واصل الذهب صعوده إلى ذروة جديدة إلى ما فوق مستوى 1100 دولار للأوقية (الأونصة ) الأسبوع الماضي كنتيجة لاستمرار ارتفاع الثقة في المعدن النفيس بعيد القرار الذي اتخذته الهند بشراء 200 طن من السبائك الأسبوع الماضي. ويعتقد بعض المحللين أن عملية الشراء الهندية من صندوق النقد الدولي يمكن أن تترجم في ذروة جديدة للتعاملات في المعدن الأصفر البراق تماماً كما أدى القرار البريطاني سيئ الحظ قبل عقد من الزمان إلى تحديد نقطة سفلية متدنية، إلا أن البعض الآخر أعرب عن ثقته بأن الأسعار سوف تستمر في الصعود إلى مستويات أعلى من ذلك بكثير. وبموجب الارتفاع القياسي الجديد في تعاملات الأسبوع الماضي بسعر 1100,90 دولار للأوقية فقد قفز سعر السبيكة بمعدل بلغ 336 في المئة منذ أن بلغ أدنى مستوى له في 20 عاماً بسعر 252,30 دولاراً في أغسطس 1999. وأحد أهم العوامل التي استمرت توفر الدعم والإسناد للأسعار تمثلت في تغير سلوك البنوك المركزية التي أخذ البعض منها يعتبر شراء الذهب وسيلة للتنوع بعيداً عن الدولار وممتلكاتها من سندات الحكومة الأميركية. ولوقت طويل ظلت البنوك المركزية في كافة أرجاء العالم مجرد باعة للذهب، إلا أن هذا الأمر قد انقلب فيما يبدو رأساً على عقب بعد أن تبين في أوائل هذا العام ان احتياطيات الصين من الذهب قد ازدادت إلى أكثر من ضعفها تقريباً، بل حتى ان دولة مثل سريلانكا أصبحت ناشطة في عمليات شراء الذهب وان كان بكميات أكثر تواضعاً، والآن فإن هنالك العديد من الشائعات والتوقعات التي راجت الأسبوع الماضي بأن الصين ربما تعمد الى اقتناص كمية الـ203 أطنان من الذهب الباقية في حوزة صندوق النقد الدولي، وكذلك فقد تم ترشيح البرازيل كمشترٍ محتمل لكمية من الذهب. ولاحظ مايكل لويس استراتيجي السلع في مصرف “دوتش بانك “أن غالبية البنوك المركزية في العالم النامي لديها ذهب عند مستوى يقل عن 10 في المئة من احتياطياتها. ويقارن لويس هذه القائمة مع قائمة كبار المحتفظين بالسندات الأميركية الذين أصبح لديهم حافز كبير للتنوع عبر شراء الذهب “في ظل المخاطر التي لا يمكن تجاهلها التي ينطوي عليها الدين الأميركي وكذلك الناجمة عن أزمة العملات”، لذا فقد أصبحت دول الصين واليابان وروسيا وتايوان والهند وسنغافورة والبرازيل وكوريا الجنوبية جميعها مرشحة بقوة لزيادة ممتلكاتها من السبائك الذهبية، إذ يقول لويس “نتوقع أن تصبح البنوك المركزية في المتوسط مشترية بالكامل للذهب في خلال العام المقبل ولأول مرة منذ العام 1998”. ولعل التغير الذي حدث في سلوك البنوك المركزية واندفاعها نحو شراء الذهب، يعكس التحولات المماثلة التي حدثت في أوساط المنتجين والمضاربين في خلال فترة العقد الماضي، إذ يشير ستيف ايليس مدير صندوق التمويل في مؤسسة “آر ايه بي كابيتال” إلى أن منتجي الذهب في أواخر حقبة التسعينات استمروا يعانون من نقص مقدر في كميات الذهب كنتيجة لاتفاقيات البيع الآجلة بينما اتسمت صناديق التحوط بنقص صافي مدخراتها من الذهب. ويضيف “أما الآن فعلى العكس من ذلك تماماً بات يحدث بعد أن ارتفع الطلب كثيراً على المعدن النفيس”، وبالإضافة لذلك فقد أصبح من المرجح أن تتسم الأسعار بالمزيد من القوة بحسب الوفود التي حضرت مؤتمر لندن لاتحاد سوق السبائك الذهبية الأسبوع الماضي. وفي استبيان جرى بين الحضور، توقعوا أن تصل أسعار الذهب إلى مستوى 1181 دولاراً للأوقية بحلول سبتمبر 2010،. أما في سوق الخيارات فإن هنالك عدد كبير من حقوق الشراء بأسعار عالية في مستوى 1200 دولار للأونصة، إلا ان حقيقة ان المشاعر في السوق أصبحت تمثيل بشكل عام إلى التشاؤم قد أدت إلى إثارة المخاوف في أوساط بعض المستثمرين. ولكن نقطة الضعف الحقيقية بالنسبة للذهب باتت تتمثل في سوق المجوهرات الذي أسهم بنسبة بحوالي 57 في المئة من إجمالي الطلب على الذهب في العام الماضي، فقد حدث انخفاض بنسبة 22 في المئة عاماً بعد عام في الطلب العالمي على المجوهرات في الربع الثاني من العام، واستمر السوق الهندي للمجوهرات الأكبر من نوعه في العالم يشكل المخاوف على وجه الخصوص حيث انخفضت مشتريات المجوهرات الخاصة بمناسبات الزواج في هذا العام إلى مستويات متدنية تبعها تراجع بمعدل 31 في المئة في الطلب الهندي في الربع الثاني من العام. وبات بعض المتعاملين يتخوفون من أن السوق الهندي أصبح يشهد تحول هيكلي بعد أن أضحى مصنعو المجوهرات التقليدية يواجهون منافسة متزايدة على أموال المستهلكين من قبل المصممين الجدد للمجوهرات والسيارات وسائر أنواع الأجهزة وهواتف المحمول، إلا أن هنالك مؤشر يدل على تراجع أيضاً في مبيعات الذهب في قطاع التجزئة في الغرب والذي انعكس في القرار الذي اتخذته سلسلة محال “هارودز” المشهورة في لندن الشهر الماضي بالشروع في بيع الذهب الى المستهلكين بالتجزئة، إذ يقول كريس هول رئيس قسم السبائك الذهبية في متاجر هارودز “لقد أصبحنا مسرورين بمستوى الطلب حتى الآن بعد أن شهدنا سرعة في التعاملات في كل يوم”. وأشار إلى ان زبائن محلات هاردوز أصبحوا يعربون عن اهتمام متزايد بالسبائك وبقدر أكبر بكثير من المسكوكات الذهبية، مشيراً إلي أنه “لقد أصبحنا نشهد المزيد من المشترين الجدد الذين لم يستثمروا في الذهب من قبل بالاضافة الى كبار المستثمرين السابقين، ونعتقد بأن الطلب أضحى الى ارتفاع”. وفي نيويورك، يقول ميشيل كرامر رئيس شركة “ام تي بي” المتخصصة في بيع الذهب “لقد أصبح 85 في المئة من زبائننا من المشترين، ولم يكن من المعتاد عليهم أن ينفقوا أموالاً ما بين 10 و50 ألف دولار من أجل شراء الذهب في السابق وهم يشاهدون الصعود المستمر في الأسعار”. أما المستثمرون في صناديق تعاملات وتبادلات الذهب والتي أصبحت أحد أكبر العوامل التي ساعدت أيضاً على ارتفاع الأسعار منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية فقد باتت أيضاً توفر الدعم والإسناد للسوق، فقد ارتفع اجمالي كميات الذهب في هذه الصناديق بمعدل بلغ 46.3 في المئة في هذا العام الى مستوى قياسي تقريباً بلغ 1748,3 طن أي أقل فقط بمقدار 13,2 طن من مستوى الذروة الذي بلغه في منتصف أكتوبر الماضي، ولقد ازدادت أيضاً كميات معادن البلاتينيوم والبالاديوم والفضة التي تحتفظ بها هذه الصناديق الاستثمارية بالقرب من مستوياتها القياسية. عن “الفاينانشيال تايمز”