يحزم الطالب عبدالله خليفة الرميثي حقائبه استعداداً للانطلاق إلى ألمانيا للتخصص في الهندسة المدنية، مختاراً فرع بناء الجسور البحرية، بعد أن أمضى فترات الدراسة غارقاً في تنفيذ المشاريع العلمية التي استهوته فترك لمدرسته تجاربه العلمية ومنها «مقياس الضغط الجوي» بواسطة الماء لا الزئبق الذي عمل على تنفيذه لمدة سنتين ونصف السنة مجرباً لعدة مرات في الأوقات التي أُتيحت له فيها إقامة هذه التجارب، أي خارج الدوام الرسمي وخلال الصيف، الأمر الذي رأى فيه الرميثي تقصيراً حيال الطلاب الراغبين في إقامة التجارب العلمية، حيث إن المنهاج يولي الوقت الأساسي للمواد النظرية ويبقى للمواد التطبيقية حيزاً ضيقاً، لا بل خانقاً بالنسبة لطالب مثل الرميثي يرغب في المواد التطبيقية ويفضل تمضية الوقت في التجارب العلمية. يشير الرميثي لدى حوارنا معه في باحة مدرسته التي تخرج فيها وعاد إليها خلال هذا الصيف ليكمل مشروعه العلمي الذي نفذه في باحة الملعب الداخلي، إلى ضرورة منح الطلاب الحيز والدعم الكافيين لإقامة التجارب والابتكار، فكانت مناسبة لتسليمه شهادة تقدير تكريمية من مدرسة الاتحاد النموذجية في أبوظبي. النظري والتطبيقي يقول: «لا تزال المناهج العربية بشكل عام تولي الجانب النظري في المواد أهمية أكبر من التطبيقي؛ لذا فإن تطبيق ما تعلّمته في النظري لن يأتي الأول من نوعه، فأنا استند إلى المادة النظرية لاختيار ما أريد تنفيذه وتطبيقه على الأرض، فالمواد النظرية لا تتناول مثلاً كيفية تطبيق بارومتر الماء إنما تشير إليه. ولهذا السبب قررت خوض مغامرة جديدة (لديه باع طويل في المغامرات العلمية التطبيقية) وبدأت العمل على الأرض». يضيف: «الأنبوب الذي سترتفع إليه الماء والذي يتم تفريغه من الهواء، كانت له حكاية وحده، إلى أن توصلت عبر التجربة والفشل ومحاولة تصحيح الأخطاء، إلى اختيار نوعية معينة للأنبوب لا يؤثر فيها تفريغ الهواء فيبقى قطره مستوياً، وذلك بفضل الحدائد الدائرية التي تحافظ على قطر الأنبوب البلاستيكي. وقد استغرق ذلك بعض الوقت لإيجاد أن هذه النوعية من الأنابيب هي الأفضل، كما استغرق إيجاد قفل خاص بعض الوقت وقد وجدت طلبي المناسب في ألمانيا، إنما سعيت لتجربة المتوافر إلى أن وجدت الحل شبه المثالي». مشروع الحاضنة بدأت الامتحانات للعام الدراسي السابق، فانصرف الرميثي إلى الدراسة للتقدم إلى الامتحانات، ونال نتيجته المرجوة، وكان بوسعه أن يمضي صيفاً جميلاً قبل التوجه إلى ألمانيا للدراسة، لكنه آثر إنهاء مشروعه مهما كلّفه ذلك من جهد ومال، يقول: «وفر لي والدي الدعم وأنا بدوري تمكنت من إدارة مصاريفي لأتمكن من الصرف على تجاربي، وتوصلت في المقابل إلى تنفيذ الكثير من المشاريع العلمية إذا نظرنا إلى كلفة تلك التي نجحت، نجد أنها أبخس ثمناً بأشواط من تلك التي نشتريها من السوق». ومن المشاريع التي نفذها الرميثي: حاضنة للبيض، تسع 29 بيضة أو 30، وتحتاج من 21 إلى 23 يوماً لتفقيس البيض. ويشرح المشروع قائلاً: «نجحت المحاولة الخامسة من تجربة تنفيذ الحاضنة أما تكلفتها فلم تتجاوز أربعين درهماً، في حين أن الحاضنات المتوسطة الحجم والتي تسع نحو 12 بيضة، بالوسع شراؤها من السوق بكلفة 400 درهم. وثمة حاضنات تسع أكثر من 12 بيضة، تصل كلفتها إلى 700 درهم وأكثر». الاعتماد على النفس يُسعد الرميثي تنفيذ المشاريع العلمية، وكان منذ الصغر يميل إلى الابتكار، إذ إن والده -بحسب قوله- علّمه أن يقوم بخدمة نفسه والاتكال على قدراته، ويقول عبدالله: «تعود الكثير النظر إلى الإماراتي على أنه يجلس وينام ولا يقوم بأي عمل، إنما يوظف الخدم لتلبية متطلباته! أنا أريد أن أثبت أن هذه النظرة خاطئة، فالوالد علمنا في المنزل أن علينا خدمة الضيف وليس مناداة الخدم لإكرام ضيفنا. كما تعلمت الزراعة في الأرض وتصليح بعض الآلات في المنزل. وهذا جعلني منذ الصغر أعتمد على نفسي، وفي كل مرة يتعطل شيء في المنزل، أحاول البحث عن العطل وتقييم إذا ما كان في وسعي إصلاحه قبل اللجوء إلى الصيانة، وفي غالب الأحيان يكون العطل بسيطاً ولا يحتاج للاتصال بالشركة كي تقوم بإبدال القطعة المطلوبة كي تسير الآلة». ويعبّر الرميثي عن أسفه لسماع كثيرين يقولون إن راتب 20 ألف درهم لا يكفي عائلة إماراتية، معتبراً أن هذا الراتب لن يكفي أي عائلة إذا كان كل أفرادها لا يقومون بأمور بسيطة بالوسع القيام بها والتوفير والتمتع بتعلّم شيء جديد. جهد ووقت ومال ما تعلّمه الرميثي من والده منذ الطفولة، تحوّل فيما بعد إلى انكباب على تنفيذ المشاريع العلمية في المدرسة، وفي ذلك يقول الرميثي: «في البداية، لم أكن متحمساً للمواد التي أدرسها، ولكن مع التجربة التطبيقية الأولى شعرت أن بوسعي القيام بأكثر مما أقوم به، وكرّت السبحة من إذاعة تلتقط البث ببطاقة داخلية لا خارجية (من دون بطاريات أو وصلة إلى التيار الكهربائي) إلى حاضنة البيض، إلى بارومتر الماء (قياس الضغط الجوي بواسطة الماء) ومشاريع متنوعة لا يخلو مختبر في المدرسة إلا واحتوى على أحد هذه المشاريع التي عملت عليها غير مكتف بمجرد التجربة، إنما مصمم على إنجاحها مهما كلّفني ذلك من صرف مال وجهد ووقت».