في شهر الرحمة انفجرت في منطقتنا الخليجية محنة تكاد تتحول إلى فتنة إنْ لم يتداركها العقلاء من أولي الحكمة من أبناء المنطقة وقادتها. «الاختلاف قد يحصل بين الأشقاء في البيت الواحد، لكنه لا يمكن أن يفرقنا شيء عن أهل قطر إخواننا»، هذه العبارات ليست لي لكنها لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله ورعاه، وقد ارتأيت أن أبدأ بها. وفي مقال نُشر لي في هذه الصحيفة تحت عنوان «هل قطر في خطر؟»، ذكرتُ احتمالات ثلاثة هي نعم وربما ولا، كان ذلك المقال أثناء الأزمة الأولى بين قطر ودول المنطقة، لله الحمد تغلبت الحكمة على المحنة في ذلك الوقت وعادت الأمور إلى نصابها، نعم تربطنا بأهلنا في قطر أواصر الرحم، فهم منا ونحن منهم، ولا تكاد توجد عائلة في قطر إلا ولها أهل من الدرجة الأولى في إحدى دول الجوار، لذلك لن تفرق سياسة الحكومة القطرية الشعوب. واضح أن هذه الأزمة لها علاقة بما قبلها، وهناك من يراقبها وربما يؤججها، وآخرون يسعون لإطفاء نيرانها. لعلي أذكركم بما غرد به الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» على «تويتر»: من الجيد رؤية سريان مفعول زيارتي إلى السعودية والقمة في الرياض مع 50 دولة بشأن تمويل الإرهاب، وقادة الدول الإسلامية قالوا إنهم سيتخذون موقفاً حاسماً ضد تمويل التطرف، وكل الإشارات كانت تدل إلى قطر. قد تكون هذه البداية لنهاية فظائع الإرهاب! كثيرون من حول العالم تنافسوا في تفسير أسباب هذه الأزمة لعلي أنقل لكم ما كتبه «جوناثان كريستول»، زميل في معهد (World Policy Institute) لموقع «CNN» حيث يرى في مقاله أن دور الرئيس الأميركي في الأزمة الخليجية القطرية قد لا يبدو واضحاً على الفور، إلا أن رؤيته لعالم عربي بقيادة السعودية متحد ضد إيران، هي فعلاً وراء هذا التوتر الدبلوماسي. أما صحيفة «The New York Times» فقد قالت إن أفعال قطر رمز يُدرّس في التناقضات، حيث تمتلك الدوحة علاقات جيدة مع إيران لكنها تستضيف قاعدة أميركية، كما أنها تساعد على محاربة «الحوثيين» المرتبطين بإيران في اليمن، وتدعم المتمردين الذين يقاتلون الأسد بسوريا. وترى الصحيفة أن محاولات قطر جعل نفسها وسيطاً يرضي الجميع في الصراعات المستعصية في المنطقة، انتهت في كثير من الأحيان بإغضاب جميع الأطراف، معتبرة أن قرار الدول العربية قطع علاقاتها مع الدوحة تسبب لها في أزمة مباشرة. ومن أسوأ الاحتمالات التي قد تتمخض عنها هذه الأزمة حسب موقع «Foreign Affairs» الذي نشر مقالاً لـ«Bilal Y. Saab» يقول فيه (إن أمامَ الأمير تميم بن حمد خيارين، أولهما أن يمتثل للعقل ولمطالب الدول العربية الأمر الذي سيكلفه علاقته بوالده وحلفائه. والثاني هو أن يعزز دوره من خلال العمل مع حلفاء والده وفك ارتباط بلده مرة واحدة وإلى الأبد من دول التعاون. وإنه إذا أصبحت قطر أكثر صداقة لإيران، فإنها ستؤكد ابتعادها عن دول مجلس التعاون). العالم كله يترقب القرار الذي ستتخذه الدوحة، أتمنى من أعماق قلبي أن يكون العقل ومصالح الجوار نبراساً لهذا القرار، أود أن أختم هذا المقال بتحية تقدير للجهود المخلصة التي يقوم بها صاحب السمو أمير الكويت رجل الحكمة في وقت المحنة. *أكاديمي إماراتي