هيثر موردوك أبوجا ـ نيجيريا يظهر تسجيل فيديو نشرته جماعة «بوكو حرام» النيجيرية المسلحة الأسبوع الجاري مئات الرجال يركضون أمام الكاميرا متعالية أصواتهم بصيحات «جهادية»، وفي الخلفية، تتعالى ألسنة النيران والدخان في سماء مشمسة. وتقول الجماعة «إن الفيديو، الذي يعتبر جزءاً من سلسلة دعائية تم إعدادها بمهارة لتشجيع جميع الأصوليين على النهوض في أنحاء الدولة، تم تصويره في منتصف شهر مارس الماضي، بينما اقتحم المتمردون سجن «جيوا باراكس»، وهو عبارة عن منشأة عسكرية شديدة التحصين في شمال شرق نيجيريا». وفي غضون ذلك، يوضح الفيديو أن المقاتلين لم يواجهوا أية مقاومة أثناء هجومهم في محاولة لتحرير رفاقهم المسجونين من «بوكو حرام»، وفي المشهد الختامي، تتحول عدسة الكاميرا إلى السماء باتجاه ما بدا أنه طائرة هيليكوبتر. ولا يزال الغموض يكتنف الهجوم على منشأة «جيوا»، ولا سيما أن مئات من الأشخاص قتلوا، غير أن هوية الضحايا ومن قتلهم لا تزال غير واضحة. وتكشف القضية عن الاختلاف العميق في نيجريا بين الرواية الرسمية بشأن التمرد الدموي الذي قتل من دون تمييز ما يربو على ألف شخص خلال الأشهر الأخيرة، والرواية غير الرسمية المشوشة حسب وسائل الإعلام وشهود عيان وشائعات وادعاءات جماعات حقوق الإنسان، ومن حين إلى آخر .. «بوكو حرام» نفسها. وفيما يبدو أنه انحراف شديد الغموض، يلقي ما يبدو أنه إما قلة حيلة أو فساد أو تستر، من قبل الجيش، بظلاله على التقارير المستمرة بشأن أعمال سفك الدماء التي يقوم بها أعضاء جماعة «بوكو حرام» في مدينة تلو الأخرى. ولم يفصح الجيش النيجيري سوى عن معلومات ضئيلة بشأن حادث «جيوا باراكس» باستثناء بيانه الذي أصدره في ذلك اليوم. وحسب رواية الجيش، تم «إحباط» الهجوم الإرهابي، ووقعت خسائر بشرية كبيرة في صفوف الإرهابيين، أثناء محاولتهم تحرير السجناء لتعزيز رصيدهم المستنزف من المقاتلين. وعلى رغم ذلك، في الحادي والعشرين من مارس، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريراً يفيد بأن قوات الجيش أطلقت النار على سجناء فارين في ذلك اليوم، وهو ما أسفر عن مقتل 500 شخص، وربما أكثر. وأوضح التقرير أن كثيراً ـ إنْ لم يكن غالبية ـ السجناء الذين قتلوا في معركة «جيوا باراكس» لم يكونوا من مقاتلي «بوكو حرام»، وإنما شباب كان قد تم احتجازهم واستجوابهم على مدار أيام قبل الحادث، ولم يتم توجيه اتهامات بأية جرائم إليهم. وفي ضوء وقوع مذبحة في نيجيريا، كان لهذا التقرير تأثير صادم، ومن ثم، قوبل برفض تام من الجيش، متهماً الصحيفة بأنها متورطة مع «بوكو حرام»، على رغم أن التقرير تمت كتابته في «مكتب نيويورك تايمز بالسنغال»، واعتمد على مصادر رسمية ذكر أسماء بعضها، تم الاتصال بهم عبر الهاتف. ولكن منذ 21 مارس، تداول كثير من السكان في شمال نيجيريا قصة مماثلة لما ورد في تقرير «التايمز»، حيث أفاد أحد عمال المستشفيات أنه أحصى أكثر من 420 جثة، وتوقع أن يكون العدد أعلى من ذلك بكثير، بينما أكد عامل بيئي أن الجثث تم دفنها في ثلاث مقابر جماعية، تم حفرها بمُعدّة ثقيلة. وعلاوة على ذلك، يشتهر سجن «جيوا باراكس» بسمعة بالغة السوء كمركز اعتقال، بينما تشير جماعات حقوق الإنسان إلى ارتفاع معدلات الموت أثناء الاحتجاز فيه. وأفاد المتحدث باسم الجيش العميد «كريس أولكولاد»، بأن الركيزة الأساسية في تقرير الصحيفة غير حقيقي تماماً، مضيفاً أن الصحفي «آدام نوسيتر» يبدو أن له نوايا خبيثة، ومن الواضح أن المقصود كان ترويج حملة دعائية هدامة من قبل متعاطفين مع الإرهابيين. وأوضح «مادو إسياكو» ضابط الشرطة المتقاعد في مدينة «ميدوغوري»، التي تعتبر معقلاً للتمرد، إن أحد تفسيرات حادث «جيوا» هو كبرياء الجيش، مضيفاً «يمكننا أن نفهم السبب في أن الجيش ربما لا يرغب في الإعلان عن كيفية تعرضه لهجوم». وتابع «لكننا كمواطنين، في جميع أنحاء الدولة، نتجرع مرارة الخوف». وخلال الأعوام الخمسة الماضية، أعلنت جماعة «بوكو حرام» مسؤوليتها عن قتل آلاف من المدنيين شمال نيجيريا ذات الأغلبية المسلمة. وتقول الجماعة إنها تقاتل من أجل مواجهة تأثيرات التعليم والحداثة الغربية، وكذلك ضد الحكومة. ووزّع الزعيم الحالي للجماعة، «أبوبكر شيكاو»، الأسبوع الجاري تسجيلي فيديو، إضافة إلى الفيديو المصور في 14 مارس الماضي، هدد فيهما بزيادة أعمال القتل واختطاف النساء والفتيات. حذر «شيكاو» لجان الحماية الشعبية بصورة خاصة من محاولة الانضمام إلى قوات الأمن لقتال بـ «بوكو حرام»، قائلاً: «سأذبحكم، ولن يهدأ لي بال حتى أقطع رقابكم». ويطالب زعيم الجماعة المتعاطفين أو «الأشقاء» حول نيجيريا شن هجمات على الدولة، وليس فقط في الشمال. وجاءت الزيادة في هجمات «بوكو حرام» رداً على حكم الطوارئ الذي فرضه الجيش النيجيري الذي انتشر في ثلاث ولايات في شمال شرق نيجيريا الربيع الماضي، غير أن هذه الإجراءات المشددة التي أمر بها الرئيس جودلاك جونثان لم تبطئ من نشاط المسحلين. وفي اليوم الذي حدث فيه هجوم «جيوا»، قبل معرفة العدد التقريبي لإجمالي الخسائر، أفادت منظمة «هيومان رايتس ووتش» بأن نحو 700 شخص على الأقل قتلوا على أيدي المتمردين خلال العام الجاري في هجمات على 40 قرية. وأوضحت المنظمة أن أفعال الجماعة تزداد توحشاً، وهو ما أسفر عن نزوح نصف مليون شخص داخل نيجيريا، ونحو 57 ألفاً فرّوا عبر الحدود إلى دول مجاورة. يُنشر بترتيب خاص مع «خدمة كريستيان ساينس مونيتور»