مجدي عثمان (القاهرة) قال المستشرق الإنجليزي «هاتير لويس» واصفاً أقدم القباب الإسلامية «قبة الصخرة» في القدس «66/‏‏ 72هـ»، والتي رصد لبنائها الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان خراج مصر لسبع سنين: «إن مسجد الصخرة بلا شك أجمل الأبنية الموجودة فوق هذه البسيطة، لا بل إنه أجمل الآثار التي خلدها التاريخ»، ويرتفع فوق القبة هلال ضخم، والقبة الحالية ترجع إلى عهد الخليفة الفاطمي الزاهر الذي جددها العام 413هـ، وقد صمم مسجد قبة الصخرة المعماري المسلم «رجاء بن حيوة» ثم أشرف على التنفيذ مع «يزيد بن سلام»، ولم يتقاض الاثنان أجراً على عملهما، وأمر عبدالملك بن مروان أن تسبك 10 آلاف دينار صفائح تزين بها القبة، والتي تحملها عقود الأعمدة في قلب المسجد، وليس الجدار الخارجي، وعدد تلك العقود 16 عموداً وأربع دعائم. والقبة في العمارة الإسلامية تحمل دلالة روحية تضاف إلى مفهومها المعماري الجمالي، خاصة في المساجد، فهي من الخارج نصف كرة يتجه إلى الأسفل، ومن الداخل تجويف نصف كروي يحلق فوق رؤوس المصلين. وقد ارتبط ظهور القباب بآسيا بادئ الأمر، ثم انتقلت إلى الفرس واليونانيين والرومان قبل أن يتلقاها المسلمون، وعرفت قبة الصخرة في فلسطين كأول القباب في الإسلام، ثم بنى الوليد بن عبدالملك قبة النسر في المسجد الأموي بدمشق، عام 132- 133هـ/‏‏ 750م، ثم توالت القباب في المساجد، حتى زادت عدداً عن المآذن، بعد استخدامها في القصور والأضرحة. وكانت البداية في عمل القبة من ابتكار آسيوي للعقد أو القوس، ثم تطور على أيدي الفرس والرومان، حتى جاء المسلمون وأضافوا عليها الكثير، وتنوعت القباب من حيث مادة الصنع، ففي بداية الأمر كانت هناك القباب الخشبية، كقبة الصخرة، وقباب الإمام الشافعي - الأولى - 608هـ، وجامع بيبرس 655 - 667هـ، ومدرسة السلطان حسن757هـ، بالقاهرة - وكانت القباب الخشبية تُكسى من الخارج بطبقة من صفائح الرصاص للحماية من العوامل الجوية، ومن الداخل بطبقة من الجص تضاف فوقها الزخارف المختلفة. أما القباب الحجرية، والمصنوعة من الطوب، ومنها قبة مسجد الغوري بالمنشية 909هـ، وقبة خانقاه فرج بن برقوق 801هـ، وقبة أروقة الجامع الأقمر519هـ، وقبة مسجد السلطان سليمان 1609م بإسطنبول، ولثقل الحجر فقد كانت قبابه أصغر من القباب المبنية من الطوب. وقد اختلفت القباب من حيث الشكل الخارجي من قبة ملساء أو مضلعة أو بصلية أو مخروطية، تبعاً للطراز أو العصر، فالقباب البصلية ترى في المساجد الهندية، والطويلة العنق للمساجد السلجوقية، والمدورة في أغلب المساجد، وخاصة الأيوبية والمملوكية والفاطمية. وللقبة فائدة مهمة في إنارة بيت الصلاة من خلال أشعة الشمس على مدار اليوم، كما أن للقبة دورا في التهوية داخل المسجد، حيث يخرج الهواء الساخن من النوافذ المطلة على الناحية المشمسة، بينما تعمل النوافذ في الناحية الظلية على دخول الهواء الرطب البارد، وقد استحدث المعماري التركي «سنان» في مسجد السليمانية بإسطنبول فتحات صغيرة تحت القبة في اتجاهات مختلفة لتُحدث تياراً صاعداً يسحب الدخان المتصاعد من قناديل الزيت المستخدمة في الإضاءة الداخلية، كما أن القبة تساعد على تجسيم الصوت في بيت الصلاة، ويتضح ذلك جلياً في مسجد طوبي بكراتشي. وقد ظهرت آثار التأثر بعمارة القباب الإسلامية بوضوح في العمارة الأوروبية، ففي إيطاليا، نجد الأقواس التي تصل جوانب قبة مونت سانت إنجلو، وفي قصر روفولو في رافيللو الذي بني في القرن الحادي عشر، ومازال يدل بتفاصيله المعمارية على أصوله الإسلامية، وبرج قبة سيوليتو التي تشبه إلى حد كبير مئذنة سنجر الجاولي في القاهرة.