كاظم جهاد

عديدة هي الأعمال الأدبية والفكريّة الغربيّة التي يشكّل الجوع محورها أو موضوعها الأساس. ولضيق المجال سيكتفي كاتب هذه السطور بوقفات وجيزة متتالية عند بعض الأعمال الكبرى التي ذهبت في رصده إلى أقصى حدود مكابدته، وإلى الحدّ الذي تصبح فيه معاناة الجوع تحدّياً مطروحاً على اللّغة الأدبية ومؤشّراً على استحالتها في بعض الحالات.
لي زميل، وأكاد أقول صديق، هو أستاذ للأدب المقارن في جامعة ليون الثالثة في فرنسا، جمعتني به تجربة قائمة على المشاركة في عدد من مجلّة لَيتر («آداب») Lettres، مخصّص للشاعر الفرنسيّ، السويسريّ الأصل، فيليب جاكوتيه Philippe Jaccottet، أشرف هو على تهيئته. اسم هذا الزميل هو جيروم تيلو Jérôme Thélot، وقد كرّس جزءاً أساسيّاً من مؤلّفاته وأبحاثه لتحليل ما يمكن دعوته أدبَ الجوع. تنطلق تحليلاته هذه من تجربة شخصيّة وجيزة ولكنّه عرف أن يعتصر منها أكبر خلاصة ممكنة، وكانت طريقته في عيشها من الكثافة والحدّة بحيث قادته إلى طرح بعض أخطر الأسئلة الوجودية المتعلّقة بهذا الموضوع وإلى رصد معالجاته في بعض أكبر التجارب الإبداعية.

تجربة
لقد عرف جيروم تيلو تجربة الجوع وهو في سنّ الثّامنة عشرة. كان تلميذاً، وقام برحلة إلى أوروبا الوسطى، وفي أحد موانئها أضاع أوراقه الثبوتيّة وما كان معه من مال، وبقي في حيرة من أمره. وطيلة ثلاثة أيّام، كان شغله الشاغل يتمثّل في السيطرة على جوعه وما يتمخّض عنه من آلام. هذه التجربة التي تكاد تكون عاديّة وجّهته لاحقاً إلى تكريس أطروحته للدّكتوراه للأدب المرتبط بمسألة الجوع. ولم يكتفِ بالأطروحة بل خصّ الموضوع نفسه بعدّة دراسات يحلّل فيها، من جهة، ظاهرة الجوع وأثرها على الفرد، ومن جهة ثانية مختلف الاستراتيجيّات أو الأساليب التي ابتكرها عدّة كتّاب كبار للتعبير عن جوع عاشوه بأنفسهم أو لاحظوه عند سواهم.
الخلاصة الأساسيّة لتفكير هذا الباحث في مسألة الجوع وتعابيرها الأدبية هي أنّ الجوع هو أوّل العوامل التي تحّدد شخصيّاتنا وتعيّن ملمحنا الكيانيّ. لا اللّغة ولا الجنس ولا الفنّ ولا أيّ من ملَكاتنا الأخرى يمكنها تحديد إنسانيّتنا الولاديّة أو الفطريّة بقدر ما تفعل علاقتنا بالجوع. فالكائنات الحيّة محكوم عليها باتّباع هذه الآلية المتمثّلة في الأكل والشرب والهضم والاستخلاص، مهما يكن الثمن، وبوتيرة منتظمة يصيبنا تعطّلها بخلل مريع. آليّة لا ننتبه لخطورتها لفرط ما ألفناها، ولكنّ تجارب الجوع الفرديّ السّاحق والمجاعات وما تلقاه هذه وتلك من تعابير أدبيّة وفنيّة نافذة، هذا كلّه يذكّرنا بفداحتها. وممّا يسعى جيروم تيلو إلى وضعه نصب أعيننا هو أنّه لا الأعراف الاجتماعية ولا الثقافة ولا العلوّ الرّوحانيّ أو الوجود الجمعيّ لِتقدر على الصّمود أمام طوطم الجوع اللّهام. ممّا يستدعي في نظره الكفّ عن التستّر على هذه الحقيقة الأساسيّة التي تطال وجودنا كلّه، ألا وهي أنّنا أبناءٌ للجوع، إن لم نقل إنّنا عبيد له، لا ينتظم لنا عيش إن لم يهدأ، ولا يقوم لنا معنىً طالما بقي بلا شبع.

أرشيف
وهو يندهش من أنّ الجوع، فرديّاً كان أو جماعيّاً، لم يشكّل حتّى الآن موضوعاً أساساً لا في أبحاث الأدب المقارن ولا في الفلسفة، مع أنّه حاضر في آداب الإنسانيّة جمعاء منذ لعثماتها الأولى، ومع أنّ هذا المعطى البدئيّ والولاديّ المميّز للإنسان بخاصّة ولمجمل الكائنات الحيّة ليس حكراً على ثقافة دون سواها، ولا على عصر دون غيره. لذا منح نفسه هذه المهمّة في «أرشفة» أساليب قول الجوع في الأدب العالميّ، قديمه وحديثه، شرقيّه وغربيّه، والإجراءات المتنوّعة التي بها يكشف الأدباء عن أثر الجوع عندما يبلغ درجة قصوى على مَداركنا وحواسّنا وتعابيرنا. لقد تناول الجوع في مختلف أشكاله، صياماً إراديّاً وممارسة صوفيّة وخياراً قسريّاً يفرضه شظف الطبيعة أو مصاعب العيش أو نظام قمعيّ. هذا كلّه بحثَ فيه عن عناصر تتيح له وضع أنطولوجيا شاملة للجوع أو تأسيس مبحث فكريّ ونقديّ في هذه الظاهرة.
في عمله «كتابات الجوع» Les écritures de la faim يسعى إلى إثبات أنّ الجوع هو الانفعال الأصليّ الذي به تنفذ الذّات إلى ذاتيّتها. إنّه الأساس أو المدماك الأصليّ للكائنيّة، هذا الذي يسبق كلّ تفكير وكلّ وعي وكلّ ناموس. هو الشيء العابر للتاريخ أو اللاّ تاريخيّ بامتياز، الذي عليه يقوم التاريخ، والجسديّ المحض الذي يشترط عمل الوعي والإحساس والتعبير. وهو يرى في إلزامين يجمعهما الفعل «يلزمني» («يلزمني أن آكل» و«يلزمني أن أتكلّم»، والإلزام الثاني شديد الارتباط بالأوّل)، نقول يرى فيهما شرطاً متعالياً أو مطلقاً به يرتهن إمكان قيام اللّغة والسياسة والقصديّة والعالَم نفسه. والشعراء والروائيّون هم الذين يمكّنوننا من النفاذ إلى فكر الجوع هذا بوصفه منهلاً لكلّ تجليّاتنا الشعوريّة وممارساتنا اللغويّة.

جحيم
في دراسة له بعنوان «الجوع بِصِفته أصلاً للكلام» La faim comme origine de la parole يعرّج على لحظات وعبارات أساسيّة من أدب الجوع. أشير هنا إلى ثلاث من هذه اللحظات ثمّ أضيف إليها لحظات أخرى.
يتوقّف تيلو عند الأنشودة الثالثة والثلاثين من جحيم دانتي. أوغولينو في محبسه في الجحيم منهمك في التهام قحف روجييري الذي كان في الحياة الدّنيا قد دمّر حياته، أي حياة أوغولينو، وحياة أسرته، إذ حَبَسَه هو وأبناءه في برج لا يأتيهم فيه أيّ طعام. راح الأبناء يموتون تدريجيّاً من الجوع ويتوسّلون أباهم أن يأكلهم ليسند جوعه. وفي نهاية الأنشودة، وقد فقد أوغولينو بصره من فرط الألم والجوع، يكتب دانتي أنّ «ما لم يقدر عليه الألم اقتدر عليه الجوع». لا يؤّول تيلو هذا البيت الملغز بل، كما فعل كاتب هذه السّطور في تقديمه لترجمته للكوميديا الإلهية إلى العربية، يستعيد تعليقَ الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس على هذه الخاتمة. فبيت دانتي يمكن أن يعني أنّ ألم الحبس وفقدان الأبناء لم يكفِ لدفع أوغولينو إلى التهام جثث أبنائه، ولكنّ الجوع المتطرّف دفعه إلى ذلك في خاتمة المطاف. كما يمكن أن يعني أنّ أوغولينو الذي لم تمتْه آلام الاعتقال أماته أخيراً غياب الطّعام. ويرى بورخيس أنّ اكتفاء دانتي بهذه الصيغة المفتوحة على أكثر من احتمال قد ترك للقارئ كامل حريّته في اختيار التأويل الذي يريد، فاحتفظ للأنشودة بنهاية مفتوحة وقاربَ منتهى الرّعب دون أن يسقط أو يسقطنا فيه.
انتصار الجوع هذا على أيّ مصدر آخر للألم يرى تيلو مثلاً آخر له في بيت من إلياذة هوميروس. يقول البيت:«حتّى نيوبيه Nióbê الجميلة الشَّعر فكّرت في الأكل»، ثمّ يسرد كيف كان أبولو قد قتل بسهام قوسه الفضيّة بناتها الستّ وأبناءها الستّة في مقتبل شبابهم. أن يكون الجوع قد أنساها ألم الفقدان وفظاعة العنف، وهو ما كان ينبغي أن تكرّس له بصفتها أمّاً جُماع تفكيرها، وأن ينصرف ذهنها إلى الطعام، فهذا هو في نظر الشاعر اليونانيّ الرزء الحقيقيّ وأقصى درجات البؤس. باندحارها أمام الجوع فقدت نيوبيه جدارة ألمها.

شقاء
هذه الوقفة عند دانتي وهوميروس تفيد في دفع مسألة الجوع إلى أقصاها، وإلى حدّ التفكير في المائدة المحرّمة والتّناول المستحيل من جهة، وفي الإيعاز المأساويّ الذي يقضي بنسيان كلّ ما يهدّد بتخفيف معاناة الفقد من جهة أخرى. وفي هذا كشف عن الطبيعة القصوى للجوع نفسه، فهو ما إن يتفاقم ويتجاوز الحدود حتّى يدفع بنا إلى الأقاصي. هذه الأقاصي يلمسها رامبو بنفاذ في قصيدة وجيزة منحها عنوان «أعياد الجوع»، واستعادها ضمن قصائد أخرى في عمله «فصل في الجحيم». في مطلع القصيدة/ الأغنية يجعل رامبو جوعه يهرب على ظهر حمار آن (وثمّة بين اسم هذه الفتاة: Anne واسم الحمار بالفرنسية: âne جناس يدعّم السخرية المرّة). يرى جيروم تيلو أنّ رامبو يدعو جوعه إلى الهرب لأنّه يشكّل له الحقيقة ويَسِم بدمغته صورته الذّاتية. وبصفته هذه لا يريد له أن يعرف الشّبع ولا أن يسقط في حبائل الاكتفاء. هذا تأويل ممكن، ولكنّ قراءة أكثر واقعيّة للقصيدة تزيدها في اعتقادنا ثراءً. تتكونّ هذه الأغنية من مقاطع يذهب كلّ منها بالكلام الشعريّ في اتّجاه متفرّد. تارةً يعلن الشاعر شغفه بالتهام «الصّخر والأرض والحديد»، وهو تعبير مفارق عن التناول المستحيل، يلمّح إلى ضراوة الجوع نفسه. وطوراً يحوّل الأشياء من حوله إلى أصوات («دنْ دنْ دنْ دنْ، إنّني أتغذّى من الهواء»، وكذلك:«حومي يا مجاعاتي، كُلي يا مجاعاتي/ من حقل الأصوات»)، كاشفاً لنا عن عمل الهلوسة الذي يأخذ بمجامع الجائع ويحوّل وعيه وخياله إلى اجترار، خلّاق أحياناً، للكلمات. ثمّ إنّ جوع رامبو ليس ممّا يقبل الشبع أصلاً، ما دام الجوع الجسديّ قد ارتبط عنده بجوع نفسيّ وروحانيّ، جوع شالّ وشامل امتدّ إلى سائر علاقاته بالعالَم، ويوسّعه هو إلى حدود العالَم والتاريخ، عندما يرى في كلّ الأشياء طعاماً يعرض نفسه عليه:«الأحجار العتيقة أحجارُ الكنائس/ والحصى، بناتُ الطّوفان/ أرغفة منثورة في الوديان الرماديّة». وعندما «يتعب» الشّاعر من تعداد المظاهر الفعليّة والخياليّة لجوعه، يلخّصه بكلمة واحدة:«إنّه الشّقاء».

اختيار
وجه آخر للجوع في تأرجحه بين الاختيار والاضطرار يكشف عنه كافكا في قصّته «فنّان الجوع» Ein Hungerkünstler (يترجم بعضهم العنوان إلى «الصّائم» وإلى «فنّان الصّوم»، وفي هذا إفقار له). يقبل بطل هذه القصّة القصيرة بأن يُعرَض في السيرك، يتفرّج عليه الزوّار كما يتفرّجون على الحيوانات، يراقبون تطوّر جوعه الإراديّ أو صيامه، وأثر الجوع عليه. وفي لحظة احتضاره يحادثه المسؤول عن السيّرك، الذي جاء ليسأله إن لم يكن قد آن الأوان ليوقف صيامه، فيهمس فنّان الجوع في أذنه إنّه إنّما أقبل على الصّوم لعدم عثوره على غذاء يلائمه، ولو كان عثر عليه لما كان الصوّم داعب خاطره لحظة واحدة.
هو إذن الجوع «الاختياريّ » بصفته كاشفاً عن فقر الوجود. وشبيه به صوم بطل رواية «الجوع» الشهيرة للكاتب النرويجيّ كنوت هامسون Knut Hamsun. يبدأ بطل الرواية بخوض تجربة الجوع القسريّ، ثمّ «الاختياريّ » إذا جاز القول إنّ هناك جوعاً يمكن أن يكون اختياريّاً. هو كاتب مقالات يحاول مداراة جوعه بعائدها، لكنّ تأخّر العائد يطيل من جوعه ويجعل الكتابة تزداد صعوبة عليه. يقول له رئيس التحرير إنّ كتاباته «محمومة» على الدّوام، وهو لا يقدر أن يفسّر له أنّ الجوع هو ما يجعلها كذلك. وفي خاتمة المطاف يقرّر «تربية» جوعه واتّخاذه وسيلة لبلوغ حقائق كبرى. وبالفعل ينتعش خياله برؤى مهولة وكاشفة، ولكنّ الإنهاك الجسمانيّ الذي يتسبّب له به الجوع يمنعه من التقاط الكلمات اللازمة لصياغتها. هكذا يكون الجوع كشفاً وحجاباً في آنٍ معاً. ومعه تتحوّل حياة البطل وصراعه مع الكتابة أو من أجل الكتابة إلى معضلة ومأساة وصفها الروائيّ الأمريكيّ بول أوستيرPaul Auster في كتابه المترجم إلى الفرنسية تحت عنوان «فنّ الجوع» يليه محاورة مع بول أوستير L’Art de la faim suivi de Conversations avec Paul Auster، إذ كتب عن بطل الرواية المذكورة:«إنّه يفقد كلّ شيء، حتّى نفسه (...) يجهد في اختراق الغياهب التي صنعها الجوع حوله، وما يكتشفه هو غياب اللّغة. صار الواقع بالنسبة إليه فوضى زاخرة بأسماء بلا أشياء [تُقابلها]، وبأشياء بلا أسماء».
كما يسرد الكاتب الفرنسيّ روبير أنتليم Robert Antelme في كتابه الأساسيّ الذي يذكره تيلو وأغلب من كتبوا عن «أدب الجوع»، والمعنوَن «النّوع الإنسانيّ» L’Espèce humaine تجربة اعتقاله في معسكرات العمل الجماعيّ في ألمانيا النازيّة بسبب نشاطه في المقاومة الفرنسيّة. ويتوقّف هو أيضاً عند هذا الارتباط للجوع بالحاجة إلى بالكلام:«عندما لم يكن في فمي شيء ألوكه، كان الفراغ يصبح متعذّراً على الاحتمال». فتروح عبارة«لقمة أخرى، لقمة أخرى» تتردّد في ذهنه في ما يشبه الهوس، تملأ فاه ولا تملأه.

رؤية
ومن المعلوم أنّ الروائيّ المصريّ بالفرنسيّة ألبير قصيري Albert Cossery قد رصد كلّ رواياته وقصصه لاستكشاف عالم المتسوّلين في مصر، الذي عاينه هو بأناة وتعمّق وانتباه وظلّ يسكن تجربته الإبداعية طيلة الستّين سنة ونيّف التي أمضاها في باريس حتّى وفاته فيها عام 2008. لقد وصف الجوع في شتّى أشكاله ومختلف محاولات الخلاص منه. وصف الشخصيّات المهمشّة وتلك إلى تختار التهميش، من معوقّين ومعتوهين ومتبطّلين ومثقّفين بلا عمل وجامعيّين هجروا العالمَ الجامعيّ برَماً به، وسواهم، ووصف أساليب التسّول وفلسفاته، من تلك التي توصي بمداهمة الآخرين بمنظر الجوع الصّاعق إلى تلك التي تنصح بمراعاة اللياقة والدماثة واللّطف، بما يمكن أن يثير تعاطف الآخَر ويحضّه على الكرم. والأهمّ هو أنّ قصيري قد وجد في الجوع والتسوّل نافذة إلى رؤية كاملة للوجود تصدر عن عالم المسحوقين والمعدمين، وفي هذه الرؤية وتفاصيلها وضع الباحث التونسيّ محمّد رضا بوغيرة دراسة قيّمة في كتاب جماعيّ صدر عن جامعة مدينة رين Rennes الفرنسية بعنوان «التّيه والهامشيّة في الأدب» Errance et marginalité dans la littérature.

«أنياب الجوع».. العربية
الأدب العربيّ، وبطبيعة الحال، وعلى كونه غير مشمول في هذه العجالة، لا يخلو من أعمق التّعابير عن الجوع. في الشّعر بادئ ذي بدء. من لاميّة العرب المنسوبة إلى الشّنفرى إلى سخرية الجواهري اللّاذعة في مطوّلته «نامي جياعَ الشعب نامي». يفتخر شاعر الصّعاليك بمماطلة الجوع قائلاً:
أُديمُ مطالَ الجوع حتّى أميتَه/‏
وأضربُ عنه الذِّكرَ صَفْحاً فأُذهلُ
وينوّع الجواهريّ ببراعة على هذه البلاهة والغفوات الأزلية يفرضها الجوع على جماهير كان يودّ لو يراها أكثر نباهة وعناداً في مقارعة المستعمرين. وفي الرواية، وبين نماذج أخرى كثيرة، تحضرنا صفحات من»الخبز الحافي»لمحمّد شكري، يصف فيها كيف يصارع الأسماك على فتات الخبز الطافية على المياه، وكيف كان يضطرّ أحياناً إلى أن يعلك»على فراغ»، عمليّة علْك كاذب هي صورة متطرّفة عن المحاولة اليائسة لمراوغة الجوع. كما تحضرنا، وبقوّة، رواية»جوع»لمحمّد البساطيّ، التي يبرع فيها في رصد آثار الجوع والتحوّلات شبه غير المرئيّة التي يطبعها يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة على كيانات أفراد أسرة وقعت بين أنيابه.
«أنياب الجوع»: يا لها من استعارة سائرة بها تعبّر عبقريّة اللّغة العربية عن أثر الجوع الباتر والمدّمر على الأفراد والجماعات سواء بسواء!