على رغم الجهود التي تبذلها إدارة أوباما بممارسة الضغط المستمر على إسرائيل بغية إقناعها بتجميد نشاطها الاستيطاني لكي يمهد ذلك الطريق أمام المضي قدماً في عملية سلام الشرق الأوسط، إلا أن الحقيقة هي أن أمر المستوطنات سيحافظ على حساسيته البالغة لإسرائيل، والمرجح أن تواصل المستوطنات الإسرائيلية توسعها ونموها سواء كان ذلك سراً أم علناً. وبالنسبة لكل مراقب للنزاع الإسرائيلي/ الفلسطيني، فليس متوقعاً أن تتراجع إسرائيل عن الأراضي التي احتلتها أو المستوطنات التي أخذها مستوطنوها بمنطق وضع اليد على الأراضي التي ملكها الفلسطينون وأقاموا فيها على مدى الأجيال. وبلغة الأرقام فقد امتد احتلال إسرائيل لهذه الأراضي لأربعة عقود كاملة، متحدية بذلك القوانين الدولية وغالبية الرؤساء الأميركيين الذين تعاقبوا خلال هذه الفترة. وكما رأينا مؤخراً فقد بذل جورج ميتشل مبعوث الرئيس أوباما الخاص لمنطقة الشرق الأوسط الكثير من المساعي الهادفة لإقناع إسرائيل بتجميد أنشطتها الاستيطانية، إلا أن كل هذه الجهود لم تنجح في تغيير سلوك إسرائيل المحبط لأي مساع من هذا النوع. بل إنه لم يمض أسبوعان على إخلاء إسرائيل لعائلتين فلسطينيتين ممتدتين من بيوتهما في القدس الشرقية، لتفسح المجال أمام المزيد من المستوطنين الإسرائيليين في هذه المنطقة التي يغلب عليها الفلسطينيون من المدينة. وبسبب هذا السلوك لم يجد الفلسطينيون خياراً آخر سوى الاستمرار في مقاومة الاحتلال نفسه. والدليل أن حركة «فتح» جددت التزامها بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكافة السبل الممكنة. أما في نظر الدولة العبرية فإن للمستوطنات حساسيتها وأهميتها الخاصة جداً إلى حد يجعل من استمرارها وتوسعها أمراً حتمياً، سواء تم ذلك سراً أم علانيةً. وهذا ما عبر عنه «إيلي يشاي» وزير الداخلية الإسرائيلي بقوله في 10 أغسطس الجاري: «إن لتوسيع المستوطنات قريباً من مدينة القدس أهميته الحيوية بالنسبة لأمننا الوطني، وهو ضرورة لابد منها». والحقيقة أن كل مجمع جديد للشقق السكنية الاستيطانية يوسع ويعمق الأثر اليهودي في الأراضي المحتلة. فتلك المنازل المشيدة على طراز بيوت كاليفورنيا في أعالي جبال المدن والضواحي المحتلة، تبدو أشبه بمناطق أمنية معزولة حول جزيرة إسرائيلية محوطة ببحر إسلامي معاد لها. وينبغي القول إن هواجس إسرائيل الأمنية قد تنامت كثيراً بسبب تزايد الكثافة السكانية العربية المحيطة بها. والملاحظ أن أسعار الشقق السكنية المبنية في المستوطنات تناسب دخول المستوطنين من مختلف الفئات والدرجات الوظيفية مقارنة بأسعار الشقق السكنية خارجها. ولهذا السبب فإن هناك ما يزيد على 300 ألف مستوطن يهودي يتحدثون الآن عن الضفة الغربية باعتبارها «وطناً» لهم! وفوق ذلك يتزايد الآن حديث المتدينين المتطرفين من اليهود عن أن لهم حقوقاً مقدسة في الأراضي التي احتلتها دولتهم. ويستند هؤلاء الى نصوص يزعمون أنها دينية، من شأنها إثارة غضب الآخرين أكثر مما تثيره أية أسلحة أو قنابل إسرائيلية مدمرة. كما يلاحظ أن عرب إسرائيل من الضعف بحيث يستحيل عليهم أن يواجهوها عسكرياً أو قانونياً لإرغامها على وقف توسعاتها الداخلية. وفي هذا المجال قضت محكمة إسرائيلية مؤخراً بأن لإسرائيل الحق في مصادرة أراضي الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون فيها يوماً ما إلا أنهم أصبحوا لاجئين في انتظار إعادة توطينهم النهائي. وخلال إقامتي لمدة خمس سنوات وحضوري لأيام عملية السلام في عقد التسعينيات، فقد رأيت كيف كان بناة المستوطنات اليهودية يستولون على ما كان يوماً ما بيوتاً وقرى ومراعي فلسطينية. فمن جنوب مدينة القدس إلى مباني مستوطنات «هار هوما» تمتد بيوت المستوطنين حتى أراضي بيت لحم الفلسطينية. وإذا ما ألقى عليها المرء نظرة من الجو، تبدو البيوت هذه أشبه بأخطبوط عملاق يمتد حتى يصل إلى مستوطنات اليهود المتطرفين في مدينة الخليل التي تغلب عليها الكثافة السكانية العربية. وهناك وجه شبه كبير بين التوسع في بناء المستوطنات وتمديد الأجنحة العسكرية والتطويق والمناورة حول العدو وضرب العزلة على مراكز الكثافة السكانية الفلسطينية. وفي مدينة القدس وحدها هناك حوالي 6 مناطق سكنية للفلسطينيين -بما فيها أراضي جبل الزيتون- باتت مهددة اليوم بنهم إسرائيل الذي لا يشبع للأرض. وعلى حد قول «سارة كريمر» -من مجموعة إرأميم الناشطة في مجال تحسين العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية- في تقرير نشرته صحيفة «هآرتس» مؤخراً: «في كل منطقة من المناطق التي يقطنها الفلسطينيون، وضعت خطط لإنشاء المزيد من المستوطنات التي تهدف في نهاية الأمر إلى عزل مدينة القدس القديمة عن القدس الفلسطينية». يجدر الذكر أن كافة الرؤساء الأميركيين مارسوا ضغوطاً متباينة على إسرائيل بهدف إقناعها بوقف نشاطها الاستيطاني، إلا أن تأثيرهم الفعلي عليها من أجل تغيير هذه السياسات ظل ضعيفاً ومحدوداً جداً. وفي الجانب الإسرائيلي فإن الملاحظ أن إسرائيل قد انتخبت «صقوراً» و«حمائم» لتولي منصب رئيس وزرائها منذ تأسيسها وإلى اليوم. غير أن كافة الحكومات الإسرائيلية ظلت مؤيدة وحريصة على سياسة التوسع الاستيطاني، وهنا المشكلة. والتر رودجرز عمل رئيساً لمكتب «سي إن إن» في إسرائيل ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»