفيذي لمؤسسة "مانسفيلد" بواشنطن إن "بيونج يانج" في ورطة حقيقية مع تناقص المواد الغذائية وحاجتها الملحة لتلبية مطالب السكان، لا سيما في الفترة الانتقالية التي يتولى فيها "كيم يونج أون" السلطة، بحيث لا يرغب في الظهور على أنه عاجز عن معالجة مشكلة الغذاء المزمنة التي عانت منها البلاد طيلة الفترة السابقة، لكن الأمر بالنسبة للولايات المتحدة يتلخص في مدى استعداد كوريا الشمالية تقديم تنازلات حقيقية بشأن برنامجها النووي، وكانت المباحثات السداسية التي عُقدت آخر مرة في العاصمة بكين بتاريخ ديسمبر 2008 قد شارك فيها مبعوثون من روسيا واليابان والولايات المتحدة بالإضافة إلى الكوريتين. لكن المفاوضات الاستكشافية كانت قد توقفت في شهر أكتوبر الماضي بجنيف وكان متوقعاً لها الانعقاد مرة أخرى في بكين خلال شهر ديسمبر الماضي، إلا أن وفاة "كيم يونج إيل" حالت دون ذلك لتؤجل إلى وقت لاحق، وينتظر من جولة يوم الخميس الماضي أن تكشف الوجهة التي ستسلكها كوريا الشمالية في ظل العهد الجديد. وما إذا كان الزعيم الشاب، سينتهج نفس أسلوب والده، أم أنه سيقرر الانفتاح على الغرب وتقديم تنازلات، وهي التكهنات التي لا يستطيع الأميركيون من خلال مبعوثهم الجزم بها حتى يتبلور موقف موحد في كوريا الشمالية وتتوحد آراء مراكز القوى في البلاد، هذا بالإضافة إلى الدور الصيني المرتقب ونجاحه في إقناع الكوريين بإبداء المزيد من المرونة في التعامل مع الغرب وإنهاء ملف البرنامج النووي. دونالد كيرك - سيؤول ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»