نوف الموسى (دبي)
في كل مرة استمع فيها إلى قصيدة «بنت النوخدة» للشاعرة الإماراتية عفراء عتيق، أتذكر إصراري عليها أن تحولها إلى حالة من الأهازيج البحرية، وتضفي عليها سحر النهام بإلقائها الشعري، الذي يمتاز بالأداء الفني، القريب من اللحظة المسرحية، وما شكلته القصيدة نفسها مساء أول أمس، في مركز جميل للفنون بمدينة دبي، ما هو الامتداد لـ سحر البحر وصبره، أمام أسئلة الشاعرة الإماراتية نجاة الظاهري، التي تؤمن بـ«الغرام»، بوصفه شعوراً صادماً لا محالة، ومنه ينشأ اهتزاز الفؤاد، والتحول في الوجدان الإنساني، فالأخير ربما عمقته الشاعرة الإماراتية الهنوف محمد في تحويل «الوطن» إلى سجادة صلاة، أسكنت فيه جمهور الأمسية الشعرية، المشارك في برنامج «ليالي رمضانية» بالتعاون مع وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، بهدوء المعوذات بـ»كلمات الله التامات»، واصفةً أن في الوطن ملائكة تُعلم الحُب.
خفّت المصابيح، عندما بدأت الشاعرات بإلقاء ملامحهن الشعرية، على ظِلال ماء الخور، المطل على «جميل للفنون»، قررت فيها القصيدة أن تتحول إلى قناديل من الضيّ المنسابة على جدران الفضاء المفتوح، وتُشعل كل تلك الشموع المترقبة لمعنى أن يُحب الإنسان رؤية تفاصيله عبر مقطوعة شعرية، بينما تأملت عفراء عتيق إحساسها وهي تقرأ علينا قصيدة قريبه عليها، خاصة جداً، تتكشف بها نوعاً ما، وهنا تكمن الصعوبة بحسب تعبيرها، أن تتحدث عن جدها الراحل، وتفشي بأثر الفقد، من يأخذ الأشياء التي لا يمكن أن تعود، وجّل ما يستطيعه الإنسان أمامه هو مراقبة أنفاسه، وفي قصيدتها «بنت النوخدة» وصف ساحر لـ نَفَسَ فيه
أول سؤال لـ نجاة الظاهري: لماذا تكتبين عن البحر وأنت أبنة مدينة العين الجميلة الهادئة، التي يمكن أن تستمع فيها إلى خَشْخَشة أعشاش العصافير، واستحالة يهزك صوت الموج العنيف الضارب في الصخر، والمسألة ليس جغرافياً في كون مدينة العين لا بحر فيها، ولكن أيضاً للهدوء أثره في السؤال الوجودي، ابتسمت نجاة وقالت: «بصراحة كنت في أبوظبي، بقرب البحر وأنا أكتبها»، وعموماً هناك بحرٌ يعيش في قلب كل شاعر، والدليل أن نجاة الظاهري تحولت في قصيدتها إلى بحر يسألُ بحراً عن همومه: «يا من سمعتَ همومَ كلّ العالمينَ، وما شكَوتْ، الكلُّ بعدكَ، عادَ نحوَ حبيبةٍ أو نحو بيتْ فلمن تعودُ؟ ولستَ تعرفُ من دروب الأرضِ إلا ظلمةَ الماءِ الفسيحْ». في الحديث عن الشعور في القصيدة، ترى نجاة الظاهري أن كل ما نحتاجه حاضرٌ في الذاكرة، من اللحظة حتى التجربة، جميعها تثري القصيدة، التي لا تلقيها نجاة إذا لم يتملكها شعورٌ تام حولها.تنشغل الشاعرة الهنوف محمد، في مسألة الترجمة، توصفها بأنها «لذيذة»، متأملة أن تعتكف عليها خلال المرحلة القادمة من إنتاجاتها وبحثها الشعري. وفي أوج النقاش عن الوطن، اعتبرت الهنوف محمد أن أوطاننا في أمس الحاجة اليوم، أن نقرأ عليها المعوذات، ودرع الشاعر هي قصيدته. قائلةً: «ودعوا لي وطني، أُعيذهُ، بكلماتِ الله التامات، وأقرأُ عليه المعوذات، فلا ورد بلا عذابات، ولا وَطَنَ بلا معوذات، ولا حياة بلا كلمات، الله التامات، فوطني سجادة حب، ووطني سجادة ورد، تعيد الأكسجين للبنفسج».