حذّر علماء غربيون من أن يؤدي تهديد الحكومة الإندونيسية بإغلاق مختبر علمي تابع لسلاح البحرية الأميركي على شواطئ جاكرتا، يهتم بدراسة الفيروسات المسببة لمرض أنفلونزا الطيور، إلى انتشار الجيل الثاني من الفيروسات المسببة لهذا المرض الفتاك· وكانت إندونيسيا قد علقت مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأميركية حول تحديد مصير المختبر الطبي ''الوحدة رقم ''2 التابع لسلاح البحرية الأميركي، على خلفية اتهام بعض الساسة الإندونيسيين للمختبر بمزاولة نشاط تجسسي ضد بلادهم، إضافة إلى اعتقادهم بأنه لا يحقق أية فائدة لإندونيسيا· إلا أن السفارة الأميركية في جاكرتا واصلت نفيها لتلك الاتهامات، قائلة إن معظم العاملين في المختبر هم من المواطنين الإندونيسيين الذين يساعدون في الأبحاث العلمية التي يتم إجراؤها بالتعاون مع مسؤولي الصحة المحليين· وكان هذا المختبر الطبي قد افتتح في جاكرتا منذ عام 1970 وبدأ نشاطه العلمي في مجال أبحاث مرض الملاريا وحمى الدنجيو (أبو الركب) وأنفلونزا الطيور وغيرها من الأمراض، وفقاً لما جاء في ''بيان الحقائق'' الصادر عن السفارة الأميركية في جاكرتا· كما أشار البيان إلى أن العاملين بالمختبر، وعددهم 175 باحثاً وطبيباً وفنياً طبياً، لا يزيد الأميركيون بينهم عن 19 فحسب· ولسلاح البحرية الأميركي مختبرات علمية مشابهة في كل من مصر وكينيا والبيرو وتايلاند· وكان وزير الدفاع الإندونيسي ''جوونو سودارسونو'' قد صرح في الشهر الماضي قائلاً إن وزارته أوصت بإغلاق المختبر المذكور بسبب السرية المطلقة التي يتسم بها نشاطه، وبسبب عدم تلاؤمه مع المصالح الأمنية الإندونيسية على حد تعبيره· ومن ناحيتها قالت وزيرة الصحة ''ستي فاضلة سوباري''، إنها قدمت توصيتها للرئيس ''سوسيلو بامبانج'' بإغلاق المختبر· وجاء في حديثها أمام البرلمان في يونيو المنصرم: ''قلت للرئيس إن هذا المختبر لا جدوى منه، وإن تعاوننا مع أميركا فيه، يحد من سيادتنا الوطنية··· وعليه فمن الواجب إغلاقه''· واستطردت موضحة: ''الرئيس قال لي إن علىّ إغلاق المختبر إن كان ذلك هو رأيي في نشاطه''· أما وزير الخارجية الإندونيسي فذكر أن المحادثات المشتركة مع الجانب الأميركي ستستأنف في وقت مبكر من شهر يوليو الجاري ما أن تتوصل القيادة الإندونيسية إلى موقف موحد إزاء المختبر، إلا أن السفير الأميركي في جاكرتا نفى أن يكون له علم بأي موعد لاستئناف المحادثات· ويقول المسؤولون الأميركيون سراً إن للنزاع الدائر بشأن المختبر علاقة بخلاف أكبر حول تبادل عينات الفيروسات، بما فيها بالطبع عينات من الفيروسات المسببة لأنفلونزا الطيور، خاصة وأن من رأي منظمة الصحة العالمية أن تبادلاً كهذا ربما ينتج عنه انتشار جديد للوباء الفتاك· وقبل أن تعلن الحكومة الإندونيسية في يناير 2007 اعتزامها وقف تبادل الفيروسات مع أي من الدول الأخرى، كان المختبر الطبي التابع لسلاح البحرية الأميركية هناك قد مضى شوطاً في إجراء البحوث على عينات مرض الأنفلونزا العادي، وعينات أخرى تم الحصول عليها خلال الانتشار الوبائي الموسمي لأنفلونزا الطيور، إلى جانب الاستفادة من دراسة الحالات المرضية التي تم علاجها في المستشفيات الإندونيسية· وذكرت باحثة غربية رفضت ذكر اسمها لحساسية عملها، أن الباحثين يختبرون عينة من الفيروسات في بعض الأحيان، دون أن يكونوا على علم مسبق بما إذا كانت عينة لمرض الأنفلونزا العـــادي أم لأنفلونــزا الطيــور، أم هي عينة لشيء مختلف جداً· ولكن المشكلة الآن -والكلام للباحثة- هي أن هذه العينات الفيروسية لن تجد طريقها للاختبار، بسبب القرار السياسي الذي اتخذته الحكومة الإندونيسية بإغلاق المختبر، مع العلم أنه ليس في مقدور إندونيسيا وحدها القيام بالأبحــاث العلمية المتطــورة التي يضطلــع بها المختبر الأميركي· ويهدد إغلاق المختبر، باحتمـــال انتشـــار الوبـــاء هذه المرة بسبـــب نوع مجهول من الفيروسات، طالما باتت الأبحاث العلمية الجارية حولها مهددة بالتوقف· والمعروف عن النسخة الحالية من الوباء أنها تنتشر من الطيور والدواجن لتصيب الإنسان، إلا أن نسبـــة إصابة البشر بالفيروس لا تزال ضعيفــــة جداً· لكن رغم ذلك، تصدرت إندونيسيـــا قائمـــة دول العالم في نسبة الإصابــــة بهذا الفيروس، إذ تأكــــد بلوغ حـــالات الموت فيها جراء الإصابـــة به 110 حالات منــذ عـــام ،2005 وفقاً للإحصـــاءات العالمية· كما أشارت الإحصاءات نفسها إلى أن نسبة الموتى هناك تبلغ 81% من إجمالي المصابين بالفيروس· إلى ذلك أكد باحث غربي آخر أن لإندونيسيا أنواعاً مختلفة من الفيروس المسبب لأنفلونزا الطيور، وعليه وفيما لو توقفت الأبحاث العلمية المستمرة في هذه الأنواع، فليس مستبعداً أن يتمكن فيروس جديد مجهول له قدرة أسرع على الانتقال من الدواجن إلى البشر من نشر الوباء، بينما يقف العلماء حينها عاجزين عن تطوير اللقاح الوقائي المكافح له· وذكر الباحث أن جهوداً كثيرة بذلتها مجموعات شتى من الباحثين والعلماء لجلب أفراد متعددي الجنسيات للعمل في المختبرات الإندونيسية، إلا أن السلطات الرسمية عرقلت تلك الجهود، بسبب هيمنة النزعة الوطنية عليها· يذكر أن وزيرة الصحة الإندونيسية -وهي نفسها طبيبة لأمراض القلب- كانت قد نشرت كتاباً بعد الإعلان عن حظر تبادل الفيروسات مع أي من الدول، قالت فيه إن من شأن أي تبادل كهذا أن يؤدي إلى تطوير الأسلحة البيولوجية· بول واتسون- جاكرتا ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست