التسوق هوس نسائي جنوني، وغالباً ما يكون شرطاً لشعور المتسوقة بأنوثتها، بعضهن يذهبن للتسوق أكثر من عشر مرات في الأسبوع، حيث تلفُّ إحداهنَّ وتدور بحثاً عن ضالتها المنشودة، حتى لو اضطرها الأمر للذهاب بعيداً عن مسكنها، المهم أن تتمكن من إشباع غريزة التسوق الكامنة في داخلها، واقتناء ما تحتاجه، وما لاتحتاجه أيضاً. فقط إرضاءً لغرورها، وأحياناً انتقاماً من زوجها بحيث تفرغ جيوبه، وتقص جناحيه حتى لا يفكر بالاقتران بامرأة ثانية. استرخاء مدفوع الثمن تشعر مرام بسيوني (30سنة) بالراحة والهدوء عندما تمارس التسوق، وتقول وهي في قمة انفعالها: «أسارع عندما أمرُّ بلحظات اكتئاب أو ضيق من زوجي إلى السوق للتسوق، ومعاينة الأشياء، والإقبال على شرائها بهوس ملحوظ. غالباً ما يكون لديَّ أشياء مماثلة لتلك التي أشتريها، وأحياناً أشتري سلعاً لا أحتاجها على الإطلاق، أفعل ذلك فقط بدافع الانتقام من زوجي، فأجعله يدفع ثمن مشترياتي، حتى لو وصل به الأمر لأن يدفع مبالغ طائلة». تصمت مرام لبرهة، وتقول: «بعد أن أشتري أشعر بالارتياح النفسي، وأعاود التقاط أنفاسي بهدوء وعمق واسترخاء، وفي داخلي أشعر بأنني أخذت حقي وزيادة من زوجي المصون». طرق جديدة لتحصيل الحقوق لا تخفي حنان اليوسف أن كثرة السلع النسائية التي تبهر العين، وتنوعها يشعرانها بالحاجة إلى الشراء، وتقول في ذلك: «في موسم التخفيضات خاصة يصل الأمر بي إلى حد شراء الكثير من السلع. وبعد أن ينتهي مشوار «الشوبينغ»، أجد نفسي غالباً أمام سلع وملابس لا أحتاجها بالضرورة، وبعضها لا يناسب ذوقي». لكنَّ جنان تعلل ذلك بالقول: «كلَّما شعرت بالغضب والضيق من زوجي، أجد نفسي لا شعورياً في أحد مراكز التسوق، وسعياً وراء المزيد من الشعور بالراحة ألجأ في معظم الأوقات لأخذ بطاقة السحب الآلي الخاصة بزوجي من دون علمه، فيعرف بعد فوات الأوان، وبعد شراء كل ما أريده، تصرفي هذا يدفع زوجي للشعور بالضجر والضيق، لكن في لحظة غليانه تلك أشعر بأنني أخذت حقي منه، ولكن بطريقتي الخاصة». خوفاً من الأخرى بدورها تلفت منى محمود إلى أنَّ التسوق يحرض عندها الرغبة الملحة في اقتناء الحقائب والعطور والأحذية، وتقول: «هذه السلع تمثل نقطة ضعفي. وحتى لو اقتنيت الآلاف منها فستظل توقي لشراء المزيد قائماً. حيث لا أستطيع مقاومة إغراءاتها، بالرغم من أنها تستنزف جزءاً كبيراً من ميزانية زوجي، حيث يواجهني بالاعتراض طالباً من حدة هوسي الشرائي، إلا أنَّ ذلك يشعرني بالراحة النفسية، حيث أشتري الكثير من الحقائب ذات الماركات العالمية، والتي تتطلب مبالغ ضخمة». وتنفي ندى أحمد أن يكون إفراطها في التسوق عامل ضغط مالي على زوجها أو وسيلة للانتقام منه: «لا أشتري إلا الضروري الذي يلزمني، ولكنني أبالغ في بعض الأحيان لا شعورياً بشراء ما لا أحتاجه من باب المباهاة به أمام الصديقات». ندى لا تخفي إيمانها بالمقولة: «إذا امتلأ جيب الزوج، تبدأ عينه بالزوغان على امرأة أخرى». ومن هنا «وجب على الزوجة الذكية أن لا تدعه يحتفظ بالمال الزائد معه، بل بما يكفيه فقط». حقيقة غائبة من جهتها ترى فاطمة السري أنَّ بعض الزوجات يبالغن في ارتياد الأسواق بهدف إغاظة أزواجهن المشغولين عنهن، أو كمحاولة اعتراض على التجاهل الذي يمارسه الأزواج بحقهنَّ. وأيضاً لطرد فكرة الارتباط بامرأة أخرى من ذهن الزوج. فثمة قناعة راسخة في أعماق السواد الأعظم من السيدات مفادها أنَّ الإفراط في المصروف ستجعل زوجها يفكر كثيراً قبل الإقدام على الاقتران بامرأة أخرى. لكنَّ فاطمة تشير إلى حقيقة غائبة عن عقول معظم الزوجات، وهي أنَّ ليس هناك من رادع يمنع الرجل من الزواج ثانية لو أنَّه أراد ذلك فعلاً، خاصة بوجود إغراءات القروض المصرفية التي تكاد تجعل المستحيل ممكناً. انتقام على طريقة حواء لهند جاسم مع التسوق حكاية مختلفة إذ كاد ينتهي بها المطاف التسوقي إلى الطلاق، تروي حكايتها قائلة: «بعد أن حصلت مشادة كلامية بيني وبين زوجي بسبب أمر تافه في نظره، أحببت أن أنتقم منه، ولكن بطريقتي حواء الجهنمية، حيث قررت الذهاب إلى سوق الذهب، وأثناء تجولي وقعت عيني على عقد جميل، سألت عن سعره فوجدته باهظ الثمن، لكن بريقه ظل يلمع في عيني طوال فترة العودة إلى المنزل، ورغم علمي أنَّه من سابع المستحيلات أن يشتري لي زوجي هذا العقد باهظ الثمن، إلا أنني ذهبت في اليوم التالي واشتريته بمبلغ 15 ألف درهم، دفعت له عربوناً مقدماً، وطلبت منه أن يبعث الفاتورة لزوجي». تصمت قليلاً بينما هي تسترجع تلك اللحظات المشحونة بالخوف، ثم تضيف: «لم أشعر بزوجي إلا وهو يركل باب غرفتي بقوة، ويقول لولا خوفي من الله وهؤلاء الأبناء، لكنتِ الآن في بيت أهلك، وورقة طلاقك معك». عندما يبوح الأزواج من جهته يقول أيمن طه: «زوجتي تعتبر مسرفة زيادة عن اللزوم، ولديها ولع غير طبيعي بالتسوق، فهي تشتري كلَّ ما يلفت نظرها ويعجبها، حتى لو كان يشكل عبئاً مادياً على كاهلي، ورغم عدم إخباري لها بذلك إلا أنني في نهاية المطاف مضطر لتلبية رغباتها وهوسها للشراء، لأكون في غنى عن سماع كلماتها الجارحة، والتعرض لعصبيتها المفرطة التي تزيد غالباً زيادة عن حدها، وقد تعاقبني لمدة أسبوع بتجاهلها لحقوقي الزوجية. ارتفاع الضغط يلفت غانم إبراهيم إلى أنَّ زوجته من النوع المصاب بـ «حمى التسوق»، ويقول شارحاً: « زوجتي لا ترتاح إلا حين تتسوق، فحب التسوق يجري في عروقها ودمها، لا تمل من الذهاب إلى السوق بل تشعر بالسعادة والأمان حين تدخل محل وتخرج من محل آخر دون تعب أو كلل وملل››. يضيف غانم بحرقة: «أشعر أن زوجتي تتحسن حالتها وتكون في قمة الفرح حين تتسوق بينما أنا، أشعر أنَّ ضغط دمي يرتفع، وتتسارع نبضات قلبي وتتوتر أعصابي حين تشتري بمبالغ كبيرة، ولا يهمها حتى لو وصلت الفاتورة إلى أقام كبيرة، المهم أن تشتري كل ما ترغب به، وكثيرا ما تحدث المشاكل بيني وبينها بسبب الفاتورة، فليس من المعقول خلال التجول في السوق الذي قد يمتد من ساعة إلى ساعتين أن تنفق هذه الأموال في لمح البصر، هذا إسراف وتبذير، ولكن كما يقول المثل (لا حياة لمن تنادي) بالفعل زوجتي مصابة بجنون الإسراف والتسوق››. على حافة الطلاق بدوره يشرح بليغ بن محمد وجهه نظره بهذا الشأن قائلاً: «المرأة تشعر بالسعادة في الشراء، وتشعر بأنَّ الشراء يرفع مزاجها، وهذا الأمر صحيح، فالكثير من النساء يشعرن بالبهجة والفرح عند الشراء، ولا يُفكّرن في كيفية تسديد مبالغ مشترياتهنَّ، وهذا قد يقود إلى مشاكل زوجية بين الزوج وزوجته، إذا كان هو الذي يدفع كما هي الحال في معظم الحالات، قد تصل إلى الطلاق، أو قد تسبب حياة زوجية مُضطربة ملأى بالمشاكل والمشاحنات التي لاتنتهي، كل ذلك بسبب إسراف المرأة التي تشتري بمبالغ كبيرة أشياء قد تكون غير ضرورية بالنسبة لها». الثأر في محاولة لتفسير الظاهرة موضوع البحث يقول محمد بشر، وهو أخصائي نفسي: «تبحث المرأة، وبحكم إهمال زوجها العاطفي لها، عن حل تثأر من خلاله لشخصها وكرامتها كأنثى غير مرغوب بها، فتعمد إلى الرد على تجاهل زوجها من خلال جيبه، خاصة إذا كان حريصاً عليه خوفاً من المستقبل، معتبرة أنَّ ماله عزيز عليه، فتصرفه على ثيابها وعطورها وزينتها وأناقتها لتلفت نظره إلى شكلها المتغير دائماً، ولتنبهه أيضاً إلى أنَّها امرأة قوية تعرف كيف ترد الكيل وتدافع عن نفسها».