للشعوب في احتفائها بقادتها مذاهب، فمنها من يخلد يوم رحيلهم، ومنها من يخصص أسبوعاً لعرض إنجازاتهم وما قدموه لأبنائهم، ومنها من يسجلهم في إحدى صفحات التاريخ. شعب الإمارات تجاوز كل تلك الصور والأشكال، حيث ما زال مؤسس هذا الوطن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «رحمه الله» يعيش في وجدانه وفكره وعقله طوال حياته. وإذا كانت حياة الخالدين لا تتوقف بعد رحيلهم جسداً، لأن أفكارهم ورؤاهم تظل نابضة، فإن ما زرعه الراحل الكبير بالأمس نحصده نحن اليوم جناناً خضراء ومشروعات كبرى ومكانة مرموقة للوطن على الساحة الدولية، وقبل هذا وذاك أجيالاً متعلمة وصالحة تفيد بلادها والبشرية. ومن هذه الزاوية تحديداً تكمن عبقرية الشيخ زايد «رحمه الله» الذي سبق زمانه بعمق رؤيته وحسن قراءته لسطور الأيام وحروف التاريخ، فجاء استشرافه للمستقبل صحيحاً، فسار بشعبه نحو تقدم أذهل العالم، وبنى دولة أصبحت أنموذجا يحتذى. فالراحل الكبير لم يغب لحظة من الزمن عن ذاكرة وطنه ووجدان أمته قيادة وشعباً، فالنهج الذي أرساه في مجالات العمل كافة ظل نبراساً وهادياً لنا جميعاً في السير على طريقه. وفي هذا الإطار قال سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، «حفظه الله» «إننا في هذا اليوم نذكر بالخير والعرفان الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوانه الآباء المؤسسين، ونشعر جميعاً بأن ما غرس آباؤنا ورعاه بالعناية الأبناء والأحفاد أثمر إنجازات مشهودة». وإذا كان تولي سيدة إماراتية رئاسة مجلس نيابي للمرة الأولى في وطننا العربي قد أبهر العالم، وإذا كان إسناد ثماني حقائب وزارية في الحكومة الحالية لسيدات، قد جسد نظرة قيادتنا المتحضرة لها، فإن الفضل الأول يعود في ذلك إلى الراحل الكبير «طيب الله ثراه» الذي قال منذ نحو أربعين عاماً «أنا نصير المرأة، وإنها نصف المجتمع» وأسس لها الاتحاد النسائي العام في أغسطس عام 1975. فما أنبله من إنسان، أفعاله تسبق أقواله، وخيره اجتاز حدود بلاده، وأياديه البيضاء امتدت إلى الجميع، حيث تتصدر الإمارات حالياً دول العالم في المجال الإنساني الذي أصبح منهجاً وديدناً لأبنائها الذين تعلموا في مدرسة زايد الخير والعطاء. وما أعظمه من قائد عميق الرؤية، ففي الذكرى الثانية عشرة لرحيله نتذكر جميعاً رؤيته للإرهاب وخطورته وسبل معالجته الأمر الذي يؤكد أنه - طيب الله ثراه - لم يكن قائداً إماراتياً أو عربياً فذاً فحسب، بل كان زعيماً استثنائياً سابقاً لعصره. ويكفي الراحل الكبير أنه ترك تراثاً إنسانياً وسياسياً رائعاً في الانفتاح والتسامح والدعوة إلى الحوار بين الشعوب والأديان والحضارات ونبذ التعصب والعنف. عامر بن النوه المنهالي