انتشرت اللوحات الإعلانية الضخمة على الطرق العامة في لبنان من أقصاه إلى أقصاه، تحمل استدراج عروض لمختلف الأصناف وضعت بشكل عشوائي، وفي معظم الأحيان فوضوي من دون أي آلية تنظيمية، تحمي البيئة والمظهر الجمالي للمدن. لتكون النتيجة «بانوراما» فوضوية وعشوائية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى وهدف. تنطوي اللافتات الإعلانية الهادفة إلى النواحي الاقتصادية والإرشادية على أبعاد جمالية، في حال وضعت بالشكل السليم، خصوصاً عندما تحفظ السلامة العامة، لسالكي الطرق من راكبي السيارات، وكذلك يجب تحقيق الشروط الفنية للوحات الإعلانية عبر الحصول على رخصة من البلدية لمختلف أنواع الدعاية، والموافقة على التصاميم المبدئية للألوان والمواد المستخدمة، والتزام صاحب الإعلان أو الشركات المروجة للإعلان، بالصيانة الدائمة، والتأكد من سلامة التركيبة الكهربائية، والأهم عدم إعاقة لوحات الإعلانات لحركة المرور أو حجب الرؤية في الطرق العامة وأرصفة المشاة، واختيار الموقع المناسب بحيث لا تشكل نقاط جذب للأطفال، أو أن تؤثر على درجة انتباه السائق أو على البصر جراء تركيب الألوان وتناسقها، بالإضافة إلى الأخذ في الاعتبار إيجاد مساحة كافية للوحات وألا تؤثر على الواجهة الحضارية للمبنى أو الشارع، وفق اشتراطات منح التراخيص للوحات الإعلانية. مضامين متنوعة تتنوع مصادر الإعلان ومضامينه مع طغيان الطابع الاستهلاكي بعيداً عن الذوق العام، أسماء تصل إلى حد «الشيفرة» والألغاز والطلاسم، بحاجة إلى أهل الخبرة والاختصاص، لحل عقد الإعلانات المعروضة، وكأن الهم الأساسي هو الترويج فقط من دون أن تبذل أي قناعة تجارية أو استهلاكية تحمل ثقافة التجارة والبيئة لإيصال الفكرة للزبون، الذي يتخبط في عشوائية اللوحات التي تفتقر إلى معايير السلامة العامة والأمن والذوق الأخلاقي والاجتماعي. وتتنوع مضامين الإعلانات ما بين سحق الأسعار، والطبخ والأناقة، وأدوية وأعشاب تخفيف الوزن والقضاء على الصلع، ومعاهد تجميل وتغيير ملامح الوجه، إلى جانب تواريخ حفلات الفنانين مع إعلانات عن نزول الـ(C.D) إلى الأسواق، عدا إعلانات التسويق لآخر مجموعة من أدوات المطبخ والسيارات إلخ. ويدخل على الخط وفي مواسم معينة المعلنون السياسيون الذين يحجزون لوحاتهم وأماكنهم مسبقاً، كل واحد حسب شطارته وميزانيته، عندما تقتضي المناسبات الدعائية في الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية، واللافت، أن السياسي لا يحجز لوحات فقط، بل يجتاح مناطق بأسرها محسوبة على خطه ونهجه والمبادئ التي يغري بها المواطن المسكين. ولا يقتصر تجاوز اللوحات الإعلانية على العدد الكبير، بل يتعداه إلى ما يسمى بـ «الذوق العام». والبداية تكمن في إعلانات متنوعة لمصارف بعد الأزمة المالية في العالم، وعروض عن قروض واقتراض بفائدة صفر بالمائة، إلى إعلانات لمؤسسات التجميل بأسعار مدروسة، إلى دعايات مكثفة للفنانين من أجل إنجاح الموسم السياحي، وصولا إلى إعلانات استغلال المرأة وجسدها للترويج لأي سلعة دون مراعاة لأي مشاعر أو عادات وتقاليد. خطر الإعلانات يطالب رئيس الجمعية اللبنانية للسلامة العامة، وممثل منظمة السلامة العالمية لدى الأمم المتحدة د. الياس الشويري أصحاب اللوحات الإعلانية على الشوارع الرئيسية بضرورة مراعاة الشروط الفنية ومعايير السلامة، لناحية اللافتات ولوحات الأرصفة والميادين العامة، و«البالونات» الإعلانية والدعائية الهوائية، والإعلانات على السيارات والمباني وغيرها، خصوصاً أن الجانب الرئيسي من هذا الفن يجب أن يحمل الأهمية التثقيفية والاقتصادية والابداعية، مع مراعاة المعايير الأخلاقية والذوق الاجتماعي، لإيصال اللمسات الجمالية إلى الجمهور الكبير، مع التقيد بالسلامة العامة. وعن خطر الإعلانات يشير الشويري إلى أن المنع يتعلق في الأماكن الأثرية والنصب التذكارية والإعلامية المقامة على أرض مخصصة للمنفعة العامة، وفي المنتزهات وعلى الأرصفة والأسوار المحيطة بها وعلى الأشجار، والكتابة والنقش على الصخور وغيرها من مظاهر البيئة الطبيعية، وأي شيء يتعارض مع القوانين والأنظمة النافذة في الوطن، والتي تتعارض مع النظام العام والآداب العامة. وحول عشوائية اللوحات الإعلانية، وضرورة التنسيق والتعاون بين الإدارات المعنية، يقول المهندس الفني والإعلامي في محافظة الشمال، ربيع حيدر:«المرسوم التطبيقي للوحات الإعلانية ينحصر في عمل البلديات كل ضمن نطاقها وصلاحياتها. من هنا، فإن من واجب أي بلدية أن تطبق وتتقيّد بالمرسوم الموضوع لخدمة وتنظيم اللوحات الإعلانية، ولا بد من التوضيح بأن لا علاقة للمحافظة بهذا العمل، بل إن المهمة ملقاة على عاتق البلدية التي عليها مراقبة إنجاز وتطبيق وضع اللوحات ضمن الأماكن المصرّح بها، وضمن أنظمة معروفة لا يجب التلاعب بوضعيتها، وأيضاً على البلديات أن تكون حريصة من ناحية قانونية الإيجارات والتراخيص التي نصّ عليها المرسوم المذكور الذي يحمل آلية تنظيم هذه المهنة، ورقمه 96/8861، وهو يلزم الجميع بضرورة التقيد ببنوده». قانون تنظيمي عن التطبيقات المطلوبة التي ينص عليها قانون تنظيم عمل اللوحات الإعلانية، والغاية المرجوة منه، يبين حيدر أن المحافظة تفتح أبوابها لجميع المعنيين لتسهيل الآلية في هذا الشأن، لكن مراقبة العمل والسهر على التنفيذ الصحيح لوضع اللوحات وما تتضمنه من دعاية وإعلان ضمن النطاق المسموح به من قبل الأمن العام وغيره الذي يعطي التصريح ببث الإعلان، شرط عدم المساس بأي أذى لفرد أو جهة أو مؤسسة، وهنا تكمن الصلاحية الواسعة المعطاة للبلدية للمراقبة وإيقاف أي خلل يحيد عن الهدف الذي من أجله وضع الإعلان المذكور. وفي حال حصول تهاون وغض النظر لجهة التطبيق عند وقوع المخالفة، يشير حيدر إلى أنه باستطاعة أي مواطن أن يتقدم بشكوى إلى البلدية أو المحافظة، وفي حال لم يؤخذ بها وكانت شكواه على حق، لناحية الضرر اللاحق به وسواه من لوحة إعلانية ركبت عن طريق الخطأ في مكان يسبب الأذى لشريحة من المجتمع اللبناني، ساعتئذ يجب على السلطات المعنية إيقاف الشركة المعلنة عن الترويج لأي سلعة، مع تغريمها الرسوم المالية المفروضة، لمخالفتها بنود وشروط البث الإعلاني. من جهته، يرى رودلف أيوب المدير الإعلاني لإحدى شركات اللوحات الإعلانية أن الكثير من شركات الإعلان يقوم بمخالفة قانون وضع اللوحات الإعلانية، وطريقة تنظيم هذه المهنة التي لو تم تنسيقها بتراتبية قانونية سليمة، لوفر المعلنون على انفسهم النزاعات العديدة التي تدور بين الشركات بعيداً عن المنافسة الشريفة، ويضيف:»بتنا نرى في أماكن ومناطق لبنانية عديدة، أن هناك حالة عشوائية من اللوحات الإعلانية، مع عدم حصرها في الأماكن المصرح بها. عدا عن أن هناك عقودا أعطيت واستعملت في غير المجال المراد منه، حيث يحظى البعض بالرخص العشوائية فيشوهون المهنة».