القاهرة (الاتحاد)

الدرع سلاح دفاعي يلبسه المقاتل فيقيه ضرب السيوف، منسوج من حلق حديدية على شكل لباس يُغطي البدن حتى نصف الساق، وقد تكون الدرع بأكمام، فإذا كانت قصيرة الأكمام سميت «البتراء».
وأول من سرد الدروع من حلقات هو نبي الله داود عليه السلام، وفي هذا قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، «سورة سبأ: الآيات 10 و11»، وقال سبحانه: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ)، «سورة الأنبياء: الآية 80».
ويقول العلماء، المعنى، ولقد آتينا عبدنا فضلاً عظيماً، وخيراً وفيراً، وملكاً كبيراً، بسبب إنابته إلينا، وطاعته لنا، وداود أول من آتاه الله الملك، وأول من كتب «بسم الله الرحمن الرحيم»، وأول من صنع الدروع، حيث أوحى الله إليه بصناعتها من الحديد، ليحمي المقاتلين من أعدائهم، وقد جعل الله الحديد في يد داود ليّنا كالطين المبلول، ليتحكم به، ويشكِّله كيفما شاء، دون ضربه، أو تعريضه للنار، سأل الله أن يجعل له صنعة يقتات منها، فكانت هذه الصنعة هي صناعة الدروع من الحديد.
وقد أنعم الله على داود بنعم عديدة تميزه وتقويه في ملكه وحكمه، حيث أعطاه القوة، وعلمه منطق الطير، وتسبيح الجبال، وصناعة الدروع لتكون خفيفة ومتينة، وألانَ له الحديد، قال قتادة إن أول من صنع الدروع هو داود، حيث كانت من قبله عبارة عن صفائح، ولم يسبقه أحد إليها.
وقال الطبري، إن الحديد كان في يده كالطين المبلول يصرفه في يده كيف يشاء بغير إدخال نار ولا ضرب بحديد، سخره الله له، كان يسوي الدروع بيده ولا يدخلها ناراً ولا يضربها بحديدة.
وكما منّ الله على عبده داود بجمال الصوت منّ عليه بأصعب صنعات الأرض وأشدها، وهي تشكيل الحديد وصناعة الدروع وآلات الحماية، فألان له الحديد وسهل عليه تقديره وضبطه في حلقات متنوعة الأحجام والأشكال، لينتج منها ما أراد من آلات يتحصن بها المؤمن ضد أي اعتداء.
وقال السعدي في تفسيره: يقول تعالى، ولقد مننا على عبدنا ورسولنا داود، وآتيناه فضلاً من العلم النافع، والعمل الصالح، والنعم الدينية والدنيوية، أمر الله الجمادات، كالجبال، والحيوانات والطيور، أن تُؤَوِّب معه، وتُرَجِّع التسبيح بحمد ربها، وفي هذا من النعمة عليه، أن كان ذلك من خصائصه التي لم تكن لأحد قبله ولا بعده، وأن ذلك يكون منهضاً له ولغيره على التسبيح إذا رأوا هذه الجمادات والحيوانات، تتجاوب بتسبيح ربها، وتمجيده، وتكبيره، وتحميده، كان ذلك مما يدفع إلى ذكر الله تعالى، ومنها أن ذلك، كما قال كثير من العلماء، أنه طرب لصوت داود، فإن الله تعالى، قد أعطاه من حسن الصوت، ما فاق به غيره، وكان إذا رجَّع التسبيح والتهليل والتحميد بذلك الصوت الرخيم الشجيِّ، طرب كل من سمعه.
ومن فضل الله عليه، أن ألان له الحديد، ليعمل الدروع السابغات، وعلمه كيفية صنعته، بأن يقدره في السرد، يقدره حلقا ويصنعه، ثم يدخل بعضها ببعض، قال قتادة، حكي أن لقمان حضر داود عند أول درع عملها فجعل يتفكر فيها ولا يدري ما يريد ولم يسأله حتى فرغ منها ثم قام فلبسها وقال نعم جُنة الحرب هذه، فقال لقمان عند ذلك الصمت حكمة، وقليل فاعله.