البلاد في حرب؛ والاقتصاد في حالة يرثى لها؛ والحزب الجمهوري اليوم بات أضعف مما كان عليه منذ عقود خلت؛ فمن هو الشخص الذي وقع عليه اختيار ''جون ماكين'' كمرشح لمنصب نائب الرئيس في ظل هذه الظروف يا ترى؟ ملكة جمال سابقة أصبحت لاحقا حاكمة ولاية آلاسكا؛ هل تعتقدون أن ''أوباما'' يفتقر إلى التجربة؛ وبالتالي، فهو لا يصلح ليكون رئيسا للولايات المتحدة؟ ''ماكين'' يقول ''إن سارة بالين -التي تقل تجربتها كحاكمة لآلاسكا بعامين عن تجربة أوباما كسيناتور عن إيلينوي- قادرة على النهوض بمسؤوليات الوظيفة''· هل أنت قلق لأن الأميركيين ليست لديهم معرفة كافية بـ''أوباما''، الذي قضى جزءا من طفولته في الخارج ودرس في مدرسة خاصة في هاواي؟ ''بالين'' غير معروفة بالكامل وتأتي أيضا من ولاية معزولة جغرافيا عن معظم التراب الأميركي، ولاية غارقة في الفساد وأموال النفط؛ وأحد عضوي الشيوخ اللذين يمثلانها في الكونجرس يخضع حاليا للمتابعة القضائية؛ وعلاوة على ذلك، فهم يحاولون بناء جسور لا قيمة لها هناك، فما الذي كان يفكر فيه ''ماكين'' إذن من وراء اختيارها يا ترى؟ الجواب: الطريقة الوحيدة بالنسبة لـ''ماكين'' كي يفوز في الانتخابات تتمثل في النأي بنفسه عن الحزب الجمهوري الوطني؛ حيث يحتاج إلى إعادة قولبة الحزب وفق منظوره الخاص: حزب محافظ من الناحية الاجتماعية وبخصوص الضرائب ومناوئ للفساد ومؤيد للإصلاح· خلال الأسابيع الأخيرة، حث المخططون الاستراتيجيون الجمهوريون ''ماكين'' على معارضة الديمقراطيين الذين يبسطون سيطرتهم على الكونجرس؛ غير أن ذلك أمر غير كاف بالنسبة لـ''ماكين'' الذي بعث، من خلال اختياره لـ''بالين''، بإشارة مؤداها أنه يعتزم خوض معركة ضد الجمهوريين في الكونجرس أيضا؛ فخلال السنوات الأخيرة، أصبح الحزب الجمهوري في آلاسكا نموذجا مصغرا للحزب الجمهوري على الصعيد الوطني؛ حيث أدمن ممثلو الولاية في الكونجرس على الامتيازات التي تُمنح لأسباب سياسية بدلا من المصلحة العامة؛ وبفضل أموال النفط، أنشأ جمهوريو آلاسكا نظام رعاية اجتماعية يحسدهم عليه ''محافظو الحكومة الكبيرة'' في واشنطن؛ كما تفشى الفساد؛ ولم يعد الحزب على اتصال بالجمهور؛ ثم إذا كان السيناتور ''تيد ستيفنز'' -دافع عن بناء جسر عديم الجدوى بقيمة 400 مليون دولار- يواجه إمكانية دخول السجن، فإن جمهوريي آلاسكا رشحوه يوم الثلاثاء الماضي لولاية أخرى· هذا هو المكان الذي أتت منه ''بالين'' التي تنافست على منصب حاكم الولاية ببرنامج انتخابي يَعد بمحاربة الفساد، وأمضت السنتين الأخيرتين في محاربة المدراء ورجال الأعمال والسياسيين النفطيين الراضين عن الوضع القائم؛ كما ساهمت في الجهود التي حالت دون بناء الجسر الذي كان يدعو لبنائه السيناتور ''ستيفنز''؛ ويمكن القول إن الجمهوريين في آلاسكا، بل وفي البلاد بصفة عامة، لم يألوا جهدا في سبيل طردهم من السلطة؛ هذا هو السياق الذي صعدت فيه ''بالين'' وانتُخبت من أجل إنقاذ الحزب -والولاية- من نفسه· هل تبدو قصة مألوفة؟ قبل نحو عام من اليوم، كان ثمة احتمال ضئيل كي يكون ''ماكين'' هو المرشح الجمهوري، لأنه أقلق المحافظين مرارا وتكرارا بسبب قطيعته مع أنصار الحزب بخصوص مواضيع مثل الهجرة، وتغير المناخ، والتخفيض الضريبي الذي أتى به الرئيس بوش؛ وخلق لنفسه أعداء في الكونجرس -ومنهم السيناتور ستيفنز وممثل ولاية آلاسكا في مجلس النواب ''دون يانج''- من خلال محاربة الامتيازات الخاصة التي تمنح لأسباب سياسية؛ كما أزعج الجهاز المكلف داخل الحزب بجمع التبرعات، ليس عبر دعوته إلى إصلاح مالي فحسب، وإنما أيضا من خلال حملته ضد ''جاك أبراموف'' -العضو في إحدى مجموعات الضغط الأميركية الذي أدين في 2006- وأصدقائه· إذا ذكر اسم ''ماكين'' أمام جمع من المحافظين قبل عام من اليوم، فالأرجح أن تشحب وجوههم قبل أن تحمر غضبا، وأغلب الظن أن الأصوات الوحيدة التي قد تسمعها هي أصوات الاستهجان؛ أما اليوم، فقد هدأ منتقدو ''ماكين'' المحافظون احتجاجاتهم، وباتوا يدركون أنه الجمهوري الوحيد على الأرجح القادر على الفوز بالرئاسة في ظل الظروف السياسية الحالية؛ وبالتالي، فالأرجح أنك لن تسمع إلا الهتاف الحار؛ بل إنهم يفعلون ذلك حتى في الوقت الذي يحاول فيه ''ماكين'' تغيير الحزب الجمهوري؛ فإذا كان اختيار ''بالين'' قد أكد مكانتها بين نجوم الحزب الصاعدة، فإنه في الوقت نفسه رفضا للنماذج البديلة العديدة للائتلاف المحافظ الذي كانت تمثله خيارات ''ماكين'' الأخرى لنائب الرئيس: ميت رومني، وتيم بالينتي، وتوم ريدج· لا تغيير إذن؛ ولا ''السياسة كما عهدناها'' أيضا؛ وهو أمر ينطوي على بعض المجازفة في الواقع؛ فحين يتقابل ''جو بايدن'' و''سارة بالين'' في مناظرة في الثاني من أكتوبر المقبل، سيواجه السن والتجربة وجها جميلا مفتقرا إلى التجربة؛ وقد حدث ذلك من قبل حين واجه الديمقراطي ''لويد بينتسن'' الجمهوري ''دان كوايل'' عام ·1988 وقتها، كان يعتقد الكثيرون أن ''بينتسن'' قد فاز؛ ولكننا جميعا نعلم المآل الذي آلت إليه الأمور في نهاية المطاف· ماثيو كونتينيتي محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''