تحتضن الزمان بدموع الحنين، تطوق المكان برائحة الطيبين، تتسرب وعياً وطنياً في الحنايا والخافقين، تغرف من معين لا يجف ولا يلين، لأنك يا سيدي البيان والتبيين، لأنك الهوى ولهفة العاشقين، لأنك الشغف، واللهف، والتلف، والكلف، والعزف، والنزف، والغرف، والطَرْف المحدق في النواصي والجانبين، لأنك السؤال المتطور على مدى الزمان والمكان، ولأنك القاسم المشترك ما بين جيدين، وحاجبين، وخدين، ونهدين، ومرحلتين، لأنك الواصل المتصل ما بين جيلين. قصر وحصن وحضن، وغصن وفنن وشجنن، ومسافة تورق بأشجار الأولين، لأنك جبل، يقطن على جباه، ويحتسي من مطر المدنفين، لأنك القدرة والفكرة، ولأنك الخبرة والعِبرة، ولأنك السطوة والنخوة، وشهوة الأيام في ارتكاب فضيلة الجمال، لأنك نشوة الأحلام، وهي تخب على رموش كلها الليل، بلون السهر، ولأنك القديم القادم، المتقدم، باتجاه مراحل، وسواحل، وكواحل، ومناهل، ومسائل، وطوائل، وفصائل وقبائل، وموائل، ومفاصل، وفواصل، وتواصل، وأوائل، ومنازل.. الجديد المتجدد لأنك الجديد المتجدد، جداً ووجداً ومجداً، وجوداً ووجوداً، لأنك الحاضر المتحضر الحذر المتجذر المتمدد، في مدى يمتد على امتداد مشاعر الأولين والآخرين، لأنك الجزيرة المعطاءة، طيورها قلوب تهفهف، وترفرف، وتعزف وتسرف في الولاء والانتماء والاحتواء والانضواء، والاستواء، والإطراء، والثناء، واحتساء نثات الزمن، قطرة قطرة، نقطة نقطة، لحظة لحظة، والنازحون من المعين، شظفون حتى الارتواء، كلفون حتى الاشتهاء، حادبون من المعنى والمفردة، غارفون من العبارة والجملة، فاعلون متفاعلون فعولون، يخصبون الحياة هوى، وأشواقاً وأحداقاً، وأنساقاً، واتساقاً. لأنك يا قصر الزمان، يا حصن المكان تمنح الدمعة لمعة، وتغسل المحيا بقطر وشدو، وتثير وتثري مدى القلب بما تسديه الذاكرة الوثيرة متوهجاً مبهجاً لاعجاً بالسنين وما جاش به الفؤاد، من صور، وسطور، وما ندَّ عنه من اختلاجات عَمرُت وعمرَّت واستعمرت، واستقرت وأقرت، وقاربت ما بين الرمل والبحر، ما بين الروح والجسد، وما بين الأبد والأمد، وما بين حبل الود والكمد، ما بين مهجة تتبارى في الصهيل، وموجة تتوارى خلف بياضها الأصيل .. لأنك يا حصن المناعة والشفاعة والقناعة والبراعة، تأسست فكراً، ودهراً، وسهراً، وسحراً، وبذراً وجذراً، وشجراً، لأنك في الأصل البلاغة، والنبوغ، لأنك البلوغ في السجايا، والنوايا، والطوايا، والثنايا، لأنك كل ما يخبئه القلب من قدرة على العشق. لك الشكر يا حصن، لأنك رمانة الميزان في الأزمان، لأنك الحافظ الحفيظ لأشيائنا الصغيرة، ولأنك الكامن في الوقت زماناً يتحرك في الوجدان، دورة دموية لا يجلطها عصب، ولا غضب، ولا تعب، ولا عتب، ولا سغب، ولا قضب، ولا نَهب، ولا رهب، ولا شغب، ولا عطب، ولا نكب، ولا نقب ولا حدب. لأنك يا حصن الفضاءات الواسعة حارس للرمل في اللهوجة، لأنك القابض على ساق، ومساق، وأحداق، وأطواق، وأشواق، وعشاق، ومآق، لأنك الراهب الناسك في محراب الخلعة الأبدية، لأنك القديس والقداسة، في صومعة الفانتازيا الأزلية، لأنك الحُلُم الواقف على حضن وشجن، الغارف من يد الله المبسوطة، الناهل من سماوات أبعد من النجوم والغيوم.. لأنك يا حصن، سيجت الهوى، بعرف لا يكل ولا يبلى، لأنك سورت المعرفة بآيات من قدرة المؤسسين السالفين، الذين عرفوا العرفان، بالنشيد ومذاق القصيد والعقد الفريد، والفعل المجيد، والبوح التليد، والغرس الأكيد.. لأنك يا حصن كالغصن تميل على الفؤاد، فتورق الروح، بالفرح، وتزهر النفس بالانتشاء. لأنك يا حصن، هرم، وعلم، وقلم، وشيم، وقيم، وذمم، وكلم، وحُلُم، وحِلْم، وكرم، وسهم، ونجم، وفطم، وخطم، ولجم، وحجم، وخيم، وفهم، وشكم، وحزم، وحسم، وحَرَم، وحُكمْ، وحَكَم. لأنك يا حصن، ذاكرة لجيل، وخيل وليل، وحيل، وسيل، لأنك ذاكرة تزرع العشب، ازدهاراً وإثماراً وإعماراً، وافتخاراً، ولأنك في السؤال، القوة المثلى لصورة ومشهد حضاري تحتفي به عاصمة الجمال والأسئلة المفتوحة، على الزمن، والمكان لأنك خُصلة الإنسان، عندما يحلق وجداً وعهداً، ووعداً، وسعداً، وأمداً، عندما تكون الأرض، مهداً ونهداً، وثغراً ونحراً، وفضيلة ووسيلة، عندما تكون الأرض، قلباً ودرباً ينفتح على العالم صفحات حبرها شعر، وسطورها خبر عن بلد تؤثث الوجدان بسجادة الحب، وتبني قصوره من سعادة وتعتني بأظفاره، ناعمة كنعومة المشاعر الصحراوية عندما يغسلها المطر، بسنابل القمح، والفرح.. لأنك يا حصن كالنسر على ربوة معشوشبة بالتطلع، والطموح، برجاحة الإرادة ونباهة العزيمة، واكتساء الروح، بحرير البلوغ والنبوغ. مراحل وسواحل لأنك يا حصن جاورت البحر، واحتسيت وأمطيت، وأسرجت الخيول باتجاه مراحل وسواحل، واعتدت العدة لسفر المسافات البعيدة هناك عند النجوم هناك بمحاذاة الشمس، فشعشعت واتسعت، وأفردت الأشرعة تنادي المسافرين كي يضعوا الحزام والفطام، ويعلنوا صولة الغوص العميق، في السحيق، في أحشاء الزمن، في المكان الذي يصنع غد الأجيال، بلا خوف ولا رهبة، زمان يلون العيون بزرقة البحر، وصفاء السماء، وسماحة القلوب الرحيمة. لأنك يا حصن تستدعي في الذاكرة فلزات المعرفة، وقصائد دوخت الحور العين، واستشاطت لها قلوب العاشقين، لأنك يا حصن تستدرج في القلب المعاني والزماني، وتهشم شيئاً من الأواني في أوان الوقت، ثم تعيد ترميمها، وتصميمها، بسط نفوذ وحدود، وتمضي في البعد، اتساعاً ويرعاً وإبداعاً، وإمتاعاً مطوعاً نوق الجموح لأجل رجوح، مروضاً جياد نفور لأجل ثغور، لأنك يا حصن في صمتك رعد وبرق، لأنك في رسوخك حذر كعين الصقر، لأن جفونك قلق العاشقين، في انتظار نظرة فابتسامة فموعد فلقاء.. لأنك يا حصن تكتب في السر، وتحت ضوء الصمت، قصائد الأولين وتنثرها وعداً، وميعاداً، تكتبها بمداد الرائحة القديمة المصدحة، كصوت أحجارك المنعمة بالحياة، تصدرها بوحاً إماراتياً صحراوياً، صافياً نقياً لأجل من مروا، وقرأوا الحكاية من البداية حتى النهاية، لأجل من يستطلعون الأبيض على جدرانك، ويتلون نقوش الذاكرة بأناة وتفرده، يتلون تضاريس زمن استرق من الصحراء، الصلابة والصلادة، واستدار يشكل رقية الصمود بكل جسارة وقوة .. لأنك يا حصن المنارة المتحدية القيثارة المغروسة في الطور المتفرعة فناً كوشوشة الموجة.. لأنك يا حصن، تسرد الإنسان رواية البدء ليستكمل الثيمة، من يسطرون الحلم بالأمنيات الزاهية. لأنك يا حصن تطل على شارع الذاكرة تقف عند ناصية القلب، وتخبر الناس، بأن على هذه الأرض، كان النهر أوسع من تضاريس النجوم، كان الشجر أعلى من سمو الجبال، كان الإنسان يحرص المكان، بالعقل بالروح بالقلب، وبكل ذرة بنان ولفظة لسان، لأنك يا حصن تطل على الناس، لتخبر القاصي، والداني أن على هذه الأرض، نبتت الأشجار مرتوية من عرق السواعد مخضرة من لون القلوب، مورقة من رفرفة الأجنحة المطلة على ربوة وصبوة.. لأنك يا حصن تعِد ولا تخلف الميعاد، لأنك تتعامل ما بين السماوات والأرض قوس قزح، ترسم الصورة المثلى للنموذج المحتذى، لأنك يا حصن مفتاح الباب المشرع على التاريخ المطل على التضاريس الملوح باتجاه الإنسان، لأنك يا حصن الكتاب المفتوح المشروح، المنقوح، المطروح معرفة متعافية متشافية بقافية العشاق، وبحر الرمل، والأهل ونقاء المقل .. لأنك يا حصن الرقعة الجغرافية الواسعة في الذهن، لأنك البقعة البيضاء في تاريخ الأهم، لأنك السطر المسترسل في العبارة، لأنك النقطة الملونة بالقلف، لأنك المجال المفتوح على شوارع الفكرة، لأنك المآل المتوهج بصدق المهج والذين يطوقون المكان بالحب، ودفء البنان.. لأنك يا حصن، الكل المتجزئ من مراحل ما قبل وما بعد العشق... لأنك يا حصن الثغرة والفكرة، والقاموس، والناموس، والناقوس... لأنك يا حصن جبل الروح منه وفيه وإليه، تتطهر طيور القلب...