في مهنة المتاعب لا مكان للاستجمام والسلام، ولا ملاذ ليهرب إليه الصحفيون من عناء البحث عن حدث أو من فضول البحث فيه، ما دامت الأحداث تأتي من دون موعد وتقتحم العالم من غير استئذان، وتتحكم بمسار العمل الصحفي والإعلامي من غير دستور أو أعراف أو بوصلات أو منارات، وما دام العالم قرية صغيرة ألغت حدودها وأجواءها وبحورها وباتت إما مقراً لحراك ما وإما ممراً له وإما ضحية من ضحاياه وإما بطلاً من أبطاله. من شواطئ البحر الأبيض المتوسط حيث تبحر قوارب الهاربين من بحور الدم في سوريا لتغرق في أفواه البحور الجائعة إلى بغداد النازفة وبيروت القلقة وعمان المتأهبة والقاهرة العائدة والرياض الجريحة وصنعاء الضائعة، وانتهاء بكابول وإسلام آباد ومقديشو وسيوف بوكو حرام في القارة السمراء، وحدها مهنة المتاعب لا تعرف ما تعنيه البطالة ولا تعرف ما يعنيه الحياد وما يعنيه المكان والزمان، ولا تفقه شيئاً في الهويات والجنسيات والأديان والأعراق والألوان، وجل ما تفعله أنها تسهر حين يغفو الآخرون وتتجرأ حين يخاف الآخرون وترفع رأسها وصوتها حين تُكتم أنفاس وتقطع أو تنحني رؤوس. إنها مهنة المتاعب بامتياز ولكنها في كل الأحوال المهنة التي تغطي المآسي لا المهنة التي تصنعها... مريم العبد - أبوظبي