استطاع مهرجان التراث والثقافة والتسوق المقام حالياً في القرية التراثية بمنطقة بدع بنت سعود في مدينة العين أن يجلب الكثير من الزوار الذين جاءوا من مختلف الجنسيات والأعمار ليقضوا مع عائلاتهم وأطفالهم ساعات من المتعة والمرح والفائدة، وذلك بتنوع المشاركات والأقسام التي يضمها المهرجان وزخم المعروضات التراثية التي تعود بعضها إلى مئات السنين التي تنطق بقصة الماضي والأجداد وعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة. عكف مركز الشيخة آمنة التراثي الثقافي الديني “بوصفه الجهة المنظمة للمهرجان” على عرض نمط الحياة الإماراتية القديمة في الخيام المخصصة له وبيوت العريش لتعريف الناس بالدور الكبير الذي يلعبه في الحفاظ على التراث ونقل صورته الصحيحة العميقة إلى الأذهان وما يقوم به من فعاليات ومبادرات مجتمعية توعية دينية تثقيفية. وجدت المرأة الإماراتية المنتجة في هذا المهرجان، إذ توزعت المواطنات في بيوت من العريش وعرضن ما أنتجته أيديهن ليعكسن بذلك صورة مشرقة عن حبهن للعمل والإنتاج وسعيهن نحو تحقيق الذات حتى لو كان ذلك من خلال أشياء بسيطة. اختلف المنتج الذي شاركت فيه نورا الشامسي أم محمد عن ابنتها وضحة، إذ عرضت أم محمد البهارات العربية التي تصنعها بيدها و”اللومي” (الليمون المحلي) والدهن العربي والقاشع المطحون “نوع من السمك المجفف” والحَّب والزعتر الأخضر واليقط “لبن مجفف” والفرصاد “التوت الأحمر” الذي أحضرته من مزرعة زوجها، وكذلك العسل الطبيعي الذي تم تصنيعه في منحلة خاصة بهم ودلات القهوة المرصعة بالكريستالات والمكسرات التي وضعتها في صحون بلاستيكية وغلفتها بالنايلون الشفاف. أما وضحة، فكانت تجلس في عريش منفصل محاذ لوالدتها وتقول إنها بدأت مشروعها منذ 4 سنوات في صنع العطور والدخون والعود والمخمرية. اكسسوارات نسائية وتتحدث وردة عبدالله عن منتجاتها التي عرضتها للبيع، وتقول: “أصنع جميع أنواع البكل والأطواق الخاصة بالشعر والعقود والسلاسل وغيرها من الإكسسوارات والشباصات وسلات صغيرة لحفظ البكل فيها، ولم أتوجه في ذلك لعمر محدد بل لدي لمختلف الأعمار، وعلى الرغم أن هذه الموهبة بدأت عندي منذ سنوات عدة، لكنني اقتصرتها على الأهل والأصحاب ومن ثم فكرت في أن أبيع لغيرهم وأنطلق إلى المجتمع الخارجي نتيجة تشجيع كل من حولي لي، وها أنذا فرحة بأول معرض أشارك فيه وبإقبال الزبونات علي وإعجابهن بمنتجي”. لا يختلف الأمر كثيراً لدى نورا محمد الجابري التي تشارك للمرة الأولى في معرض، حيث اعتادت على تسويق منتجاتها من المنزل مثل الشباصات التي استخدمت فيها التلي بألوان مختلفة وأخرى صنعتها على شكل علم الإمارات من الورود والتلي أيضاً إلى جانب بيعها للكاجوجة الخاصة بالتلي وسراويل وأثواب وكنادير نسائية قديمة وأخرى خاصة بالأطفال. الطبخ المنزلي ولأن أم سهيل لديها نفس في الطبخ، ففضلت أن تشارك بطبخات بيتية مثل المعكرونة والمحاشي والساندويتشات بأنواعها والذرة، وبجانبها أم حمد التي تبدع في تشكيل التمور وغمسها بالمكسرات مثل جوز الهند والفستق والسمسم والهيل وتضعها على شكل قطع حلوى أو شوكولاته في علب بلاستيكية وتبيع إلى جانب ذلك الأجار “نوع من الشطة المخللة” الذي يكتسب شهرة كبيرة في الدولة، وتصنع البهارات وسمن البقر والغنم واليقط وزينة لدلات القهوة على شكل قطعة قماش مخمل ومطرزة بالكريستال. العطور والعود اعتادت أم حمد العامري على المشاركة بالمعارض، فقد بدأت مشروعها منذ 10 سنوات أمضتها تصنع العطور والدخون والعود المعطر وغيرها من الخلطات العربية والمخمرية معتمدة على ذوقها وحسها العاليين حيث يمكنها أن تميز بهما الرائحة الذكية المختلفة عن غيرها من عشرات الأنواع التي تصنعها وتسمي كلمنها باسم وتشير أم حمد إلى أن المنافسة كبيرة في المعرض بين المشاركات نظراً لتشابه المنتجات التي يعرضنها، فهي ليست الوحيدة التي تبيع العطور والدخون، فهناك كثر غيرها ولديهم جودة لا بأس فيها مما يجعل المنافسة بينهن أقوى ويجعل فرصة البيع لديهن أقل! معرض شخصي ولفتت الجدة الستينية أم محمد سالم العامري أنظار الزوار إليها، فتجدهم متجمهرين في بيت العريش الخاص بها لما تعرضه من مقتنيات وأدوات قديمة جداً ورثتها عن أجدادها وهم ورثوها عن أجدادهم فانتقلت إليها جيلاً عن جيل حتى تجاوز عمرها الآن مئات السنين ولا تزال محتفظة بها وتصر على أن تعرضها في كل معرض لتعرف الناس بالتراث الإماراتي القديم... تشرح أم محمد إلى معروضاتها وتقول: “من شدة حبي للإمارات وخوفي على تراثه من الاندثار، أصر على عرض المقتنيات التي ورثتها عن أجدادي في مختلف المعارض، وأقف أمامها لأذكر مسمياتها واستخداماتها، وقد لاحظت توافد الكثيرين علي من مختلف الجنسيات والأعمار ليطرحوا تساؤلاتهم حولها، ومن الأشياء التي أعرضها لدي 23 دلة قهوة نحاسية و(شَت) لحفظ الفناجين ومرش قديم للعطر ومداخن نحاسية، وأخرى فخارية ومحماس للقهوة وقِرب من جلد الماعز للحليب والماء وبرقع ومرتعشة وحقيبة كلها من الجلد، وإكسسوارات نسائية من الحديد والفضة وخناجر وسيوف وبواريد قديمة تعود لأكثر من 200 سنة، ومذياع قديم وقرون غزلان كبيرة وصغيرة، ويحسب عمر الغزال بعد الفقرات الموجودة في قرنيه، وهبان كان الرجل يضع فيه أكله عند السفر وعملات قديمة تعود إلى 22 دولة عربية وغربية، وحقائب من السدو وأخرى من شعر الماعز صنعتها بيدي، وكذلك الضب المحنط الذي حشوته بالقطن، ولباس الناقة أو زينتها والحوض القديم الذي كان يشرب فيه الجمل...”. البيوت الإماراتية إلى جانب المنتجات التي صنعنها الإماراتيات وحملت من روحهن الأصيلة، يوجد عرض للمهن والحرف الإماراتية القديمة مثل صناعة الفخار ومشغولات سعف النخيل والحياكة والسدو وغيرها، ويوجد كذلك سوق آخر للملابس والإكسسوارات والأثاث والجلابيات والعباءات والمأكولات شارك فيها أكثر من 80 شركة جاءت تعرض منتجاتها من داخل الدولة وخارجها وقسم آخر ثقافي يبرز فيه مركز الشيخة آمنة التراثي الثقافي الديني عبر عرضه في أكثر من خيمة أدوات تراثية قديمة خاصة بالبيوت والمجالس الإماراتية التي يتوسطها الفواكه والتمر والقهوة والدلة والخنجر والجرة الفخارية القديمة وأخرى الخاصة بالعروس وزهبتها وذهبها ولباسها والعريس ولباسه من بشت وكندورة ووزار وما إلى ذلك، وفي خيمة أخرى اصطحبتنا للتعريف بها روضة الشامسي إحدى متطوعات المركز واشتملت على منتجات جميلة جداً للعاملات والمتطوعات في المركز مثل الإكسسوارات وأطقم اللولو والأحجار الملونة والبكل والمناديس المغطاة بأقمشة إماراتية قديمة مثل البوتيله وسلات للمهملات مزينة بقماش السدو واستخدام هذه الأقمشة أيضاً في تزيين دفاتر المذكرات وصناعة حافظات للقرآن الكريم، وتجهيز خلطات العطور والدخون والمكسرات... إلخ كما عرض المركز بحسب روضة الشامسي السوق القديم والمطبخ القديم بكل محتوياتهم والبيئة الصحراوية والأدوات التي كان يستخدمها الأجداد في الصيد والزراعة وتتم كتابة على كل أداة معروضة الاسم القديم الذي عرف به باللغتين العربية والإنجليزية. مشاركات متعددة وسط الأجواء الربيعية التي تتسم ببرودة وجمالية خاصة في الليل أشعلت فرقة العيالة الأجواء عبر رقصها وغنائها الحربية والعيالة واليولة بمشاركة كبيرة من الجمهور، إلى جانب مشاركات تعريفية توعوية من مؤسسات مجتمعية مختلفة مثل شرطة العين وأبوظبي والدفاع المدني ووزارة البيئة والمياه وغيرها وركن للسيارات الكلاسيكية ومنطقة مخصصة للألعاب الأطفال ومعرض لصور نادرة للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد رحمه الله ومعرض لفنانات إماراتيات وصور فوتوغرافية، وغير ذلك الكثير مما يستحق الزيارة.