رغم التقدم الملحوظ الذي حققه الكائن البشري، إلا أن معاقل التخلف عند البعض مازالت قائمة، فبعد أن استطاع الإنسان فك طلاسم الذرّة، واستطاع أن يغزو الفضاء، تراه يرتعد أمام ورقة تسمى «التعويذة أو الحجاب»، وقد كتبت عليها حروف وأرقام ورموز غير مفهومة، مع وجود بعض الشعر والأظافر والدبابيس، يضعها دجال.. أصبح الإنسان باختصار عرضة للانهيار أمام أكذوبة اسمها «العمل». لقد أضحت ظاهرة الشعوذة تفرض نفسها بقوة في المجتمع العربي، تلجأ إليها المرأة عندما تضيق بها الدنيا، وتعجز عن إيجاد الحلول للخلاص من «ديكتاتورية» الرجل، أو من انحسار ميله العاطفي نحوها، ويلجأ إليها الرجل لفك «طلاسم» السحر، أو لإبعاد شبح العجز الجنسي، أو للدفاع عن حق ضاع منه، أو لتحقيق انتصار على واقع يرى أنّه غير ممكن إلا بالسحر. الحوار مفقود «تزوجتُ رجلاً بكل المواصفات التي تتمناها امرأة». هكذا تقول سوسن شاهين التي ارتبطت بزوجها، وهي لا تعلم أن هناك امرأة أخرى كانت تريد الاقتران به. تضيف سوسن: «سكرتيرته كانت تتمنى أن تتزوجه قبلي»، لكن زوجي اختارني أنا، وتتابع فيما بدت علامات الغضب واضحة على وجهها، «بعد فترة من الزواج كثرت المشاكل بيننا، وأصبحت لا أطيق زوجي، برغم إنجابي ولدين منه». تصمت فترة قبل أن تقول: «لقد كان الحوار والمناقشة مفقودين بيننا. وبمحض الصدفة، عندما كانت الخادمة تنظف غرفتي، وبينما هي ترفع الموكيت عن الأرض، وجدت ورقة ملفوفة بقطعة من الجلد، فأعطتني إياها. في هذه اللحظة أيقنت أن كل ما حدث بيني وبين زوجي، وما كادت حياتي الزوجية تتعرض جراءه إلى الانفصال، كان بسبب هذه الورقة». الأولى سحرتني «أعاني دائماً من ضيق التنفس والاختناق». هذا شعور م. عبر الرحمن، متزوج من زوجتين، يقول: «عندما أذهب إلى عملي لا أطيق العودة إلى المنزل، وأشعر أن البيت ثقيل لا يسعني تحمله». ويضيف بامتعاض: «لدي زوجتان تعيش كلّ منهما في بيت مستقل، عندما أذهب إلى زوجتي الثانية أشعر بدوار في الرأس، وكأن الدنيا مظلمة». يضيف مفصلاً: «أحس كما لو أنَّ سكينا تطعنني في قلبي، ولم يقف الأمر عند هذا الحال، في الآونة الأخيرة إذ صرت أبكي بكاء هستيرياً، وصرت أرى داخل بيتي الثاني قططاً سوداء، وعندما أخبرت زوجتي الثانية بالأمر، أكدت لي أنَّه مجرد خزعبلات وأوهام شيطانية، وقد تأثرت علاقتي بها، وبدأت الأمور تسيء بيني وبينها، وبعد السؤال والتحري وجدت أنَّ زوجتي الأولى كثيراً ما تأتي إلى باب البيت، وترمي أشياء بيضاء، وهذا وفقاً لما شاهده سائق البيت. وعند مواجهتي لزوجتي الأولى نفت الأمر، لكن إحدى بناتها أكدت كذب والدتها، فكان الطلاق هو نهاية العلاقة مع زوجتي الأولى». تغار مني «قد لا تكون حكايتي هي الأولى، كما أنها لن تكون الأخيرة، ورغم كوني فتاة جميلة، ومن أسرة مرموقة، فقد كانت أمي سبب تعاستي، إذ أنَّها تغار مني، وترفض كل شاب يتقدم لخطبتي رفضاً باتاً، لا رجوع عنه». هكذا تطرح ريهام شريف مشكلتها، وتضيف: «حاولت أن أكسب ودها، لكنَّ والدتي تشعر بذلك وترفض حتى مجرد الابتسامة لي، وقد نصحتني إحدى الصديقات بالاستعانة بأحد المشعوذين، وساعدتني على ذلك، حيث قمت بعمل «تعويذة» تجعلني أتقرب لها، وتجعلها تقبل بمن يتقدم لي، وبالفعل لم تمر عدة أشهر إلا وجاء شاب يطلب يدي، لكنَّ انقلب السحرعلىالساحر، فأصرت أمي على رفض المعرس». تضيف ريهام، والدموع تنهمر من عينيها، «لقد حطمت أمي مستقبلي.. أنا الآن في الخامسة والثلاثين من العمر، فإذا بقيت عزباء لسنوات قادمة، هل سأجد من يرضى بي زوجةً؟! عذر أقبح من ذنب «لا أعرف لماذا تلجأ النساء بالذات إلى الدجالين والمشعوذين» هذا إنكار واضح من باسمة حسين، التي تقول إنَّ هؤلاء الدجالين والمشعوذين لا هم لهم سوى الكذب على النساء ضعيفات الإيمان، حيث يجني المشعوذ الآلاف من جلسة واحدة، ويدعي أنَّه يعرف كل صغيرة وكبيرة، وعلى الرغم من كل ذلك الخداع، فإنَّ المرأة تلهث وراءه من أجل تحقيق غاياتها». وتحسم باسمة واثقة: «مهما كانت الأسباب والدوافع فإنَّ تبرير الاستعانة بهؤلاء المشعوذين، لا يتعدى كونه عذراً أقبح من ذنب. فكم من بيوت دمرت، وهدمت بسبب اللجوء إلى السحر. المتلاعبون بآمال الناس في المقابل يؤكد إسماعيل حسن أنَّ «الكثير من الناس يقعون في براثن المشعوذين، بدعوى أنَّ لديهم القدرة على الشفاء من الأمراض والمشاكل التي يعانون منها. ويضيف محدثنا: «المشعوذ كائن مزيف، فقد هويته، وأضاع نفسه، وهو يحاول أن يجد باباً آخراً ليحصل من خلاله على وهم جني الأموال»، لكنَّ المفارقة برأي إسماعيل، «أنَّ المشعوذ يمكنه الاحتيال والنصب على الكثير من المتعلمين والمثقفين من كل الفئات، حيث يلجأ إلى الحلول الخرافية والسحرية، وإلى الاستعانة بالأوهام أيضاً». لا يبتعد راشد ناصر في الرأي عن إسماعيل، ويعلق قائلاً: «تلك الممارسات تنتشر بسرعة البرق لدى الكثير من النساء والرجال والشباب، خاصة أولئك الذين يسعون إلى مضاعفة أموالهم، أو يرغبون بالزواج من فتيات أحلامهم اللاتي رفضتهم أسرهن، وقد يسعى بعضهم مدفوعاً بروح الانتقام، نحو تدمير حياة شخص ما». ويضيف: «هكذا يتلاعب المشعوذون بآمال الناس في الخلاص من مشاكلهم، وهذا بقدر ما يدخل الاطمئنان الوهمي إلى نفس الإنسان ويدعي القدرة علي تغير أحواله، فهو ينقلب وبالاً عليه في المحصلة». ظاهرة نسائية لتكتمل الصورة لا بد من معرفة رأى الطب النفسى بهذا الأمر، يقول الاختصاصي النفسي علي غالب: «العمل السحري موجود، لكن لا يجب أن نسلم كل مريض لديه مشكلة ما هو مسحور، علينا أن نقوم بمعالجته نفسياً بطريقة كلية، فإذا عجزنا عن إيجاد الحل، نلجأ للمعالجة بالطرق الدينية، ومناقشة ما إذا كان مسحوراً أم لا، ولا يجب التسليم كلياً ومسبقاً أنَّ كلَّ مريض نفسي قد تعرض حتماً للأعمال السحرية. ويؤكد غالب أن ظاهرة السحر والشعوذة تستفحل بين النساء أكثر من الرجال، لأسباب يربطها البعض بالجهل والأمية والفقر وتفاقم المشكلات الاجتماعية، ورغم اختلاف الدوافع والأهداف فإن الكثيرات من النساء يلجأن إلى السحر بغرض التداوي والاستشفاء، أو لجلب محبة الرجل والسيطرة عليه. 2-امرأة تتلقى «العمل»من المشعوذة 3- كلمات غير مفهومة كتبها ساحر تحت السورة القرآنية.