دعا عدد من القيادات الأكاديمية في الدولة إلى التوسع في مفهوم الوقف التعليمي على الصعيد المجتمعي، بحيث تتجه أوقاف عدد كبير من العائلات والمؤسسات والأفراد إلى هذا القطاع الحيوي الذي يمثل مستقبل الوطن وقاطرة تنميته في مختلف المجالات. وأكد هؤلاء القادة أنه في الوقت الذي ما يزال الوقف التعليمي بعيداً عن المساهمة المجتمعية في الوطن العربي، فإنه في الغرب يمثل إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها النهضة التعليمية هناك، حيث تبلغ ميزانية الوقف المخصص لجامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأميركية، حسب إحصاء العام الماضي، 40 مليار دولار وهي تزيد بصورة سنوية. وأكد الدكتور سعيد حمد الحساني مدير عام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن الوقف التعليمي أصبح في الآونة الأخيرة إحدى الركائز الأساسية في استراتيجيات تطوير التعليم والجامعات بصورة خاصة، وهناك جهود حثيثة تبذلها مؤسسات التعليم العالي للانطلاق بالجهود المجتمعية نحو الوقف التعليمي، خصوصاً فيما يتعلق بتخصيص كراسي أكاديمية تحمل أسماء عائلات وأفراد ومؤسسات وطنية. وقال الدكتور عبدالله الخنبشي مدير جامعة الإمارات إن اتجاه المجتمع نحو الوقف التعليمي لا يقلل من دور الدولة في رعايتها لقطاع مهم مثل التعليم العالي، بل إن مساهمة المجتمع في مشاريع الوقف التعليمي تجعل من الجميع شركاء في المسؤولية الاجتماعية تجاه التعليم العالي وتطويره وتوفير الموارد التي تمكن الجامعات من تأسيس قواعد وطنية من الكوادر المتخصصة في مختلف المجالات وكذلك قواعد متخصصة في البحث العلمي. وأشار الدكتور الخنبشي إلى أن الجامعة بصدد طرح استراتيجية شاملة للوقف التعليمي تتيح الفرصة لأبناء المجتمع بالقيام بواجبهم تجاه خدمة الجامعة والنهوض بمرافقها الحيوية، ورد الجميل لها كجامعة أم انطلقت من خلالها منارات النهضة الحضارية التي تشهدها الدولة، إذ لا يوجد بيت في مختلف أرجاء الوطن إلا ويسطع فيه نور جامعة الإمارات. من جانبه، أكد الدكتور طيب كمالي مدير كليات التقنية العليا أن الكليات دشنت قبل عامين صندوقاً للمنح المالية ويتيح هذا الصندوق لرجال الأعمال والمؤسسات المشاركة في تأسيس برامج أكاديمية متطورة تخدم المجتمع ويطمح الصندوق للوصول إلى تمويل بقيمة 100 مليون درهم لهذه البرامج يتم وقفها من قبل مؤسسات مجتمعية وأفراد. وقال علي سعيد بن حرمل الظاهري رئيس مجلس جامعة أبوظبي التنفيذي إن الجامعة طرحت استراتيجية للوقف التعليمي وهناك مجلس أمناء لصندوق المانحين بها ويضم المجلس في عضويته عدداً من القيادات المجتمعية البارزة من مختلف القطاعات، وقدمت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة الاتحاد النسائي العام أول مساهمة وطنية في هذا الصندوق ضاربة المثل كعادة سموها في العطاء الوطني والمجتمعي. عمل وطني وثمن الدكتور سليمان الجاسم مدير جامعة زايد دعم ومساندة فرج علي بن حمودة رئيس مجلس إدارة “مجموعة بن حمودة” في تأسيس أول كرسي أستاذية بالجامعة، حيث تبرعت المجموعة بمبلغ 10 ملايين درهم لتأسيس الكرسي في الصحة العامة، مشيراً إلى ما يمثله هذا التبرع من عمل وطني بكل المقاييس ونموذج رائد للمسؤولية الاجتماعية المخلصة تجاه الوطن ومستقبل أبنائه، حيث إن هذه المبادرة ستتيح للجامعة العمل على استقطاب الأساتذة والباحثين المرموقين على مستوى العالم في الصحة العامة للاستفادة من خبراتهم في مجال التدريس والبحث العلمي، إضافة إلى كونها حجر الأساس في خطة واستراتيجية الجامعة لتأسيس نخبة من مبادرات الوقف التعليمي لأول مرة في جامعة حكومية على مستوى الدولة. النساء والوقف من جانبه، أكد الدكتور نصر عارف رئيس قسم الدراسات الإسلامية بالجامعة أن تاريخ التعليم في العالم بدأ بالأوقاف، فأول جامعات نشأت في تاريخ البشرية كانت في العالم الإسلامي وتأسست على الأوقاف التي أنشأها المجتمع خصوصاً النساء، فجامعة القرويين التي أنشأت منذ 1155 عاماً قامت على وقف أنشأته السيدة فاطمة الفهرية وعندما رجع الأوروبيون من الحروب الصليبية حاولوا نقل ما وجدوه من مؤسسات وأفكار ونظم إلى المجتمعات الأوروبية الغارقة في التخلف والظلام في ذلك الوقت، وكانت فكرة الأوقاف أول ما نقلوه. وأشار عارف إلى أن أول وقف في التاريخ الأوروبي تم تأسيسه العام 1254 وأنشأه مستشار الملك جورج الثالث السير دي ميرتون، وكانت تلك بداية جامعة أوكسفورد، إضافة إلى أن نص وثيقة الوقف منقول حرفياً من وثائق الوقف الإسلامية، ومن هنا بدأت الجامعات الأوروبية تتصاعد بالأوقاف، مضيفاً أنه عندما نشأت جامعة القاهرة العام 1904 أنشأتها السيدة فاطمة بنت إسماعيل باشا بالتعاون مع رجل الأعمال مصطفى كامل الدجوي، وجادت الأميرة فاطمة بمجوهراتها وحليها الثمينة لتأسيس هذه الجامعة التي أصبحت منارة في الوطن العربي والعالم. مستقبل الأجيال وأشارت صفية سعيد الرقباني رئيس شؤون التطوير وعضو اللجنة المشرفة على الصندوق الوقفي بالجامعة إلى أن مبادرة تأسيس “كرسي بن حمودة في الصحة العامة” تأتي ضمن الخطة الاستراتيجية للجامعة للعمل على تأسيس نخبة من كراسي الأستاذية في مختلف المجالات لإنشاء الصندوق الوقفي لجامعة زايد والذي يهدف إلى تشجيع مختلف مؤسسات التعليم العالي على الاتجاه للوقف التعليمي والارتقاء به لما له من دور في ادخار الفائض في الزمن الحالي لحفظ مستقبل الأجيال المقبلة، حيث سيكون الصندوق الوقفي للجامعة تجسيداً حياً لشراكة حقيقية وفعالة بين المجتمع وبين جامعة زايد، وتعبيراً قوياً عن التفاف الهيئات والمؤسسات والأفراد حول رسالة الجامعة التي تتشرف بأن تحمل اسم الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد طيب الله ثراه. ولفت الدكتور مايكل ألن عميد كلية الآداب والعلوم بالجامعة إلى أن “كرسي بن حمودة” في الصحة العامة سيكون له تأثير كبير على تطوير مستوى برامج الصحة العامة في جامعة زايد والارتقاء بها بما يتوافق مع نظيراتها في الجامعات المرموقة حول العالم، خصوصاً في مجال البحث العلمي، حيث إن قضايا الصحة العامة من أهم القضايا التي تواجه دولة الإمارات والعالم اليوم.