مثل مقاتلي الفايكينج الكسالى، يستند متسلقو التلال على رقعة من جلود حيوان الرنة حول النار، يحتسون قهوة قوية ويحدقون في الفضاء الرحب الهادئ. تير ستريو يحمل إبريقا وقهوة سريعة التحضير للحظات مثل هذه، عندما يكون في فضاء القطب الشمالي. المرشد مستعد دائما لكل الاحتمالات، والتنزه مع ستريو هو السبيل الأفضل دائما للتعرف على جيولوجيا القطب الشمالي ونباتاته وزهوره من أنهاره الجليدية ومساقطه المائية وكهوفه وحتى أشكال الفطر وثمار التوت. والدائرة القطبية كما هي محددة على الخرائط، تمثل حدا جغرافيا ومناخيا فاصلا بين المنطقة الباردة نسبيا في النصف الشمالي من الكرة الأرضية والمنطقة القطبية، لكنها بالنسبة لمن يعيشون هنا، فإنها مقياس كل شيء إذ أن المسافة بين خطي 66 و34 شمالا هي الحياة لمن يعيشون هناك، وهي الفيصل بين الضوء والعتمة ففي الشتاء لا تشرق الشمس فوق الأفق، وفي الصيف لا تغرب مطلقا. ويعني هذا بالنسبة لستريو وأسرته أن أهم شيء هو التمتع قدر المستطاع بشهور الصيف المشمسة والخروج لملاقاة الطبيعة قدر الإمكان. ولحسن الحظ تنعم الطبيعة بالكثير مما يستحق الاستكشاف في التخوم النرويجية-السويدية. تبدأ الطبيعة في مو إي رانا، أكبر مدن شمال النرويج. إنها منطقة الأنهار النشطة والمساقط المائية والبحيرات وأحواض المياه وكلها مثالية للسباحة أو الصيد حسبما يقول ستريو. ويضيف الرجل، إنه يستحيل أن تضل طريقك في الإقليم، سواء كنت تراقب ذلك التيار الجارف في سالتسترو جنوب مدينة بودو أو كنت تستشرف سفارتيسن ثاني أكبر أنهار النرويج الجليدية، كل الممرات والطرق عليها علامات إرشادية حمراء. وفي الطريق للسويد لا توجد رسوم جمركية أو نقاط حدودية تستدعي إظهار جواز السفر، والحدود ليست محددة بعلامات واضحة. وبعد برهة تظهر منازل وسط المزارع بين الجبال مميزة بخطوط حمراء، ليست مجردة أو فقيرة المظهر مثل قريناتها النرويجية. وتعج مدينة هيمافان، أولى المدن بعد الحدود، بالنشاط فهي منتجع سياحي يضم أسرة تكفي ألفي ضيف ولا يقيم فيها أكثر من ثلاثمئة مواطن. وفي كل درب من دروب المدينة هناك علامات إرشادية باللونين الأزرق والأبيض تدلك على المتنزهات والأماكن التي تستحق المشاهدة والبحيرات. وهناك مركز “ناتوروم” وهو مركز سياحي يستقبل الزوار ويمدهم بمعلومات عن النباتات والحيوانات القطبية، وبفضل قبته الذهبية اللامعة، يمكن رؤيته من مسافة بعيدة. وتمثل هيمافان أيضا نقطة البداية لطريق “كونجسليدن” أو طريق الملوك، وهو طريق يمتد 500 كيلو متر، يهدي السائر عبر محمية فندلفجايلين الطبيعية أحد أكبر المحميات الطبيعية في أوروبا بأسرها.