«كُتّاب كافيه» مقهى ذو طابع مختلف عن كل المقاهي، فلا يوجد فيه شيشة أو لعب بالورق أو لعبة «دومينو»، بل هو مكان هادئ يتخذ الكلمات مشروبه الرئيس، ويجعل الخدمات التقليدية المقدمة عادة في المقاهي في الدرجة الثانية، بعد خير رفيق وجليس. فالمشروبات الساخنة والباردة وقطع الكعك لا تحلو في هذا الكافيه إلا في حضرة أحد الكتب المصفوفة بأناقة على رفوف مكتبة المقهى، وقد تُصادف إحدى الشخصيات المعروفة تحضر حفل توقيع كتاب لها، وتتفاعل مع رواد المقهى وصاحبه الذي يتخذ من إلقاء التحية الدافئة وتوزيع الابتسامات الواثقة على زوار الكافيه مهمته الأساسية. يتناول ضيوف المقهى مشروبهم المفضل، وأيديهم تقلب صفحات كتاب وسط فضاء هذا المقهى، وتبحث عيونهم بين سطوره لتستكشف كنوز المعلومات، بين أركانه في منطقة أب تاون بالمردف، حيث أبى صاحبه الكاتب جمال الشحي إلا أن يضيفه إلى قائمة الأماكن التي تزيد شغفه بالكتاب وتشجع زواره على التصالح مع الكتاب، الذي لم يعد «خير جليس» كما كان. وأراد الشحي من خلال افتتاح هذه المقهى تشجيع القراءة والكتابة وتسويق منتجات دار «كُتّاب» للنشر، فحرص على تأثيث المكان بديكور يليق بمقام الكتاب، وأضفى عليه جواً يجعل الزائر، كما لو أنه بصدد ولوج رواق فني أو معهد ثقافي، وأول ما يخطف انتباهك عندما تزوره لأول مرة، ديكوراته الجذابة التي تتخذ من الجمال والبساطة شعاراً لها، وبيانو ورسوم جدارية وإضاءات واضحة خافتة، وكرسي مميز بالمحاذاة مع البيانو، تكتشف فيما بعد أنه مخصص لمن تستضيفه المقهى لتوقيع أحد كتبه. كنوز المعرفة ويتحدث مالك المقهى بثقة كبيرة في النفس، وقناعة لا تتزحزح بأنه يُراهن على حصان رابح، ويستبعد خسارة هذا الرهان مهما حدث، لسبب بسيط هو أنه يحتفي بقيمة معرفية هي الأعظم في تاريخ البشرية وهي الكتاب، ولم تأت هذه الفكرة بين ليلة وضحاها، بل اختمرت في ذهنه منذ وقت الطفولة المبكرة، حيث يقول: «منذ المرحلة الدراسية كانت الفكرة في ذهني وكنت أحلم دوماً بإنشاء مقهى يضم مكتبة تحتوي الكثير من الكتب، لكن هذا الحلم الذي ظل يطاردني تبلور منذ فترة قصيرة واكتمل نضجه في ذهني قبل أن يتجسد على شكل «كُتّاب كافيه»». وبالإضافة إلى قضاء وقت ممتع في ارتشاف القهوة واحتساء المشروبات الساخنة، بإمكان الزائر أن يعرج على الجزء الثاني من الكافيه، الذي يضم مجموعة كتب متنوعة، كما يمكن لكل المثقفين ومحبي القراءة أن يتناولوا بعد نكهات «الكابتشينو» والقهوة، التي ستحلو أكثر لا محالة مع تعدد نكهات المؤلفات، التي يجدونها بين أيديهم في المقهى. ويفيد الكاتب الشحي بأن هدفه الأساس من افتتاح هذه المقهى، الإسهام في نشر ثقافة القراءة وإعادة الاعتبار للكتاب، وذلك لإيمانه العميق بأنه لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض أو ينتج دون أن يقرأ. وعن سبب اختيار اسم المقهى «كُتّاب كافيه»، يقول إنه فضل أن يكون مباشراً ويكتسب قوته من بساطته. ويكشف تفاصيل المقهى، بأنه على الرغم من حداثة عمره، فإنه له كامل المؤهلات ليكون مكان ولادة القراء ومركزاً لنشر ثقافة القراءة الغائبة لدى البعض، في جو عائلي مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو الزملاء، وبإمكان الزائر أن يستغل وقته بالتنقل من المكتبة إلى المقهى وأماكن المطالعة، كما أنه يوجد في المقهى بعض المواقع المخصصة لعقد الورش واللقاءات الأدبية التي يكون لها جدول أسبوعي لفعاليات وأنشطة تتنوع ما بين حفلات توقيع وقراءة كتب، وأيضاً عرض أفلام منتقاة. إعادة الاعتبار ومع تنوع وتعدد الكتب، التي تزين الأرفف في ركن المطالعة والمكتبة بالمقهى، يلفت الشحي إلى أن مكتبة المقهى تتضمن أكثر الكتب مبيعاً في العالم، إذ تحوي رفوف المكتبة نحو 60% من الإنتاجات العربية و40% للأجنبية، وجميعها للمطالعة، والبـيع لمن أراد، بالإضافة إلى كتب للأطفال ولجميع الأعمار، بمعنى أن مكتبة المقهى مصممة لتناسب الأذواق كافة وتدعم فكرة تشجيع المرتادين لها على القراءة، وأن تستفزهم لفعل ذلك إن كانوا غير معتادين على استهلاك المعرفة. وأن أجمل هدف يمكن لمقهى كُتّاب كافيه أن يحققه، أن يحول شخصاً عازفاً عن القراءة إلى شخص مدمن للكتاب، حيث يعول على الكتب متنوعة المشارب والمصادر المتاحة في المقهى لإحياء ثقافة القراءة، ونشر عدوى استهلاك المعرفة. وبفضل هدوء والمكان ورائحة القهوة النفاذة المنبعثة من إحدى زواياه والممزوجة بنكهات مختلفة، لا يمكن للزائر إلا أن ينجذب لإغواء وتحرشات الكتب ويستسلم لها عبر استلال أحد الكتب واتخاذ مكان له في أحد أركان المقهى. ويبدأ سباحته في صفحات الكتاب، قبل أن يكتشف أن الوقت سرقه ويهرول متجهاً للكاونتر لدفع قيمة المشروب الذي أضحى بارداً بسبب انشغاله عنه بنشوة القراءة وسخونة محتوى الكتاب. دعوة إلى القراءة حول الهدف من إقامة المقهى الثقافي، يقول جمال الشحي، إن فكرة «كُتّاب كافيه» كانت منذ انبثاقها وستظل وسيلة محايدة لتشجيع الناس على القراءة، عبر توفير آخر الإصدارات والكتب والرقي بمجتمعنا إلى مجتمع يستهلك جرعات متزايدة من المعرفة والثقافة والأدب، ويتحول مع الوقت إلى منتج لها، وحينذاك سيكون من حق أهل المقاهي الثقافية أن يفخروا بما أسهموا به في مجتمعاتهم. ويرى الشحي أن تغيير ثقافة المقاهي وجعلها بمثابة صالونات ثقافية تزورها نخبة المجتمع، يعيد لها الاعتبار ويُسهم في تعريف شريحة واسعة من المجتمع بأهمية الكتاب، مشيراً إلى أنه لا يمكن حصر وتقزيم دور فضاء المقهى في متابعة الفضائيات أو مشاهدة المباريات، بل إن المقاهي ظهرت أصلاً في العصر الحديث منذ عصر الأنوار بباريس بوصفها فضاءات أدبية يقصدها المتنورون والمثقفون، قبل أن يتسع دورها وتصبح مرفقاً للاستهلاك الغذائي والتسلية غير الهادفة.