في الروايات السعودية التي صدرت مؤخراً نلمح، وبشكل خاص، وفرة في الروائيات، منهن من يكتب الرواية لأول مرة، ودون أن يكون لاسمه حضور في المشهد الثقافي أو الإبداعي من قبل، وهي أسماء روائية تأرجحت في مستوياتها، فبعد جيل رجاء عالم وليلى الجهني ونورة الغامدي وأميمة الخميس وغيرهن، ظهر جيل آخر بتبعات أخرى، ولكن بعقد أقل على مايبدو، وبهموم أخرى منطلقاً من فهمه الجديد لواقعه، الرواية، كما يشير تركي الحمد، هي فعل ''مديني''، وهذا ما بدا مع أول رواية سعودية ظهرت وهي ''التوأمان'' لعبد القدوس الأنصاري، واستمرت هذه السمة الموصوفة بالمدنية في كل الروايات، إلا ماندر منها، كما نجد بعضاً منها لدى عبد العزيز المشري، مرت فترة طويلة كانت الرواية السعودية خلالها مجرد تقليد لماهو عربي مجاور، قبل أن ينطلق الجيل التسعيني الذي شهد ظهور روائيات كزينب حفني وزينب خميس وقماشة العليان وناهد باشطح وأميمة الخميس وليلى الجهني، وهو جيل تأكدت به هوية الرواية السعودية، وحقق دوراً تأصيلياً في ذلك، في وقت لاحق ظهر جيل آخر، حمل اسم جيل مابعد الألفية، ليحقق في عام واحد ما يقارب الخمسين رواية أبرزها رواية رجاء الصانع ''بنات الرياض''، التي عالجت الكثير من القضايا، بأسلوب مغاير للمألوف، ورواية ليلى الجهني ''جاهلية''، وهي قاربت أحد الهموم الرئيسية في المجتمع السعودي والمتمثلة بالعنصرية والطبقية، كذلك ظهرت روايات يمكن توصيفها بأنها تهدف للكشف والبحث عن الحقيقة، وتجاوز المسكوت عنه، عبر إعادة إقتحامه من مدخل الكتابة بعيدا عن التابوهات وخطوطها الحمراء· تيمة حملت روح جيل جديد، وتكونت في سياقها سمات خاصة لرواية سعودية، يُستدل اليها من أصداء روايات مثل ''الآخرون'' لصبا الحرز، و''القران المقدس'' لطيف الحلاج، و''نساء المنكر'' لسمر المقرن، و''جاهلية'' لليلى الجهني، و''حب في السعودية'' لوردة عبدالملك، وهي أعمال لم تسلم من استنباطات سلبية، حتى وفق مقاربات بعض المثقفين لها، ومن الحكم عليها بأنها وسائل تفريغ جنسي، ناتجة عن عقد دينية أو نفسية، وكان لابد أن تظهر الروائيات في كل مرة بموقف الدفاع عن رواياتهن،الأمر في سياق تداعياته، من شأنه ان يطرح تساؤلا: أين اختفت شهرزاد طوال هذه المدة الطويلة، ولماذا لم تظهر الرواية السعودية بهذا الطرح الجريء والمؤثر والملامس للقضايا الحساسه إلا في وقت متأخر؟ هل كانت شهرزاد صامتة عن الكلام المباح؟ هل كان للمتغير الاجتماعي والثقافي، سواء في إنتاجه أو التفاعل معه، دور في ذلك ؟ ولماذا تسيطر قضايا كالجنس والدين على أغلب هذه الروايات المطالبة بحرية ما؟ هل لوجود ثقافة أخرى مهيمنة تتمثل في ثقافة المذكر أثر على إعادة إحياء ما أصطلح على تسميته الموروث الأنثوي؟ تغير الزمن سمر المقرن التي أنجزت مؤخراً روايتها الأولى ''نساء المنكر'' تعيد الطفرة الحاصلة في كتابة الرواية السعودية إلى إنفراج سقف الحرية في العهد السياسي الجديد، وتضيف: ''الزمن تغير، وبدأ الإنسان يتلمس كوامن الإبداع في نفسه، ويعلن عن رغبته في إخراجها، والسعودية اليوم هي غير تلك التي نعرفها سابقاً، حيث نلمس تغيراً إيجابياً واضحاً مع كل عام يمر''· القاصة السعودية زينب أحمد تقول موافقة زميلتها: ''إن تعدد المناخات الثقافية، والتناقضات الاجتماعية السياسية الحادة، والإنفتاح النسبي، والصراع اليومي من أجل حياة كريمة جميعها تضافرت على كسر كثير من أعراف المجتمع التقليدي، كذلك بالنسبة لاستقلال كل فئة ووعيها بدورها في عجلة التغيير، مما دفع بالإنسان نحو الإنقسام على نفسه، وتبني رؤية جديدة للعالم· التغيير طال المرأة التي انتصبت تدافع عن كينونتها واستقلالها وتوقها إلى التحرر من قبضة العرف والسائد، مبدية إصرارها على إمتلاك حضوراً مؤثراً في مسيرة الرواية· بدورها ترى أمل الفاران الظاهرة جيدة وجديدة، إذ أنتجت في سياقها حركة نقدية أكثر نشاطاً، مشيرة الى تفاعل حيوي من جانب القارئ حيال الرواية، لايقلل منه أن يكون في بعض تجلياته توجساً تجاه المنتج الروائي الجديد، بينما ترى عهود الطوب، وهي قاصة مهتمة بالنقد الروائي: ''إننا نحتاج إلى فترة خلخلة، ورد فعل نقدي يوازي تماما التيار الروائي المنبثق بقوة من بين أصابع شهرزاد السعودية حتى تصل إلى مرحلة النضج الروائي، وقد يستلزم ذلك مدى زمنياً غير محدد· عن كثرة الروايات تقول المقرن: ''بالتأكيد ستؤدي الكثرة إلى صقل الموهبة، وستكسب الروائيين الخبرة، وبالتالي سيحرص القادم الجديد على التميز وألا يعيد كتابة ما كتبه السابقون، بل سيحاول أن يغلبهم''· كذلك ترى زينب أحمد أنّ تعدد الروايات وكثرتها ظاهرة صحية، وإن لم يكن بعضها بالمستوى المطلوب، إلا أنها، تساعد على تحريك الماء الراكد والساكن، وتقول: ''حتماً أن الكم يولد النوع ويحدث تغييرات نوعية على مستوى الشكل، ويدفع للبحث عن أدوات جديدة''· وتشيرالفاران إلى أن الرهان هو على إبداعية العمل لا على طول تجربة الأديب، ''نجيب محفوظ لم يبدع مع الرواية الثالثة أو الرابعة، كان مبدعاً منذ الحرف الأول، وعليه فإن للقارئ الماهر دورا في التعرف على المبدع الجيد، وهي مهمة صعبة في خضم ترويج دور النشر التجارية لأعمالها على حساب الأعمال التي تستحق البقاء''· حضور الجسد يبقى التساؤل الذي طالما أثار فضول القارئ حينما يقرأ رواية اليوم، حتى لو كان قارئاً عابراً: لماذا تحضر الأنثى الجسد كثيراً في الروايات السعودية ؟ تجيب المقرن: ''الأنثى/ الجسد هي إحدى تلك المصطلحات التي عشنا طوال حياتنا نتوارى عنها تحت وطأة ''المرأة عورة''، لتبقى مغيبة تحت عار جسدها، فظل الفكر مهمشاً أزمنة طويلة بين الأفق السارحة في هذا الجسد المخلوق لـ''متعة الرجل''، كما يرون، أو المخلوق لغوايته· لذا صار لزاماً على المرأة أن تبحث وتكتشف هذا الجسد السوي، هذا الجسد الإنساني الذي من حقه أن يخرج بهيئته الحقيقية في النصوص الأدبية الإنسانية، يخرج بلا خوف متحرراً من كل العقد والتراكمات مثله مثل أي كائن خلقه الرب ليمارس حياته وانفعالاته بالصورة الطبيعية''· بدورها ترى زينب أحمد أن مرحلة التجريب تفرض شروطها من التساؤل والرغبة في التعرف على الذات، هي مرحلة التمرد والتعرف على هوية جديدة، أي اكتشاف الجسد وإباحة تحسسه، والبحث عن انتماء له، من هنا كان استدعاء الأنثى/الجسد، والجنس شيئا طبيعيا لوليد سمح له أن يعري ذاته ويبحث عن هويته الجديدة· أمل الفاران تربط بين مقولة الرواية ديوان العرب، وترى أن كل ماكان حاضراً في الشعر سيحضرفي الرواية، ومن ذلك الجسد/ الأنثى وتقول: ''ليس ما يحضر أو ما يغيب هو المهم، المهم كيفية الحضور ومبرارته، وهل يحضر لضرورة فنية أم لاعتبارات تسويقية· لا تنفي عهود الطوب أن البعض يتخذ الجسد وسيلة للتسويق أو الجذب وأن هذين العنصرين ساعد على وجودهما مجتمع مغلق ولفترات طويلة، كانت المرأة خلالها لا تقول شيئاً· سمر المقرن تتحفظ على تشبيه الروائية السعودية بشهرزاد، وتقول: ''لا أظنها الأنموذج الذي يمثلنا، فقد كانت تروي حكاياتها من أجل الرجل، أما أنا وبنات جيلي في السعودية فأظن أننا نروي حكاياتنا من أجل المرأة/ الإنسان''· سؤال المنجز لكن ماذا عن الجديد الذي استطاعت الموجة الجديدة من الرواية السعودية أن تحققه؟ تقول زينب أحمد إنه وبالرغم المسيرة القصيرة للرواية العربية/ السعودية، إلا أنها أنجزت تطوراً نوعياً، نظراً لقدرتها على ملامسة أحلام الناس وتمكنها من اختراق بعض الحجب والأسرار، وتضيف أن حداثة الرواية بالذات السعودية جعلها تمر بفترة مخاض، أعقبتها رغبة أكيدة في تبني صيغ جمالية متمايزة عما هو سائد، ومحطمة لما هو تقليدي، فلحقها تغيير في اللغة وطرائق السرد والتخييل· وتضيف: ''بعض الروايات حقق مستوى فنياً عالياً، ولكنها لم تنل حظها من الشهرة لأسباب أجهلها، رغم أنها قفزة في عالم السرد كروايات رجاء عالم''· أما سمر المقرن فتجزم قائلة: ''أزعم أنني قارئة جيدة للرواية السعودية، وأتابع بعض ما كتبه الروائيون والروائيات السعوديون، وقد لمست في بعضها إبداعاً فنياً حقيقياً، وفيها المتوسط والعادي وفيها دون ذلك''· وحول لماذا عادت شهرزاد الى صنعة الكلام المباح؟ تتفق محاوراتنا من المبدعات السعوديات على القول إن الزمن كان عاملا مهماً بما حمله من متغيرات اجتماعية وسياسية وثقافية، وبما قاد إليه من مجيء جيل جديد لديه القدرة الكافية الآن للتعبيرعن قضاياه واختيار شكل حضوره وطريقة إبداعه تحت سماء شاسعة، وتجزم أن عوالم المرأة هي عوالم إنسانية أولا وأخيراً، وأن طبيعة التجربة تفرض رغبة السؤال والاكتشاف، وانتظار ماهو قادم·