نظّم «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»، محاضرة بعنوان «الجيش الجزائري ومسار الدولة في المستقبل المنظور»، ألقاها الكاتب والصحفي خالد عمر بن ققه، وذلك بحضور حشد من الجمهور من بينهم أعضاء في السلك الدبلوماسي من السفارات العربية والأجنبية، وعدد من المهتمّين بالشأن السياسي والعلاقات الدولية والإعلاميين. وتأتي هذه المحاضرة في إطار حرص المركز، الذي يحتفل بالذكرى العشرين لتأسيسه، على استضافة أعلام السياسة والثقافة والاقتصاد، لخلق تصوّر واضح حول المستقبل، والتحديات التي يمكن أن تواجه العالم بشكل عام، والعالم العربي بشكل خاص، واقتراح الحلول المناسبة لها، وخلق استراتيجيات قادرة على التعامل مع الأحداث الراهنة والمتوقعة مستقبلاً. وتكمن أهمية هذه المحاضرة في أنها تأتي قبل الانتخابات الرئاسية الجزائرية، المزمع إجراؤها في 17 أبريل المقبل. وتحدّث المحاضر عن مسار الدولة الجزائرية في المستقبل المنظور، وتحديداً في مرحلة ما بعد الانتخابات، مركّزاً على المؤسسة العسكرية وعلاقتها بالسياسيين، ومحاولاً الإجابة على أسئلة جوهرية في مسعىً لفهم دور الجيش ووظيفته في الحياة السياسية الجزائرية. ورأى ابن ققه، في بداية محاضرته، أن الجيوش العربية أمام خيارات صعبة في الفترة الحالية، فهي إذا تدخلت تلقت انتقادات شديدة، وإذا لم تتدخل، فإن الدول قد تتعرض لاضطرابات بسبب الصراعات السياسية. وبخصوص المشهد الجزائري، أكّد المحاضر أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستجرى وسط حراك اجتماعي وتوترات على أكثر من جبهة. وفيما يتعلق بالدور الذي يلعبه الجيش الجزائري في صناعة القرار، أكّد أن هذا النقاش لم يكن مطروحاً في السابق إلا أنه برز مؤخراً بشكل كبير، وسط انتقادات بعض السياسيين لتدخل الجيش في صناعة القرار السياسي. وقدَّم المحاضر عرضاً تاريخياً، قال فيه إنه منذ نهايات الأربعينيات من القرن الماضي بدأت تظهر سيطرة الجيش الجزائري على الحياة السياسية في البلاد، حيث كانت هناك دائماً خلافات بين الحكومات المؤقتة والجيش، وغالباً ما كانت الكفة تميل إلى مصلحة العسكريين، وظل الجيش حاضراً بقوة في واجهة المشهد، إلى أن تم في النهاية حسم المسألة بشكل جليّ لمصلحة الجيش، وذلك عبر إبعاد الزعيم التاريخي أحمد بن بيلا عن القيادة، وتولّي هواري بومدين، الذي سعى إلى أن يتولى الجيش إقامة دولة تحقق التنمية عبر التركيز على بناء طبقة من الفلاحين تكون نواة لعملية التنمية في الجزائر. وأشار المحاضر إلى أن الجيش الجزائري يختلف عن بقية الجيوش العربية بمميزات عدّة، أولاها أن الجيش هو الذي صنع الدولة، وثانيتها أنه حافظ عليها وعلى وحدة كيانها، وثالثتها أنه كانت له علاقات عميقة بالمجتمع الجزائري. وبخصوص السيناريوهات المحتملة خلال الفترة المقبلة، أشار المحاضر إلى أنه إذا أجريت الانتخابات من دون احتجاجات عنيفة، فإن الجيش سيلتزم الحياد، أمّا إذا تحولت الحملة الانتخابية إلى فوضى؛ فإن الجيش قد يتدخل حينها لحماية العملية الانتخابية. ورأى المحاضر أن الحالة الوحيدة، التي قد يتدخل فيها الجيش للاستيلاء على السلطة بشكل مباشر، هي حصول اضطرابات بمستوىً يهدد الوحدة الوطنية وكيان الدولة الجزائرية. وفي ردّه على أسئلة الحضور ومداخلاتهم، رأى المحاضر أن الرئيس الحالي، عبدالعزيز بوتفليقة، المرشح لولاية رابعة، يمثل في هذه اللحظة حماية للمشروع الوطني، فهناك مخاوف من أن إسناد الأمور إلى أحزاب أخرى قد يؤدي إلى انهيار الدولة، كما أن بوتفليقة يمثل نوعاً من الرمزية والقوة، ما يجعله الرئيس الأمثل لتجاوز المرحلة التاريخية الصعبة التي تمرّ بها الجزائر وسط محيط عربي مملوء بالاضطرابات، ووسط حالة من التجاذب السياسي. (أبوظبي - الاتحاد)