منذ اللحظة الأولى التي اندلع فيها القتال في سيناء والجولان، أعلن الشيخ زايد رحمه الله أن دولة الإمارات تقف بكل إمكاناتها مع مصر وسوريا في حرب الشرف، من أجل استعادة الأرض العربية المغتصبة. وفي حرب أكتوبر العام 1973 خرج زايد الرجل العربي المسلم بوقفته التاريخية المشهودة مطلقا صيحته المدوية متجاهلا كل التهديدات الغربية "إن الذين قدموا دماءهم في معركة الشرف قد تقدموا الصفوف كلها، وإن النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي، إننا على استعداد للعودة إلى أكل التمر مرة أخرى، فليس هناك فارق زمني كبير بين رفاهية البترول وبين أن نعود إلى أكل التمر". واقتحم المعركة بالسلاح الجبار الذي يملكه، فبادر بكل شهامة إلى قطع النفط عن الدول المساندة لإسرائيل وتبعته باقي الدول العربية المصدرة للنفط، مما شكل ضغطاً فاعلاً على القرار الدولي بالنسبة لهذه الحرب. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده زايد أثناء المعركة سأل أحد الصحفيين الأجانب سموه "ألست خائفا من الدول الكبرى، لقد كنت أول من قطع النفط عن الولايات المتحدة"؟ ولم يصنع السؤال مفاجأة فأجاب رحمه الله على الفور: "إننا لا نخاف من أحد، وإذا تسلل الخوف إلى قلوبنا فإننا لن نقاتل دفاعاً عن شرفنا، ونسترد حقوقنا المسلوبة، إن أغلى شيء يملكه الإنسان هو روحه والأرواح بيد الله عز وجل. إن إسرائيل توجه صواريخها إلى الأرض العربية، وتتمركز فيها منذ أكثر من 30 عاماً، والولايات المتحدة تساندها وتدعمها بالسلاح الذي يصل إليها براً وبحراً وجواً وبالمال الذي يدفع لها من الخزانة الأميركية كل يوم بلا حساب، فإلى متى نخاف ونحسب ونخطط ونخشى الخطر؟" وبقي المغفور له يؤكد في كل مناسبة أن العالم العربي كله لا يسعى إلى الحرب، وإنما يسعى في نضاله ضد إسرائيل إلى استعادة الحق الذي اغتصبته دون وجه حق أو سند قانوني، مؤكدا في كل مرة: "نحن ندافع عن أرضنا التي عشنا عليها منذ آلاف السنين، ولم نترك باباً واحداً للسلام إلا وطرقناه، نحن أصحاب حق ونرى أن كل إنسان على هذه الأرض يجب أن يحظى بالاحترام و الشعور الإنساني الذي يرفض الظلم ويتطلع إلى العدالة". وتأكيداً لمبادئ زايد في رأب الصدع ولم الشمل وتوحيد الصفوف وإنهاء الخلافات بين الأشقاء، دّوى صوته منادياً بعودة مصر إلى الصف العربي في قمة عمّان في أكتوبر 1987، وبادر إلى إعادة العلاقات مع جمهورية مصر العربية في خطوة رائدة لدعم التضامن العربي. رجل المواقف.. وحدة المصير حلمه والحكمة المتوازنة نهجه أبوظبي (الاتحاد)- بفكر متوازن حر وحكمة راسخة، نظر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله إلى الاتحاد كلبنة أولى في بناء أمة قوية، انطلقت من الكيان المحلي ووثبت نحو سماء الحرية والوحدة الإقليمية والعربية. وانطلاقا من الذاتي إلى العام، كان فكر المغفور له دائم البحث عن سلام حقيقي، وجده أولاً في اتحاد الإمارات العربية التي عبر عن قيامه بمقولته الشهيرة والتي سكنت كل قلب "ليس لدي أغلى من لحظة قيام اتحاد الإمارات". دفعه ذلك فيما بعد إلى السعي الحثيث لوحدة إقليمية، فعربية ، قامت على أسسها الرصينة سياسة الإمارات العربية المتحدة الخارجية. آمن الشيخ زايد في مجال السياسة الخارجية إيماناً راسخاً وثابتاً بالتضامن العربي، والتعاون بين الشعوب، على قاعدة الصداقة والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وارتكزت فلسفته الخاصة بالعلاقات الدولية على فرضية حاجة كل دولة كبيرة أو صغيرة إلى التعامل مع بعضها بعضاً، لمواجهة المشكلات التي تعترض مسيرة البشرية، وحلها بعيداً عن لغة المواجهة والعنف والصراع. اكتسب رحمه الله خبرة ودراية واسعتين في الشؤون الدولية، من خلال كونه حاكماً لإمارة أبوظبي مدة تزيد عن 35 سنة، ورئيساً للدولة لمدة تزيد عن ثلاثين سنة كذلك، كرسها لمصلحة شعبه وبلده، والقضايا الإقليمية والدولية، وتجلى ذلك من خلال مساعيه المتواصلة، وجهوده المستمرة في حل هذه القضايا، بحكمة وبعد نظر عرف بها. وتكشف نظرة سريعة إلى المكانة المرموقة التي احتلتها دولة الإمارات العربية المتحدة، على الساحتين العربية والدولية، في عهد الشيخ زايد رحمه الله، بوضوح رؤية سموه الثاقبة وأفقه السياسي الواسع، ومن قاعدة خليجية عربية موصولة بالعالم الإسلامي، غير منعزلة عن دول العالم وشعوبه، تصادق في شرف، وتتعاون في كرامة، وتناصر مبادئ المساواة والعدل، وحق الشعوب في تقرير مصيرها. وانطلاقا من إيمانه بأسلوب الحوار لحل المشاكل والنزاعات بين الدول، عالج بحكمة قضية جزر الإمارات الثلاث التي تحتلها إيران منذ العام 1971، واتبع نهجاً سلمياً ودبلوماسياً مرناً لإنهاء احتلال إيران للجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، بالوسائل السلمية عن طريق المفاوضات الجادة والمباشرة أو إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية. وحظي هذا النهج بقبول ودعم من دول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية والمجتمع الدولي والدول الشقيقة والصديقة. وجه الشيخ زايد رحمه الله نظره إلى جواره الإقليمي، وقادته حكمته إلى ضرورة قيام كيان إقليمي، يعزز قوة دولة في مواجهة خطر الدول الطامعة بالثروة الخليجية. وانطلقت مبادئه من وشائج الدين والقربى والجوار والآمال الواحدة والمصالح المشتركة. وساهم المغفور له بشكل فاعل في تطوير آليات العمل الخليجي، ونظر إلى هذا التكوين الإقليمي استناداً إلى اعتبارات أمنية صرفة عضدتها الأحداث اللاحقة، خصوصاً في مطلع عقد تسعينات القرن الماضي. ترسخت في ذهن سموه فكرة التعاون الخليجي كضرورة يفرضها الواقع الجيوسياسي لتكون بمثابة واجهة سياسية واقتصادية في تلك الفترة بالغة الحرج، وبشكل أساسي كانت ضرورة للتصدي للأطماع على منطقة الخليج العربي في إطار سياسي وليس حلفاً عسكرياً. واضطلعت الإمارات في عهده، مع أشقائه في الكويت بعرض فكرة إنشاء استراتيجية خليجية مشتركة للتعاون في جميع المجالات على قادة دول الخليج العربية الست، وكان التصور يبنى على تقوية الروابط بين هذه الدول في كل المجالات السياسية والاقتصادية والنفطية والثقافية والعسكرية في إطار تنسيق مشترك تجمعه استراتيجية شاملة. وانطلاقاً من هذه الرؤية، أطلقت أبوظبي في عهده المساعي لاستضافة أول قمة لـ"مجلس التعاون الخليجي" في الفترة من 25 – 26 مايو 1981، ويعد هذا الاجتماع المؤتمر التأسيسي للمجلس حيث تم فيه التصديق النهائي على النظام الأساسي، مما شكل البداية القانونية له. وأصدرت الدورة الأولى للمجلس الأعلى "إعلان أبوظبي" الذي أكد أن قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية كـ"استجابة للواقع التاريخي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي والاستراتيجي الذي مرت وتمر به منطقة الخليج العربي وأن التضامن الطبيعي الذي يربط البلاد العربية في الخليج حري به أن يظهر في إطار مشترك يجسد كل الخطوات الإيجابية والفعالة الثنائية والجماعية التي اتخذت حتى الآن لصالح شعوب المنطقة" وفقا لنص الإعلان. وبحث المجلس في هذه الدورة التعاون العسكري وقرر دعوة وزراء الدفاع للاجتماع لتحديد الأولويات التي تحتاجها دولة من أجل تأمين استقلالها وسيادتها. وفي فبراير عام 1981، عقد في الرياض مؤتمر ضم وزراء خارجية دول الخليج وهي: دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة البحرين، المملكة العربية السعودية، سلطنة عُمان، دولة قطر، دولة الكويت، حيث تم مناقشة خطة العمل لقيام الكتلة الإقليمية الخليجية. العراق .. مواقف مشهودة ومبادرة سلام لم يناقشها العرب أبوظبي (الاتحاد) - وقف رجل المبادئ والمواقف وقفة مشهودة ضد غزو النظام العراقي للكويت الشقيقة في أغسطس عام 1990، فاستنكر العدوان، ووقف ضد الاحتلال، وبتوجيهات من سموه فتحت الإمارات ذراعيها بكل الحب والترحاب للأسر الكويتية التي قدمت إلى وطنها الثاني الإمارات، وشاركت القوات المسلحة الباسلة في معركة تحرير الكويت بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة. لكنه بالمقابل وبعد تحرير الكويت تعامل بشفافية كبيرة مع الأزمة التي نشبت بين العراق والأمم المتحدة حول التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، وأكدت الإمارات باستمرار رفضها لاستخدام القوة ولأي عمل عسكري ضد العراق. تضامنت دولة الإمارات في عهد المغفور له مع شعب العراق وساندته في المحن التي مر بها قبل الحرب وفي أثنائها وبعدها ودعمت جهود قادته وأبنائه في إعادة بناء دولتهم واسترداد سيطرتهم على وطنهم ومقدراته وشؤونه كافة. فأمام التداعيات السلبية للحصار الذي فرض على العراق، بلغت قيمة المساعدات الإنسانية التي أرسلتها جمعية الهلال الأحمر لدولة الإمارات إلى الشعب العراقي في أواخر عام 1996 ما يناهز 10 ملايين درهم إماراتي. وبقيت سياسة الدولة هادئة وحكيمة ومتزنة تسعى لتثبيت معادلات الاستقرار والأمن في المنطقة أثناء بروز أزمة العراق، وليس أكثر دلالة على هذا، ما عرف "بمبادرة زايد" قبيل الحرب على العراق عام 2003، لتجنيب الشعب العراقي أولاً والمنطقة برمتها ويلات العدوان، والتي ما يزال العراقيون يعيشون فصولها المريرة القاسية، وكان أخطرها تهديد اندلاع حرب أهلية وتقسيم العراق، مما سيهدد أمن المنطقة برمتها. وتوجه المغفور له بالنصح إلى القيادة العراقية بتلافي الأسباب التي قد تؤدي إلى تصعيد المواقف، وبما يعرض العراق إلى ضربة عسكرية لا تحمد عقباها. وعندما تأزم الموقف ولاحت نذر الحرب، بادر سموه إلى تجنيب الشعب العراقي ويلات الحرب والدمار، وتوجه بمبادرة إلى مؤتمر القمة العربية الذي كان منعقداً في مدينة شرم الشيخ بمصر في الأول من مارس 2003، دعا فيها القادة العرب إلى مطالبة الرئيس العراقي السابق بالتنحّي عن الحكم لتجنيب العراق وشعبه ويلات الحرب. ونصت المبادرة على النقاط الرئيسية التالية: أولاً: أن تقرر القيادة العراقية التخلي عن السلطة وتغادر العراق، على أن تتمتع بكل المزايا المناسبة، وذلك في غضون أسبوعين من تاريخ القبول بالمبادرة العربية. ثانياً: تقديم ضمانات قانونية ملزمة محلياً ودوليا،ً للقيادة العراقية بعدم التعرض لها أو ملاحقتها بأي صورة من الصور. ثالثاً: إصدار عفو عام وشامل عن كل العراقيين داخل العراق وخارجه. رابعاً: تتولى جامعة الدول العربية، بالتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة، الإشراف على الوضع في العراق لفترة انتقالية يصار خلالها إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات من أجل عودة الأمور إلى حالتها الطبيعية وفق ما يرتئيه الشعب العراقي الشقيق. ولم تطرح مبادرة المغفور له على القادة العرب، كما رفضتها القيادة العراقية واعتبرتها تدخلاً في شؤونها الداخلية، وفقد العرب بذلك "آخر أمل لحلٍ عربي للأزمة العراقية". وطرحت دولة الإمارات مبادرة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة في شهر مارس 2003 على المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وعلى مؤتمر القمة الإسلامي في الدوحة. لبنان .. شراكة في التحرير ودعم غير محدود أبوظبي (الاتحاد) - أكدت دولة الإمارات منذ اندلاع الأزمة اللبنانية العام 1975، وما أعقبها من إفرازات وتداعيات، دعمها المطلق لسلامة لبنان ووحدة أراضيه وسيادته وعروبته، وقد حددت موقفها من هذه الأزمة وفق أسس ثابتة، لدعم لبنان مادياً ومعنوياً للمحافظة على طابعه العربي الأصيل. وسعى الشيخ زايد رحمه الله إلى مساعدة اللبنانيين وفق ذلك التصور على بسط سيطرة السلطة اللبنانية على جميع أراضي لبنان، مع التأكيد على وحدة لبنان أرضاً وشعباً، يرافقها الاستعداد للمساهمة في إعادة تعمير لبنان. وتفعيلاً لهذه الثوابت التي وضعها المغفور له، شاركت دولة الإمارات العام 1977 في قوات الردع العربية لحفظ الأمن في لبنان. ولم تترك سانحة إلا ودعت فيها المجتمع العربي والدولي إلى العمل على إنقاذ لبنان من محنته. واعتبر الشيخ زايد رحمه الله الحرب في لبنان ضد مصلحة الأمة، ودعا في أكتوبر 1980 إلى عقد قمة عربية لإنقاذ لبنان مما يعيش فيه من حرب ودمار وفرقة. وحين وصلت الأزمة اللبنانية إلى ذروتها في سبتمبر العام 1988، حيث لم يتمكن مجلس النواب اللبناني من الانعقاد لانتخاب رئيس جديد للبلاد، أطلق الشيخ زايد رحمه الله مبادرته الشهيرة التي دعا فيها إلى تحرك عربي فوري لإنقاذ لبنان ومساعدته على الخروج من محنته. وأعرب طيب الله ثراه في حديث لجريدة الأنوار اللبنانية نشرته يوم 17 نوفمبر 1990 في أعقاب بدء سيطرة الدولة على لبنان عن ثقته بأن لبنان على أبواب السلام والنجاة بعد محنته الأليمة التي دامت 15 عاماً، داعيا الحكومة والمسؤولين اللبنانيين إلى التركيز على دعم الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية وتقويتها وتعزيزها، وخلق مزيد من أجواء التهدئة بين المواطنين مما يؤدي إلى استتباب الأمن وعودة الأمور إلى طبيعتها وبسط سيادة الدولة ومواجهة المعرقلين للسلام وتوحيد لبنان بقوة سيادة رادعة. وقدمت الإمارات دائماً منذ عهده دعمها للبنان في مسيرة البناء والتعمير وإعادة تعمير ما تم تخريبه من قبل العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني، وأوفدت عدداً من كبار المسؤولين ومديري الدوائر إلى الجنوب اللبناني يوم 30 مايو 2000 للاطلاع على احتياجات الشعب اللبناني وتقديم “ما يمليه علينا الواجب الوطني والقومي تجاه أشقاء عانوا طويلاً من جراء الاحتلال الإسرائيلي المدمر”. ووقعت مع الجمهورية اللبنانية في 25 أكتوبر 2001 في بيروت على الاتفاقية الخاصة بتنفيذ مشروع التضامن الإماراتي بجهود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه، لإزالة الألغام في جنوب لبنان بالتعاون مع الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية، بتكلفة قدرها 50 مليون دولار أميركي، لإزالة نحو 130 ألف لغم موزعة في عشرات القرى في الجنوب اللبناني. كما أزالت القوات المسلحة 62 ألفاً من الألغام والذخائر غير المتفجرة في نحو 92 بلدة. واعتبر لبنان حكومة وشعباً إن دولة الإمارات عبر هذه الخطوة التاريخية باتت شريكاً في تحرير الجنوب اللبناني، كما هي شريكة في التنمية وإعادة أعمار ما هدمه الاحتلال الإسرائيلي