أتعلمون؟ ثمة شيء مثير للاهتمام يحدث في منطقة الشرق الأوسط، نظرا لأن اتفاقا كبيرا للسلام تم التوصل إليه بفضل وساطة قطرية، فقد نجحت هذه الدولة التي يبلغ عدد سكانها 900 ألف نسمة في تحقيق ما فشلت الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة والجامعة العربية في تحقيقه من إقناع الفصائل اللبنانية -المتصارعة دائما- بالاتفاق على صفقة تمنح البلد حكومة مؤقتة على الأقل، وتسمح للقطريين وعرب الخليج الآخرين بقضاء عطلتهم الصيفية في العاصمة اللبنانية بيروت بدون خشية أن يعلقوا في حرب أهلية أخرى· ولا بد أن الأميركيين الذين يتابعون الشرق الأوسط منذ عقود وفقدوا أي أمل في قدرة المنطقة على حل نزاعاتها المزمنــة يشعــرون بالارتيـــاح للتغيــــر الذي يحـــدث هـــذه الأيــام، ذلك أنه بدلا من التذمر والاشتكـــاء من غياب زعامــة أميركية -أو حيادها-، فإن المنطقة تحاول هذه الأيام حل مشكلاتها بمفردها· فبينما كانت قطر منهمكة في جهود الوساطة بين الفرقاء اللبنانيين، كانت تركيا تحاول من جانبها التوسط بين سوريا وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق سلام، والواقع أن هذه الجهود التركية، التي بدأت منذ أشهر، تتعلق بعملية طويلة، يقول البعض إن لتقدمها الأولي ربما صلة برغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي ''إيهود أولمرت'' في صرف الانتباه عن تهم الفساد التي تلاحقه أكثر من صلتها بأي أفق حقيقي لانسحاب إسرائيل من مرتفعات الجولان، إلا أنها تعكس في الوقت نفسه اعترافا من قبل إسرائيل بأنها لا تملك ترف انتظار إدارة أميركية جديدة لفتح كوة في دائرة العداء التي تحيط بها وتشكلها كل من ''حماس''، ولبنان الذي يتوفر فيه ''حزب الله'' على سلطة استعمال الفيتو، وسوريا المتحالفة مع إيران· في هذه الأثناء، دعا العاهل السعودي ''عبدالله بن عبد العزيز'' الرئيس الإيراني السابق ''هاشمي رافسنجاني'' إلى ''مؤتمر حوار إسلامي'' في مكة المكرمة نهاية يونيو، واللافت أنه حتى في الوقت الذي يتبادل فيه البلدان خطابا عدائيا، تتحدث السعودية وإيران أيضا عن محاولة لتخفيف التوتر السني الشيعي في لبنان والعراق، كما تسعى السعودية إلى التوسط بين ''فتح'' و''حماس'' في الأراضي الفلسطينية، مثلما هو الحال أيضا بالنسبة لليمن، غير المعروفة تقليديا بأنها قوة دبلوماسية في المنطقة، بينما تعمل مصر، التي تعد بالمقابل وزنا ديبلوماسيا إقليميا ثقيلا، منذ أشهر على رعاية وقف لإطلاق النار بين ''حماس'' وإسرائيل· ذكر كل هذه التطورات ليس هدفه التدليل على الإهمال الأميركي، ففي نهاية المطاف، تحتاج الولايات المتحدة لأن تكون منخرطة في المنطقة، إن لم يكن لشيء، فلضمان أمن إسرائيل على الأقل، ثم إن موافقة صريحة أميركية على اتفاقات السلام، إن لم يكن حفل توقيع على عشب البيت الأبيض، لا يمكن أن يكون إلا شيئا إيجابيا، غير أن ما أظهرته إدارة ''بوش''، عن غير قصد ربما، هو أن سياسة الإهمال والانحياز -السعي إلى عزل الأشخاص الذين لا يحبهم المرء- يمكن أن تنتج عنها نتائج جيدة غير متوقعة على اعتبار أنها ترغم بلدانا أخرى على الاضطلاع بدور الوساطة· ربما بعد كل الحروب والدماء التي أريقت بين العرب والإسرائيليين، والأميركيين والعرب، والفرس والعرب، والعرب والعرب، فإن الشرق الأوسط كله يقول اليوم بصوت واحد: كفى! باربرا سالفن زميلة معهد السلام الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست