اختتم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ''حفظه الله'' أمس زيارة رسمية لجمهورية كازاخستان استغرقت 3 أيام، وغادر سموه برعاية الله وحفظه متوجهاً إلى أوروبا في زيارة خاصة· وكان في وداع صاحب السمو رئيس الدولة، معالي يرجان قاضيخانوف مساعد رئيس جمهورية كازاخستان وكريم ماسينوف رئيس الوزراء ومعالي ساوات مينبايف وزير الطاقة والموارد الطبيعية ومعالي نور يرميكبايف نائب وزير الخارجية وإبراهيم حسن سيف سفير الدولة لدى جمهورية كازاخستان واسكارموسينوف سفير جمهورية كازاخستان لدى الدولة وعدد من كبار المسؤولين في كازاخستان· وقد مثلت زيارة سموه لكازاخستان التي تعد كبرى دول آسيا الوسطى وأغناها موارد محطة مهمة في مسيرة العلاقات بين البلدين· وعبر حرص صاحب السمو رئيس الدولة على تطوير علاقات الإمارات بدول آسيا الوسطى بشكل عام وكازاخستان بشكل خاص عن فهم عميق للأهمية الاستراتيجية لهذه الدول وما تتيحه علاقات التعاون معها من فرص وما تفتحه من آفاق في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية· ولعل من أبرز المظاهر التي تعكس ذلك الفهم تواتر وانتظام الاتصالات واللقاءات بين صاحب السمو رئيس الدولة والرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف واتساع دائرة التعاون بين البلدين بحيث باتت تغطي طيفاً واسعاً من مجالات التعاون الحيوية التي تؤسس لعلاقة شراكة طويلة الأمد· فكازاخستان التي تعد تاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة حيث تبلغ مساحتها قرابة ثلاثة ملايين كيلومتر مربع، تعتبر نسبياً من دول الجوار لمنطقة الخليج وهذا الجوار النسبي يعني إعطاء دولة الإمارات عمقاً آسيوياً جديداً لا يقتصر تأثيره على كازاخستان نفسها بل يمتد إلى دول أخرى في المنطقة ترتبط معها الإمارات بروابط ثقافية من جهة وتمثل خياراً استثمارياً واعداً من جهة ثانية· وباستقراء الوجه الآخر لهذه المعادلة الجغرافية نجد أن كازاخستان ترى من جانبها في الإمارات العربية المتحدة بوابة ليس لمنطقة الخليج فحسب إنما إلى قوس واسع يمتد إلى شرق افريقيا ويعبر بها إلى دول الشرق الأوسط وصولا إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط· وإذا ما وضعنا هذه الخلفية التاريخية وتلك الحقائق الجغرافية في أي سياق للتعاون نجد أن كازاخستان أرض بكر بكل ما في هذه الكلمة من معنى وبكل ما تحمله من أبعاد· وهذه الميزة لا تعني فقط حاجة كازاخستان للتنمية بل تعني حاجتها إلى من يساعدها أو يشـاركها في استثمار موارد هائلة تزخر بها ولم يستثمر منها إلا ''النذر اليسير''·· فهي بلد منتج للنفط والغاز ولديه إمكانات تطور كبيرة في هذا المجال· كما أنه لديه موارد طبيعية أخرى تشمل أنواعاً مختلفة من المعادن كالحديد والألمنيوم والذهب وغيرها· ويضاف إلى ذلك إمكانات زراعية كبيرة تجعل من كازاخستان سلة غذاء لآسيا في حال توافرت الموارد اللازمة لاستغلال تلك الإمكانات· وهذه الموارد ليست هي عنصر الجذب الوحيد بل إن أهميتها تتعـــــلق بعاملين: الأول أن استثمار واستــــغلال تلك الموارد بالشكل الأمثل يتطلب تطوير المرافق والبنى التحتية اللازمة لجذب رأس المال الأجــــــنبي، وهذا معناه أن جــــاذبية الاستثمار في كازاخستان لا تقتصر على ما يســـــتثمر في تنمية الموارد الطبـــيعية بل تشمل أيضاً ما يوظف في مشروعات البنية التحـــــتية وفي مجال توفير الخدمات الأســـاسية التي يحتاجها الاستثمار الأجنبي· أما العامل الثاني فيتمثل في تحرر الاقتصاد الكازاخستاني من القيود السياسية والبيروقراطية التي منعته في السابق من استقطاب استثمارات ذات معنى· وفي مناخ من هذا النوع تبرز قدرة الإمارات على الاستفادة من الفرص التي يتيحها هذا المناخ خاصة أنها تملك، إضافة إلى الموارد المالية تجربة استثمارية خارجية تحظى بالاحترام والترحيب من الجميع· ولعل التطور الهائل في هيكل القطاع الخاص الإماراتي سواء من خلال ازدياد موارده وملاءته المالية أو تطور إمــــكاناته الفنية والإدارية يمثل عنصراً مهماً في معادلة الاستثـــــمار الإماراتية في كازاخستان والتي لم تعد محصورة في المشـــــروعات التي تنفذ عـــــبر آليات التعاون الرسمي بل امتدت بقوة إلى القطاع الخــــاص الذي أصبح لاعباً رئيسياً في هذا المجال· أما البعد الاستراتيجي الثالث للعلاقة مع كازاخستان فهو البعد الثقافي الذي مثل على الدوام ركناً أساسياً في الاتصالات التي كانت تجري بين قيادتي البلدين وبين المسؤولين فيهما على مختلف المستويات· ولا يشكل التراث الإسلامي المشترك القاسم الوحيد والمحفز للتعاون والتواصل في هذا المجال، فهناك رغبة من الجانبين في إغناء معرفتهما كل بالآخر لإحياء علاقات تاريخية ربطت آسيا الوسطى بالمنطقة والتأسيس لجسور ثقافية واجتماعية جديدة وهو ما يساهم في رفد حركة التعاون الاقتصادي بقاعدة من التقارب التي تحصن تلك الحركة وتجعلها حركة دائمة ومتصاعدة باستمرار· في ظل هذه الأبعاد الاستراتيجية للعلاقة مع كازاخستان فإن تنامي العلاقات بين البلدين يبدو بمثابة قطف لثمار معطيات أدرك صاحب السمو الشــــيخ خـــليفة بن زايد آل نهيان مبكراً أهميتها وجهد لتجسيدها على شكل برامج تعاون متعددة لا ينخرط في تنفيذها العمل الرسمي فحسب بل يرفدها حماس واضح من القطاع الخاص· ولا شك في أن زيارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى كازاخستان قد أعطت قوة دفع إضافية لبرامج التعاون تلك وفتحت أمامها آفاقاً جديدة تساهم في المحافظة على زخم تنفيذ ما هو قائم من برامج أو تسريع خطوات ما ينتظر دوره في التنفيذ·