تتزاحم أرقام الطلاق وترتفع ويتنادى العقلاء لوقف هذا التزاحم ولا يلوح في الأفق أمل قريب، وهنا لابد من التذكير بأسس جوهرية لعل الوقوف أمامها من جديد يعيد المسألة إلى بداياتها، فلا يكفي أن نكثر من الحديث عن مسألة ما لحلها بل لابد من إجراءات عملية وتطبيقات قد تكون فيها صرامة لتعود الأمور إلى حالتها الأولى. إن صلاح العلاقة بين الزوجين يبدأ من الاتفاق على الفكرة التي جمعتهما والرؤية التي لاقت بينهما فإن كان الجمال فقد يذوب سريعا أو ينطفئ بريقه بأجمل، وإن كان المال فقد تبتلعه البورصات ويتبخر مع الرياح، وإن كان لمكانتها فقد تفقدها، وليضع الزوج في حسابه كل هذا، فإن كان فلبعضه ولكن لأمر أسمى وهو الإعفاف والصلاح وبناء بيت سعيد وأسرة صالحة فهذا بداية الطريق، فما هو الهدف إذاً فلابد من تحديده. وبعد الاجتماع بينهما لابد أن يشعر كل واحد منهما أنه مسؤول بقدر الآخر عن هذه العلاقة ورفع بنيانها والله تعالى يقول: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف» البقرة: 228.. إنها المساواة في الحقوق والمسؤوليات حتى في الزينة وحسن الخطاب والاحترام والأدب. ومن حقها عليه أن يعطيها ما لها من حقوق وعلى رأسها المهر كاملا غير منقوص تكرمةً وتقديراً، ومن قد تزوج امرأة وقد حدد لها صداقاً وفي نيته أن لا يؤديه كاملاً أو بعضاً منه فهو سارق. وقد جاء في بعض النصوص أنه زانٍ وهذا أول الغدر والغش. ومن حقها عليه أن ينفق عليها بالمعروف، والمعروف مطلب لجميع العلاقات بين الرجل وأهله قال تعالى: «وعاشروهن بالمعروف». وهذا المعروف يختلف من شخص إلى آخر وبلد وآخر ولكن يبقى مستنداً إلى المعروف الذي لا تنكره النفوس السوية. وقد جاء في الحديث الشريف «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت» اي من يعيل، أخرجه أبو داود وغيره و أصله مسلم. وجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت وأن تكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبِح» أخرجه أبو داود وابن حبَان وغيرهما. وليعلم الرجل أن الذي ينفق على أهله وعياله بنية صادقة يؤجر عليه أعظم الأجر وجاء في ذلك نصوص صحيحة وفيرة. ولها عليه أن يسعى في تعليمها ما تدوم عليه عشرتهما وتحسن حياتهما من أمور الشرع ومحاسن الآداب، إما يكون ذلك بنفسه إن كان من أهل العلم أو ممن يطمئن إلى علمه ودينه من النساء أو الرجال في إطار الآداب والحدود الشرعية وغير خافٍ أن تعليمها هذا ينعكس على البيت كله وعلى الأولاد خاصةً. والتعبد بدون العلم نقش على الماء. ومن حق الرجل على زوجته وحقها عليه أن يغار عليها حتى لا تتلطخ سمعته ولا ينثلم عرضه، ولكن الغيرة التي كانت على الدوام محل الإعزاز والتقدير إذا تعدَت الحدود الشرعية أصبحت قلقاً وتنغيصاً للزوجين معاً، وقد تصل الغيرة ببعض الرجال الى أن يتجسس على زوجته وأهله بدون سبب ولهذا عواقب غير محمودة ولهذا جاء في الحديث «إن من الغيرة غيرة يبغضها الله، وهى غيرة الرجل على أهله من غير ريبة» أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما، وحتى لا تتعاظم الشكوك والوساوس «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهله ليلاً –أي يأتيهم ليلاً- يتخونهم أو يطلب عثراتهم» أخرجه مسلم. إن حسن العشرة واحتمال الأذى من الطرفين خاصةً الزوج الذي يصبر على زوجه ويحمل ما يصدر منها من أحسن الأخلاق التي تطفئ نار المشاكل والنزاعات. ولهذا كان النبي- صلى الله عليه وسلم - يوصي أصحابه بهن ويقول لهم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله» . د. محمد مطر الكعبي المدير العام للهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف