غالية خوجة (دبي)

فاطمة سلطان المزروعي... كاتبة متنوعة، أصدرت 30 كتاباً بين شعر وقصة ومسرح ونقد وسينما ورواية ومقالة وكتابة للأطفال، لكنها تمتلك قصة أخرى تقول إنها قصة متشابكة أو ملحمة التلاحم، ولا فكاك عنها ولا منها، فالحياة هي العمق بمختلف جوانب الإبداع، بل هي المساحة والساحة للتعبير والكتابة، ودون هذه المساحة ستتضاءل الأفكار، ولن تكون الأحداث ذات حبكة عميقة مؤثرة، الأبجدية لا يمكنها أن تتميز ولا أن تكون متفردة، دون الحدث والمشهد والرؤية والفكرة والعوالم المختلفة، التي هي دافع وحاضن للجسد الإبداعي، وهذه جميعها هي الحياة، وإذا صح التعبير فإنني أرسم ملامح أبجديتي من خلال مشهد الحياة نفسها، ومن هذه الجزئية تتشكل القصة الإبداعية، ويخرج جوهرها للعالم.

موسيقى العزاء
* البارقة اليومية هي ثيمة مجموعتك «بلا عزاء»، وبإيقاعها المتسارع حجمياً تعتمد على التشكيل اللوني واليومي والرمزي، لكنها لا تخلو من مسرحة الحدث، أو مشهدية النص كلوحة كلية، ترى، هل ارتفعت موسيقى العزاء؟ ولماذا؟ وأي نوع أدبي محوري ترينه يتداخل أكثر مع كتاباتك في الأنواع الأدبية الأخرى؟ ولماذا؟
- مجموعة بلا عزاء، دون شك، محورها الألم والأحزان، لكن لم استخدم بث الهم والحزن للقارئ لكسب تعاطفه وشفقته، بل كانت نتاجاً للمشاهدات الحقيقية في عالمنا، كانت نتاجاً لحالات يومية من البؤس، بمعنى أن الواقع الذي نعيشه قد يكون له سطوته علينا دون أن نشعر، فقد تمر بك مشاهد حزينة ومواقف مؤلمة، تظل قابعة في عقلك الباطن، وعند الشروع في الكتابة عن التجربة البشرية تخرج هذه المشاهد وتصبح واقعاً يسطرها قلمك.
الجانب الثاني يتعلق بالنوع الأدبي، وفي الحقيقة، لا توجد لدي هذه القاعدة، أو لا يوجد لدي هذا الميل، لأن ما يبعث على الكتابة بصفة عامة هي الحاجة، وفي المجمل فإن النص الذي سينتج في نهاية المطاف قد يكون شكله وملمحه قصة قصيرة، وقد يتطور ليصبح عملاً ومشروعاً روائياً، لذا، يبقى النوع الأدبي ذا وظيفة سطحية، أستدعيه فقط عندما تكتمل ملامح النص أو في طريقه نحو الاكتمال.

مهارة التلصص
* التحولات النفسية الواضحة، والأخرى اللامرئية، التي تنتاب الشخصيات، وهي تنتاب أعمالك بلاشك، لابد للذات الكاتبة أن تترك أثرها بين كلماتها وشخوصها وأجوائها، فهل ما زالت في وحدتها على مستوى الشعور، رغم أن الوحدة تنتفي عندما تجتمع نصوصها بمكوناتها وقرائها؟
- إن المؤلف قد يترك من روحه بين كلماته، لكنني أعتقد أنني تجاوزت هذه المرحلة منذ سنوات، أمام الكم من الأعمال التي قدمتها، حياتي ليست بهذا الثراء والعمق والألم والبؤس، لكنها مشاهد أحسن النظر إليها، وهي تفاعلات الناس وكلماتهم وهمومهم، قد يكون مع مرور الزمن بتّ أجيد مهارة التلصص على هموم الآخرين، ثم نقلها لتكون محور نص إبداعي.
* تصرين على عدم التكرار، رغم أن المشهد الأدبي مكرر ويتكرر، وسبق وأن قال بورخيس «العالم هو العالم وبورخيس هو بورخيس»، ماذا تقولين؟ وما أهم الجماليات الفنية للنص كي يظل في مركز الأبدية؟
- هذا هو التحدي الحقيقي لكل من يكتب ويؤلف، وهو مطاردة التفرد، وأن ينجح في الابتكار، والكتابة عن كل جديد، التكرار ضد العملية الإبداعية، لا يتوافق معها، على الساحة مؤلفون يجيدون تكرار أفكار الآخرين، في مقالاتهم وقصصهم حتى أعمالهم الروائية، هؤلاء يقتنصون فكرتك ويلتقطونها ثم يعيدون إنتاجها، هذه هي السرقة الخفية والتي لا يعاقب عليها القانون، لكن إحساس القراء وذائقتهم تبقى بمثابة جسر يحمي ويمنع، الجانب الثاني يجب على المؤلف والمبدع أن لا يستسلم أمام حالات السرقة الخفية التي يتعرض لها، بل يجب أن تكون دافعاً ليقدم المزيد.
* بين «ليلة العيد» إصدارك القصصي الأول، وقصائدك «بلا عزاء»، ورواياتك ومسرحياتك وصولاً إلى العمل الذي تحلمين به وتتمنين أن يخلدك، ما الخط البياني الذي ما زال محوراً لأعمالك؟ اللغة، أو المشهدية، أو اليومية أو ماذا؟ ولماذا؟
- محور أعمالي وهمّي هو الإنسان، أريد أن أراهن على القارئ، أريد أن أقدم ما يؤثر فيه ما يغير تفكيره، والتنوع في الكتابة طريقة ووسيلة للحصول على القارئ، أياً كان اللون الذي يحبه.

الرواية عالم موازٍ للعالم
* كيف يتداخل التاريخ مع السياسة في أعمالك؟ ولماذا؟ وهل خطر لك أن تكتبي رواية خاصة بتاريخ الإمارات؟
- نعم، هذا يحدث دوماً، لا فكاك من التاريخ، ولا من السياسة، ولا من مختلف المجالات الحياتية، عندما تؤلف رواية كأنك تشكل عالماً موازياً للعالم الذي تعيشه، وهنا، سيحضر التاريخ والتراث والاقتصاد والسياسة وغيرها، ولدي مشروع لتأليف رواية ذات طابع تاريخي.
* الجوائز ما أهميتها، وخصوصاً أنك نلت حوالي 19 جائزة، منها جائزة الإمارات للرواية، وجائزة شمسة بنت سهيل للمبدعات في الأدب والثقافة والإعلام، وجائزة السيناريو في مهرجان أبوظبي السينمائي، وجائزة السيناريو في مهرجان الخليج، وجائزة العويس؟
- الجوائز بالنسبة لي، بمثابة نجوم في المساء والسماء ترشدك وتوجهك للاتجاه الصحيح، هي قياس قد يكون مفيداً للمؤلف، لكنني لست مع العمل من أجلها، بمعنى أن يكون المنتج الأدبي متوجهاً لها، وأن تتم الكتابة الإبداعية من أجل الحصول على جائزة.

التراث مستقبل لا ينتهي
* بين التراث والثقافة، أين يكمن المستقبل والثقافة ولماذا؟ وخصوصاً أنك حاصلة على ليسانس في التاريخ والآثار من جامعة الإمارات عام 2004، تخصص علوم سياسية؟
- في العمق، بالنسبة لي، فإن التراث متواصل وليس ماضياً وانتهى، لذا، هو مؤثر، وبما أنه مؤثر فإنه ودون شك يحمل جوانب معرفية، ومن خلالها تنبع الثقافة وتتواجد، أنا مؤمنة بأن معرفة التراث، ودراسته بشكل عميق ستفيد الحركة نحو المستقبل، وستؤثر على هذا المستقبل.
* ماذا ستسرّين للقراء عن جديدك؟
- لدي مشروع طموح للكتابة الروائية الموجهة للأطفال واليافعين، وقريباً إن شاء الله، سترى النور تباعاً، كما أنني أعمل على رواية، أعتبرها ملحمية، وأكتبها بأسلوب مختلف جديد، وأتمنى أن تكتمل قريباً.