تشير كل الاحتمالات إلى استمرار الاقتصاد في منطقة اليورو على كساده في العام 2012، حيث يخيم خطر خفض التصنيف الائتماني على أوروبا، وبالمقابل يشهد عدد قليل من الاقتصادات الناشئة انتعاشاً واضحاً، وإندونيسيا خير مثال لذلك، حيث رفعت وكالة “فتش” تصنيف ديون إندونيسيا السيادية منتصف الشهر الماضي، مما أعادها إلى الدرجة الاستثمارية للمرة الأولى منذ 14 عاماً. وخلال العام الماضي، تحول التركيز ناحية البنوك الأوروبية في خضم المعاناة التي تواجهها منطقة اليورو للإتيان بمقترحات سياسية ملائمة بغية حل مشكلة أزمة ديونها. وحذرت وكالات التصنيف الثلاث الكبرى في العالم من أن دول أوروبا مهددة بخفض تصنيفها في حالة فشلها في حل هذه المشكلة، كما أصبح الشعور تجاه أوروبا مظلماً، حيث إن أكثر الأشياء إيجابية التي ذكرها الاقتصاديون في مؤسسة “نورثورن ترست” الأميركية للخدمات المالية، فيما يتعلق بمستقبل أوروبا قولهم: “وتكمن قضيتنا الأساسية في أن منطقة اليورو لن تنهار كلياً في غضون السنتين المقبلتين”. وانعكس الدور نتيجة توقع أن يبلغ نمو الاقتصاد الأندونيسي في العام 2012 نحو 6,4%، وذلك بانخفاض طفيف مما كان عليه عند 6,5? في العام 2011. وفي المقابل، تشير كل الاحتمالات إلى بقاء الاقتصاد في منطقة اليورو على كساده في العام 2012، بينما لا يتجاوز نمو الاقتصاد الأميركي سوى ثلث الوتيرة التي يسير عليها نظيره الإندونيسي وكان الدرس الذي خرجت به آسيا من أزمة نهاية تسعينيات القرن الماضي، التأكد من امتلاكها لنظام تأمين قوي. ويذكر أن الدول الآسيوية لديها معظم الاحتياطي النقدي الأجنبي البالغ نحو 4,5 تريليون دولار يتركز معظمه في الصين واليابان، والذي من شأنه توفير حماية كافية لهذه البلدان للتصدي لأي موجة يمكن أن تضرب أسواق المال. ويبدو أن “صندوق النقد الدولي” تعلّم بعض الدروس من واقع تجربته في قارة آسيا، خاصة فيما يتعلق بعمق الضرر الذي يمكن أن يلحقه خفض الميزانيات بنمو اقتصاد البلدان وشعوبها. وأوضح بيان الصندوق في نوفمبر 1997 الذي أعلن ترتيبات المساعدات المقدمة لإندونيسيا، الوصفة السياسية التي يتبعها الصندوق في تشديد السياسات النقدية والمالية واتخاذ المعايير المالية الضرورية لتوفير الفائض في الميزانية. وتوقع الصندوق في ذلك الوقت تراجع نمو الاقتصاد الإندونيسي الذي كان عند 8% قبل الأزمة، لنحو 5% في السنة الأولى من البرنامج ولنحو 3% في التي تليها. وفي حقيقة الأمر، عانى الاقتصاد من تراجع بلغت نسبته 13,1% في العام 1998 ليحقق نمواً طفيفاً في العام الثاني لم يتجاوز سوى 0,8%. وألزم انفجار الأزمة المالية في آسيا في العام 1997 “صندوق النقد الدولي” بالتدخل وتقديم قرض قدره 15 مليار دولار لمدة 3 سنوات وذكر الصندوق أن القطاع المصرفي الإندونيسي لم يكن مهيأ لتحمل الانهيار المالي الذي اجتاح جنوب شرق آسيا في ذلك الوقت. واعترف دومينيك ستراوس، المدير السابق للصندوق، بالضرر البالغ الذي ألحقته سياسات الصندوق بشعب إندونيسيا. ويساور العديد من الاقتصاديين قلق شديد من أن تتسبب معايير التقشف الأوروبية التي تشبه لحد كبير نظيراتها الإندونيسية في نهاية تسعينيات القرن الماضي، في المزيد من الأضرار للاقتصاد، مما يزيد من سوء حالة الديون التي تعيشها أوروبا. وبينما استأثرت حالات خفض التصنيف والتهديد بإجراء المزيد منها مستقبلاً، باهتمام معظم وسائل الإعلام في العام 2011، إلا أن وكالة “فتش” ذكرت أن تصنيفات الديون السيادية التي قامت بها، تكاد تكون مقسومة بالتساوي بين الخفض والرفع. ومنذ أن جردت وكالة “ستاندارد أند بورز” أميركا من تصنيفها في أغسطس الماضي، تلقت بلدان مثل البرازيل وجمهورية التشيك واستونيا وبيرو والبرجواي وكازاخستان، زيادة في تصنيفها من واحدة على الأقل من بين الثلاث وكالات الرئيسية في العالم. وربما يتـم ضم المزيد من البلدان إلى قـائمـة زيـادة التصنيف مثل الفلبين، التي عبر قـادتهـا عن عدم رضـاهـم عنـدمـا رفعـت “فتش” تصنيف إندونيسيا أولاً، على الرغم من أن “ستاندارد آند بورز” أدرجت اقتصادها في مرتبة “الإيجابي” في 16 ديسمبر 2011. نقلاً عن: انترناشونال هيرالد تريبيون