تواصلت مساء أمس الأول فعاليات الموسم الثاني 2009 – 2010 من مهرجان “موسيقى أبوظبي الكلاسيكية” التي تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في الفترة من أكتوبر الماضي، ولغاية مايو المقبل، حيث كان جمهور أبوظبي الحاشد على موعد مع سحر الأوبرا “ترافياتا” و”ريجوليتو” من فيردي، لتقديم عرضين من أبرز عروض أوبرا “فيردي” وهما “ريجوليتو”، القصة المؤثرة لدوق مستهتر، ومهرج البلاط المشوه وابنته المحبوبة. و”لاترافيتا” التي تقص حكاية الفتاة الفرنسية الشابة والجميلة، فيوليتا فاليري، التي تتخلى عن موقعها المميز بصفتها عشيقة البارون لأجل شاب، يدعى ألفريدو جيرمون، الذي أغرمت به وهما العملان اللذان كانت افتتاحيتهما على مسرح “فينيس” الأسطوري: “لافينيس”. نجوم الأداء أدت أوركسترا دار الأوبرا البندقية هذا العرض في مهرجان موسيقى أبوظبي الكلاسيكية بمشاركة عدد من نجوم الأداء المنفرد من أقوى الأصوات الموجودة حالياً وهم: السوبرانو الجيورجي “نينو ماشايدز”، والمتزو سوبرانو الروسي “جوليا جيرتسيفا” والتينور المكسيكي “ “رامون فارجاس”. وفي دور البطولة للمهرج “ريجوليتو”، الباريتون الإيطالي “فرانكو فاسالو” الذي تفاعل معه الجمهور في أبوظبي بحرارة بعد ظهوره البارز مع أوركسترا “لا فينيس” الموسم الماضي. وشارك في الأوبرا الأولى من هذا العرض الرائع عدد من نجوم الفن في العالم وهم الإيطالي فرانكو فاسولو بصوته الجهور (باريتون) الذي قام بدور المهرج ريجوليتو، والجورجية (سوبرانو) نينو ماكيدزي التي أدت دور جيلدا، الفتاة الرقيقة ابنة المهرج، والمكسيكي (تينور) رامون فارجاس الذي أدى دور الدوق الشرير، والروسية (ميزو سوبرانو) جوليا جيرتسيفا في دور مادالينو، والبرازيلي (تينور)،القصة الدرامية المؤثرة لهذه الأوبرا تدور حول الخداع والتآمر والانتقام. الدوق مستهتر بالقيم الأخلاقية والمهرج ريجوليتو، الذي حملت الأوبرا اسمه، يعمل في بلاط الدوق، وابنة المهرج المحبوبة تتعلق بشاب كانت قد رأته في الكنيسة، ولم يكن هذا الشاب إلا الدوق نفسه متنكرا بهيئة طالب فقير، وهي تغني له بسعادة مرددة اسم حبيبها، لكن الخديعة تنكشف في المشهد الأخير وتنتهي هذه الدراما بصورة مأساوية مؤثرة. وكان الجمهور الذي امتلأت به مدرجات المسرح قد تفاعل مع الأصوات الأوبرالية الجميلة، إضافة إلى الألحان الدرامية المؤثرة التي قدمتها الفرقة الموسيقية وكذلك الكورال الذي يقدر عدده بأكثر من خمسين شخصا. الباريسية فيوليتا بعد الاستراحة قدمت الأوركسترا فصولا من أوبرا لا ترافياتا التي تحكي قصة الغانية الباريسية فيوليتا التي قامت بدورها الرومانية السوبرانو إيلينا موسوك التي تعلق بحبها الشاب ألفريندو الذي أدى دوره التينور رومان فارجاس، وقد استجابت لحبه بعد تردد، لكن والده يقف ضد هذا الحب ويطلب من فيوليتا أن تبتعد عن ابنه لأن علاقتهما تضر بسمعة العائلة، وتتصاعد الأحداث حين تدخل الغيرة من جهة ورغبة الوالد من جهة ثانية لتفرق بين الحبيبين وتبلغ نهايتها المحزنة. وكان لهذا العرض الرائع من الأوبرا الذي دام نحو ساعتين وما مر به من أحداث ومواقف درامية تأثير بالغ على مشاعر الجمهور ومحبته له، وقد زادته الأصوات العميقة العذبة روعة وتأثيرا، كما أضفت عليه مزيدا من الجمال تلك الألحان الموسيقية الآسرة التي قدمتها الأوركسترا، ما جعل الحضور ينصت ابتهاجا بسحر هذه العروض الفنية الجديدة التي تنظمها الهيئة، وتنقل هذه الفنون الراقية إلى عالمنا العربي ليطلع عليها عشاق الفن الكلاسيكي الرفيع. وتقول الفرنسية شارلوت، التي حضرت الحفل، إن “أبوظبي تمزج بين الثقافات المختلفة، لأن الأوبرا لم تكن موجودة هنا قبل عشر سنوات، اليوم الناس تشاهدها على مسرح أبوظبي، هذا شيء مهم جدا”. وتضيف:”أنا مهتمة بحضور المهرجانات العربية فأنا أريد أن أتعرف على الفن العربي والموسيقى العربية، لأن التعرف على الفن والموسيقى مدخل كبير للثقافات والتفاهم مع الشعوب الأخرى”. من جهته، يقول السوري جهاد صادق:”هذه الجهود في البرامج الراقية من استضافة فرق الموسيقى والباليه والأوبرا التي تأتي إلى أبوظبي مفيدة جدا وهي تعرف بعالم الموسيقى الكلاسيكية وتزيدنا ثقافة ومتعة بعروضها الراقية، الفائدة ليست فقط للإمارات وإنما للوطن العربي والمنطقة كلها، إن هيئة أبوظبي فتحت بابا فنيا جدا ممتازا يعود بالفائدة على الشعب الإماراتي والمقيمين أيضا على أرض الدولة”، مضيفا:”أشكر القائمين على مثل هذه البرامج، فبفضل التنظيم والرعاية التي تقوم بها الهيئة أصبحنا نحضر هذه الفنون الرفيعة المستوى ونستمتع بمشاهدتها ونستفيد منها”. احتفالية أوبرا فاجنر تقوم الأوركسترا المتألقة لدار أوبرا ميونخ الألمانية ذات الشهرة العالمية، بالتعاون مع جمعية ريتشارد فاجنر أبوظبي، وتحت قيادة الموسيقار الألماني الشاب توماس هنجلبروك، بزيارة نادرة إلى الخارج لتقديم أمسية في أبوظبي مساء الخميس الموافق 29 من الشهر الجاري ضمن فعاليات “موسيقى أبوظبي الكلاسيكية”، تضم مشاهد من ثلاثة روائع لفاجنر القصة المتقدة بمشاعر الحب حول المنشد والشاعر تانهاوزر الذي عاش في العصور الوسطى، والحكاية المأساوية لأسطورة “الهولندي الطائر” المحكوم عليه بأن يجوب البحار إلى أن يلقى الخلاص على يدي امرأة تحبه بإخلاص، والقصة الهزلية المؤثرة والمفعمة بالمشاعر حول رابطة كبار المغنين في نورمبرج خلال العصور الوسطى. ولأوبرا ميونخ وفرقتها الموسيقية علاقة وثيقة بأعمال ريتشارد فاجنر حيث بدأت مع “الملك لودفيك الثاني” العاشق للفنون والذي استمر حكمه من سنة 1864 إلى غاية 1886. وبعد فترة قصيرة من اعتلائه العرش وعمره حينها التاسعة عشر ربيعاً أرسل في طلب هذا المؤلف الموسيقي الذي أثقلت الديون كاهله إلى ميونخ. فقادت هذه الصداقة المتناقضة بين الملك والموسيقي إلى إعادة الحياة في جسد أوبرا مدينة بافاريا وفي فن الأوبرا عموماً. ومن بين أبرز معالم هذا التطور العرض العالمي الأول لسنة 1868 الذي قدمته أوبرا “دي ميسترسينجرفون نورنبورج” وسيكون بإمكان جمهور أبوظبي مشاهدة هذا العرض في فعاليات مهرجان أبوظبي للموسيقى الكلاسيكية لهذا الموسم.