بالرغم من البعد الذي يفصل بين “ديل” وهيوليت - باكارد “أتش بي” حيث مقر الأولى في تكساس والثانية في كاليفورنيا، فإن هناك ما يربط شركتي التقنية العملاقتين. ومن المعروف أن الشركتين اللتين تعملان في صناعة الكمبيوتر الشخصي، سجلتا أرقاماً قياسية في الابتكارات، “ديل” في مجال الإدارة و “أتش بي” في البحوث، بالرغم من تراجع بريقهما الإبداعي في السنوات الأخيرة. وتكافح الشركتان بضراوة من أجل البقاء في الساحة التقنية التي أصبح التغيير السريع من سماتها الرئيسية، وبدأ مايكل ديل منذ عودته لمعقل الشركة التي أسسها، بإصلاحات واسعة في عملياتها في رهان منه على استعادة ما فقدته من ثروات. كما أعلن ليو أبوثيكر مدير “أتش بي” عن استراتيجية جديدة لشركته، وألمح لقيامه بتغييرات جذرية في المؤسسة التي عانت جراء رحيل مديرها السابق. ومن الظواهر التي تقاومها الشركتان، الشعبية الكبيرة التي تحظى بها الكمبيوترات اللوحية والهواتف الذكية والأجهزة الأخرى التي مكنت المستخدمين من الدخول إلى شبكة الإنترنت خلال تحركاتهم اليومية. وبدأ تأثير “آي باد” والأجهزة اللوحية الأخرى يظهر جلياً في تراجع مبيعات الكمبيوتر المحمول. وترجح مؤسسة “جارتنر” البحثية تراجع التوقعات الخاصة في صادرات الكمبيوتر الشخصي من 16% إلى 10,5% عند 388 مليون وحدة هذا العام، وذلك نتيجة للحماس الكبير الذي حظي به الكمبيوتر اللوحي من قبل المستهلك. كما يعتبر النمو الذي تحققه “الحوسبة السحابية”، هو الآخر من الظواهر التي تكتسح القطاع، ويسمح هذا النظام للشركات بتخزين ومعالجة كم هائل من البيانات في مخازن ضخمة من المُخدمات تتم إدارتها عبر طرف ثالث، ومن ثم يمكن الوصول إلى هذه البيانات من خلال الانترنت في أي زمان ومكان. ودخل هذه السوق منافسون جدد مثل “أمازون” و “راك سبيس هوستينج” اللتين تحاولا إقناع الشركات بمدى جدوى إيجار مساحات “سحابية” بدلاً عن شراء المُخدمات من “ديل” و “أتش بي”. وبالطبع تقوم شركات خدمات “الحوسبة السحابية” نفسها بشراء مُخدمات كثيرة تكون في معظمها من “ديل” و “أتش بي”، لكن ربما تقود أحجامها الكبيرة إلى خفض أسعارها. كما أن “الحوسبة السحابية” مسؤولة نسبياً عن بروز ظاهرة ثالثة وهي ما يسمى “التحرك الرأسي”، وفيها تتحرك شركات صناعة أجهزة تقنية المعلومات ونظم التشغيل والتطبيقات داخل منطقة نشاط الشركات الأخرى، وذلك نتيجة لعدم رغبة عملاء هذه الشركات في البحث عن أنواع البايت المختلفة وتوصيلها مع بعضها البعض، وبدلاً من ذلك يفضل هؤلاء الحلول المتكاملة التي تعمل مباشرة دون أي تعقيدات والمرتبطة بقوة مع نظم “الحوسبة السحابية”. وعلاوة على ذلك، يوفر “التحرك الرأسي” في أجزاء أخرى من أجزاء النشاط التجاري لشركات تقنية المعلومات، فرصاً كبيرة من النمو لشركات مثل “ديل” و”أتش بي” في سوق تتسم عموماً بالنضوج. وخلق ذلك نوعا من الحرية لشركات البرامج والأجهزة لأن تبتلع كل منها الأخرى، وتواجه الآن شركات مثل “ديل” وأتش بي” منافسة شرسة من قبل شركات مثل “أوراكل” للبرمجيات التي قامت بشراء “سوفت سيستيمز” للأجهزة، و”سيسكو” لصناعة معدات الشبكات التي تحولت بعدها لصناعة المُخدمات. وحثت إعادة هيكلة القطاع السريعة هذه، شركات تقنية المعلومات الكبيرة على التخلص من النشاطات الصغيرة، الشيء الذي فعلته “هيتاشي” مؤخراً عند بيعها لقسم صناعة محركات الأقراص لشركة “ويستيرن ديجيتال” مقابل 4,3 مليار دولار. ومعلوم أن “ديل” وأتش بي” و”أيسر” التايوانية تسيطر على سوق الكمبيوتر الشخصي مما يجعلها عرضة لهجر هذا النشاط في أي وقت، وبسبب استمرار قوة طلب الأسواق الناشئة على الأقل، يمكن القول إن شهادة موت الكمبيوتر الشخصي لم تصدر بعد. كما يعني النجاح الباهر الذي حققته “أبل” في أسواق الدول الغنية من خلال طرح “آي باد”، وطلب الشركات للخدمات المتكاملة من مؤسسات تقنية المعلومات بدلاً من جلب كميات ضخمة من المُخدمات والكمبيوترات، حالة عدم الرضا التي تسود “ديل” و “أتش بي” الآن، وبما أن الكمبيوتر الشخصي لم يمت بعد، إلا أن أهميته في تناقص مستمر وواضح. ومن المتوقع أن يكون أداء “ديل” أفضل من “أتش بي” في هذا العالم الجديد، وذلك لأن مبيعاتها من الكمبيوتر الشخصي التي بلغت نسبتها 23% من جملة العائدات البالغة 16 مليار دولار في آخر ربع سنة، موجهة أكثر نحو الشركات التي ربما تستمر على هذا النحو لفترة طويلة من الوقت. أما “أتش بي” التي تشكل مبيعات الكمبيوتر الشخصي 32% من جملة عائداتها البالغة 32 مليار دولار، فتعتمد بشكل كبير على طلب الأفراد الذين دائماً ما تتحول رغباتهم نحو التقنيات الجديدة. ومع ذلك، فهناك ما يكفي من نضوج سوق “الحوسبة السحابية” وتخصص الأجهزة الحديثة، ليثير قلق الشركتين. وأصبحت قوة “ديل” المُستمدة من الشركات في تراجع مستمر، كما تأثرت الشركات بشدة بما يشتريه العملاء من معدات تقنية المعلومات، مما يحتم على “ديل” و”أتش بي” النجاح في صناعة أجهزة مناسبة، أو التضحية بجزء كبير من نصيبهما في الأسواق لصالح منافسيهما، وربما يكون ذلك هو السبب وراء كشفهما مؤخراً النقاب عن كمبيوترات لوحية من صنعهما. وقامت “ديل” بصناعة “ستريك 7” الذي يعمل بنظام أندرويد التشغيلي، بينما طرحت “أتش بي” جهاز “تتش باد” الذي يعمل بنظام تشغيل “ويب أو أس”، الذي تنوي الشركة استخدامه في كمبيوتراتها بجانب ويندوز. وبالرغم من الاهتمام الكبير الذي تُوليه “ديل” و “أتش بي” لصناعة الكمبيوتر الشخصي والخادمات، فإنهما تركزان على تقليل الاعتماد عليها من خلال تبني النشاطات التجارية المرتبطة “بالحوسبة السحابية”، مثل وسائل تخزين المعلومات، ودفعت “ديل” في العام 2008 نحو 1,4 مليار دولار مقابل الاستحواذ على شركة “إيكوال لوجيك” المتخصصة في صناعة معدات تخزين بيانات الشبكة، ولتوسيع مقدراتها في “الحوسبة السحابية” قامت أيضاً بشراء “بومي” التي تساعد في تحويل تطبيقات البرامج إلى نظام “الحوسبة السحابية”، بالإضافة إلى “إنسايت ون” العاملة في الأرشفة الطبية التي تعتمد على نظام “السحابية”. وخسرت “ديل” معركتها ضد “أتش بي” في العام الماضي للاستحواذ على مؤسسة “3 بار” لتخزين البيانات، بعرضها المتواضع الذي تبلغ قيمته 1,15 مليار دولار مقابل 2,4 مليار دولار من “أتش بي”. وبنجاح الشركتين في عدد من شركات الخدمات، بدأت “ديل” في قطف ثمار استراتيجية التنوع حيث بلغت أرباحها للثلاثة أشهر المنتهية في يناير الماضي، نحو 927 مليون دولار، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف ما حققته قبل عام. كما استفادت من انخفاض تكلفة المكونات وموجة شراء الكمبيوتر الشخصي من قبل الشركات في أعقاب الأزمة المالية، وتؤكد نتائج “ديل” مدى نجاح نشاطها التجاري في قطاع الخدمات الذي أصبح يشكل 41% من عائداتها، مقارنة بالثلث في 2008. وبينما حققت “ديل” و”آي بي أم” و”أكسينتشور” نجاحا كبيرا في قطاع الخدمات، انخفضت عائدات مبيعات الخدمات في “أتش بي” في الربع الأخير بنسبة قدرها 2%، مما يعكس قوتها في نشاط التعهيد وضعفها في حقل الاستشارات، وعلى الشركة التي تبلغ عائداتها السنوية نحو 126 مليار دولار، اتخاذ قرار فيما يتعلق بالاستمرار في مزاولة عدد من النشاطات المختلفة، وأقدمت مثلاً “آي بي أم” على بيع نشاطها التجاري في الكمبيوتر الشخصي لشركة “لينوفو” بغية التركيز على بناء نشاط الخدمات، ولكن ليس من المرجح أن تتبع “أتش بي” نفس النهج مع الأخذ في الاعتبار أنها لا تزال الشركة الرائدة في مجال الكمبيوتر الشخصي، كما لا يبدو عليها نية التخلي عن نشاط الطباعة الذي يلزمها مجاراة التقنية الرقمية الحديثة. وإذا كانت “أتش بي” عازمة على دعم قطاعي الخدمات والبرامج، فعليها تقديم بعض التضحيات في قطاعات أخرى. وللقيام بذلك، ينبغي لمديرها وقف سياسة خفض التكلفة التي تبناها سلفه السابق والتي أعاقت قطاع الابتكارات في الشركة، وبدأت الشركة بالفعل الاستثمار في قطاع خدماتها وتعيين عدد من أعضاء مجلس الإدارة الجدد. ويقول ليو أبوثيكر مازحاً “تعلمت منذ مجيئي من أوروبا إلى هنا كيفية نطق كلمة “مذهل” و”ممتاز” بلكنة كاليفورنيا، والآن يترتب عليّ إقناع المستثمرين والعملاء باستخدام هذه العبارات لوصف “أتش بي”. عن: «ذي إيكونوميست» ترجمة: حسونة الطيب