بات أعضاء الكونجرس من الحزب الجمهوري مؤخراً أكثر ابتكاراً في استخدام الأدوات الإجرائية المتاحة لهم من أجل تمرير سياساتهم. ومن أمثلة ذلك ما لجأ إليه ثلاثة أعضاء في مجلس الشيوخ من الجمهوريين أخيراً لتغيير المشهد التشريعي. ففي رسالة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتاريخ 20 مارس حثه كل من تد كروز عضو الكونجرس عن ولاية تكساس وستيف دينز عن مونتانا وكوري جاردنر عن كولورادو على استخدام مسار إعادة التفاوض بشأن نافتا أو اتفاقية التجارة الحرة لدول أميركا الشمالية لإصلاح التشريعات الداخلية وتعزيز التنافسية في السوق الأميركية. وأوصوا تحديداً بتضمين فصل يتعلق بما يمكن ان نطلق عليه التنافسية في نص نافتا الجديد يمنح مزيداً من السلاسة لعملية إصدار التصريحات للمشروعات، ويعزز البنية التحتية. وقال الأعضاء الثلاثة في رسالتهم، «عوضاً عن انتهاج استراتيجية دفاعية تركز حصراً على ما تفعله الدول الأخرى بنا، نحتاج لتطوير استراتيجية أميركية أكثر شموليةً وهجوميةً لتقوية اقتصادنا من الداخل». وليست هذه بالأفكار الجديدة. فقد طالب بها الجمهوريون في الكونجرس مراراً وعبر سنوات، بل إن ترامب ذاته أقام حملته الانتخابية على أساسها. الجديد هو أن المركبة التي ستوصل هذه التعديلات التشريعية إلى مقصدها هي النافتا. فأي اتفاق تجارة جديد ستصدق عليه هيئة تنشيط التجارة والتي لا تحتاج سوى خمسين صوتاً في مجلس الشيوخ. أي أنه سيكون من السهل تفادي عرقلة الديمقراطيين للتصويت. ومن الممكن تضمين التنافسية كملحق ينطبق فقط على الولايات المتحدة من أجل عدم الاضطرار للحصول على موافقة المكسيك أو كندا. وسيتيح التعديل التشريعي عبر بوابة النافتا للجمهوريين مضاعفة انتصارات ترامب فيما يخص الإصلاح التشريعي الاقتصادي. وإذا أخذنا مسألة إصدار التصريحات للمشروعات الجديدة مثالاً، فما يجري حالياً في الولايات المتحدة هو أن الأمر يستغرق سنوات في بعض الأحيان للانتهاء من التقييمات البيئية وحدها، وهو ما يزعج المستثمرين ويرفع التكلفة كثيراً. وقد أعد السيناتور دان ساليفان عن ولاية ألاسكا بالفعل مقترحاً يحل محل هذا النظام الذي مر عليه عقود وهو جاهز ليتم تضمينه في فصل التنافسية في اتفاق نافتا الجديد. وليس بأقل أهمية كون هذا الفصل من الاتفاق محمياً من أي تدخلات محتملة لأي رئيس ديمقراطي يلي ترامب. وثمة تشريعات كثيرة أدخلها أوباما سابقاً عكف ترامب على إزالتها بمجرد توليه الرئاسة، لكن سيظل بمقدور رئيس ديمقراطي تالٍ أن يحييها من جديد. أما الفصول التي يقترح كروز وجاردنر ودينز الآن إدخالها على اتفاق النافتا فتندرج تحت قانون رينز الذي يشترط موافقة الكونجرس على التشريعات التي تكلف 100 مليون دولار أو أكثر. مؤيدو هذا التوجه يقولون إن أي نقاش تجاري يتطلب تركيزا على المسائل العملية التي تؤثر على التنافسية المحلية. ويشكو الأمريكيون من الممارسات غير المنصفة والصفقات السيئة متجاهلين الحواجز السياسية التي تضعها واشنطن في سبيل تجاوز ذلك. فبدلاً من السعي لحماية الشركات الأميركية بالتعريفات الجمركية أو الدعم فلمِ لا يتم التركيز على إعطائها ميزة تنافسية حقيقية؟ بل إن هذا قد يستميل أعضاء الكونجرس الجمهوريين من غير المتحمسين لنافتا ولغيرها سواء لأنهم من مناصري التجارة الحرة، أم من مناصري اتخاذ إجراءات حماية. ولطالما استخدم الديمقراطيون مباحثات التجارة من أجل تمرير قواعد العمالة المكلفة دون أن يمنعهم الجمهوريون سابقاً. ولم يكن الرئيس السابق أوباما باستثناء في هذا، فقد برهن على أن اليسار لا يبالي بتجاوز الأعراف الإجرائية إن هي وقفت في طريق أجندته. وقد ألهم هذا التوجه الجمهوريين بأن يفكروا في المسار الإجرائي بإبداعية أكبر بما في ذلك استخدام قانون مراجعة الكونجرس أو خطة نافتا الجديدة. وباتوا يدركون أن أمامهم نافذة نفوذ محدودة الأجل وفرصة لتحقيق فائدة حقيقية. لكنهم يدركون في الوقت نفسه أن أمامهم معارضة صلبة من الديمقراطيين سيتطلب الالتفاف حولها منظوراً جديداً بدلاً من الطرق التقليدية في تخطي العقبات من هذا النوع. ويبدو أن هناك التفافاً متعاظماً من الجمهوريين حول استراتيجية كروز-دينز-جاردنر يتمثل في تأييد جماعات منها أميركيون من أجل الإصلاح الضريبي ومعهد الاستثمار التنافسي ونادي النمو ومنتدى المرأة المستقلة. وفي رسالة حديثة لترامب أعربت ثلاثون منظمة من تلك عن تأييدها لفكرة تضمين فصل خاص بالتنافسية لاتفاق نافتا الجديد، باعتباره «سيعزز الأهداف الجوهرية من إعادة التفاوض حول نافتا» من خلال «جعل الاستثمار أكثر جاذبية للشركات وخلق الوظائف في الولايات المتحدة» وفي نفس الوقت «جعل الهجمات التشريعية على الاقتصاد الأمريكي شبه مستحيلة». وسيعد هذا إنجازاً جديداً للجمهوريين يمكنهم استخدامه لتحسين أدائهم في الانتخابات النصفية المقبلة فضلاً عن كونه وعداً انتخابياً آخر يفي به الرئيس ترامب.