أكدت كثير من الدراسات التي أجريت على المراهقين أن لاتجاهات الآباء الإيجابية نحو أبنائهم خلال مراحل نموهم المختلفة أثرا بالغا يسهم في تجنيبهم أي اضطراب لنضجهم العقلي أو الانفعالي، كما أن أثرها يكون معكوساً إذا اتسمت تلك الاتجاهات بالسلبية. فالمراهق كما هو معروف يتقمص شخصية الأب، وهذا التقمص يفضي به إلى جوانب حسنة إذا كانت شخصية الأب إيجابية، ولعلها تأخذ بالابن إلى مجالات سيئة إذا كانت شخصية الأب سيئة التكيف اجتماعياً. تعرف الاتجاهات بأنها المحددات التي تحكم السلوك الإنساني بشكل عام، ويمكن اعتبارها نوعاً معيناً من الإحساس بالشعور تجاه موضوع معين أومشكلة أوشخص أوقضية معينة، بما يمثل ميلا مؤيدا أومناهضا إزاء موضوع أوموضوعات معينة، وهي بالطبع تنشأ وتتكون من خلال تجارب وخبرات متراكمة يمر بها الإنسان، وتؤثر تأثيرا ديناميكيا على استجابات الفرد إزاء جميع المواقف والموضوعات التي يتعرض لها. والاتجاهات تحدد إلى حد بعيد طريقة التفكير وشكل السلوك حيال موضوع معين، وتتأثر بشكل مباشر بالتنشئة الاجتماعية للفرد في الأسرة من خلال والديه وأقاربه ومدرسته أو كليته وأصدقائه، حيث تتكون أفكاره من خلال المعلومات التي تقدم إليه عبر فترات عمره المختلفة، كما تلعب الخبرة الشخصية في تكوين الاتجاهات سلبا أو إيجاباً. ومن ثم يصبح للأسرة الأثر البالغ في تكوين اتجاهات الأبناء التي تحكم سلوكياتهم اليومية. فإلى أي حد تؤثر قيم الوالدين في تكوين اتجاهات أبنائهم المراهقين، باعتبار أن المراهقة تمثل المنعطف الأخطر في حياة الأبناء؟ احتواء الأسرة تقول موزة سالم الرميثي «مشرفة تربوية»: «إن أثر الأسرة على المراهق يتجلى في أنواع شتى، بدءاً من إحساسه بذاته الذي يترسخ ويتوحد من خلال الاتجاهات الإيجابية التي يبديها أفراد أسرته تجاهه منذ الطفولة، فإذا ما أتاح له الأبوان شيئاً من تحمل المسؤولية مثلاً، فإنه يشعر بأن لديه الكفاءة وأنه موضع ثقة، وإن أشعراه بالعطف والحنان، فإنه يكتسب اتجاهاً يتمثل في اللطف والرقة ويشعر معهما بأنه مرغوب الجانب. وإذا تخليا عن بعض سلطتهما وسطوتهما المتزمتة، فإنه ينشأ وقد ابتعد كثيراً عن التصرفات الصبيانية التي تتصف بها مرحلتا الطفولة والمراهقة، وهذا لا يعني بأية حال أن المراهق لم يعد بحاجة إلى نصح أبويه والتزود من خبرتهما في الحياة التي هو أحوج ما يكون إليها. فالهيمنة المفرطة التي تفرضها الأسرة على المراهق تحرمه بلا شك من الانتفاع بالعلاقات الإيجابية مع زملائه، وتمنعه من التمتع من منافع ما عساه أن يكتسبه من خبرات اجتماعية هو أحوج ما يكون إليها في مثل هذه المرحلة من حياته، على أنه ينبغي التحرر من الارتماء في أحضان زمر السوء التي تتلقفه، فهو إن وجد نفسه أمام أبوين مستنيرين ومتفهمين سيزول قلقه وتوتره ومشاكله إلى حد بعيد، فما يدين به الأبوان من قيم وما يلتزمان به منها سيكون له أبلغ الأثر في حياة الأبناء المراهقين». الاختلاف الثقافي تكمل مريم هندي «معلمة»: «باستطاعة جو الأسرة الملائم الأخذ بيد المراهق إلى تحقيق آماله في بلوغ مرحلة الرشد التي يصبو إليها بلهفة عميقة. حيث تكون الثقة بذواتهم بما يؤهلهم لتجديد كيانهم الوجداني. والمسألة تستلزم من غير شك شيئاً من الحكمة من جانب الآباء مما يخفف من وطأة الكبح التي ما يجسمها المراهق كثيرا، فكثير من الصراع الناشئ بين الآباء والمراهقين من أبنائهم يمكن تفاديه لو أن أولئك الآباء قد أصغوا إليهم بعض الشيء، وحاولوا النظر إلى الأمور من خلال الزوايا التي يراها منها أبناؤهم، وعلى الآباء والأمهات ألا يشغلوا بالهم طويلاً بالاختلاف الثقافي بين جيلهما وجيل الأبناء، أو بكيفية غرس هذه الاتجاهات التي يعتبرونها أحيانا تطرفاً بعيداً عن الصواب، فلا داعي للارتباك أو الخوف، أو اليأس، عليهما أن يدركوا أنها طبيعة هذه المرحلة، ولا بد من وجود الاختلافات ما بين زمن اليوم وزمن الأمس، وما طرأ على القيم والثقافة والحياة من تغيير، وليس مطلوب منهم سوى المزيد من الصبر والتفهم وتجنيب مشاعر اليأس أو الإحباط، واستبدالها بمشاعر الثقة والتفاؤل والصراحة والود والحوار بين الأبناء، ويحاولون في كل خطوة معهم أن يقولوا لأنفسهم، علينا أن نفهم كيف يفكر أبناء هذا الجيل قبل أن يرفضوا ويعلنوا تفكيرهم قبل محاولة الاقتراب منه. إن فترة المراهقة فترة حرجة يشعر فيها المراهق بالحزن والكآبة والرغبة في التمرد والتغيير، فإذا كان الأب والأم متفهمان وقريبان من أبنائهما وبناتهما مرت هذه المرحلة بسلام، وإن كانا بعيدين عنهما، أو اتصفت علاقتهما بالأبناء بالقسوة والجمود وعدم الحوار وافتقاد التواصل، ستتحول العلاقة بينهم إلى مشاحنات وحرب وصراع، فالأم العاملة عادة ما تكون متعلمة، وخروجها إلى مجال العمل، وأحيانا لا تجد عندها وقتا لتنقل ما لديها من خبرات أومعارف، وإن كان العمل يكسبها المزيد من هذه الخبرات والتجارب والاتجاهات الجديدة، مما يوسع أفقها ويفيدها في تربية أولادها والاهتمام بهم خاصة من ناحية التربية القيمية والسلوكية إن أولتهم بعضا من وقتها واهتمامها. علاقة وثيقة تؤكد إنعام المنصوري، الاستشارية الأسرية في العين أن هناك علاقة وثيقة بين القيم الدينية والفكرية والاجتماعية للآباء وما يحمله الأبناء من اتجاهات، فما من شك أن الرصيد الكبير لما تحمله الأسرة من قيم، هي قيم تمثل طبيعة المجتمع وثقافته وعاداته وتقاليده وتراثه المتأصل من سنوات طويلة، وهذه القيم هي التي تحدد طبيعة تفكير الآباء، وتشكل نمط حياتهم ومعيشتهم وطريقة تعاملهم في مواقف الحياة اليومية، وتصبح اتجاهات محددة وضابطة لهذه السلوكيات، وما من شك أن هذه المحددات تغرس لدى الطفل منذ اليوم الأول من عمره، وتنمي خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة، ومنها تتشكل شخصية الطفل أو المراهق، وإن كان يكتسب اتجاهات أخرى من المدرسة أو من رفاقه، إلا أن اتجاهات الأسرة هي المحدد الأول لتشكيل وتكوين اتجاهات الأبناء، ولنضرب مثالاً على ذلك، فالأسرة المتدنية الملتزمة تفرض ثقافة الالتزام على أبنائها دون ضغط أو قسر، لأن نمط حياة الأفراد فيها هكذا، ومن ثم تتحدد اتجاهات المراهق وفقاً لهذه الاتجاهات الأكبر التي احتضنته وهو طفلاً، والعكس صحيح. وإذا كان الأب حريصاً على أن يعلم أبنائه أي قيمة من القيم السلوكية كحب العمل، أو الانضباط أو تحمل المسؤولية أو الصبر أو التعاون، فإن الناشئة سيكبر على اعتياد هذه الاتجاهات، ومن ثم تصبح جزءاً من سلوكياته وطبيعيته. وتضيف المنصوري: «إن الاتجاهات تتصف بالثبات بشكل عام، وإن كانت قابلة للتغير بتغير الثقافات وتغير المجتمعات، لكن القيم الأصيلة التي يحملها الآباء وتسود في المجتمع هي قيم تتصف بالثبات، ولا تتغير بسرعة وتنتقل من جيل إلى جيل، بل إنها تورث عبر الأجيال، ومن ثم فإن تأثيرها يصبح قوياً وملموساً على الصغار من الأبناء، وإذا كانت هذه القيم تؤثر على اتجاهات المراهقين بشكل مباشر، لا ينبغي أن نهمل العوامل والمتغيرات المجتمعية والحضارية الأخرى التي تؤثر في هذه الاتجاهات بحكم طبيعة المرحلة العمرية للمراهقين، ومن ثم نلفت انتباه الآباء والأمهات والمجتمع إلى هذه المؤثرات والمتغيرات وخطورتها وانعكاساتها السلبية». المعايير قوة روحية الآباء الذين يلتزمون بمعايير سامية ويعتزون بقيم راسخة إنما يؤلفون معيناً لا ينضب من القوة الروحية بالنسبة للمراهق وهو يواجه حياة جديدة عليه مليئة بالمتناقضات، وبعض من هذه المتناقضات من صنع خياله الجامح، وبعضها ما يراه متفاوتاً بحكم وجوده على مفترق سبل تصل بين طفولته التي يحاول التخلص منها، والمراهقة التي يقف من خلالها على أعتاب مرحلة الرجولة الكاملة. ويقابل هذا تشكك الأبناء في أنهم قد لا يستطيعون التوفيق بين ما هم ماضون في سبيله من نضج طبيعي، وبين تقبل الأسرة الذي يستند إلى تفهمهم لناموس حياة الناشئين من الأبناء».