مصطفى عبدالعظيم (دبي) يشكل الإنفاق الحكومي في إمارة أبوظبي محركاً رئيسياً لاستدامة النمو الاقتصادي وتعزيز دور القطاع الخاص وزيادة فرص نمو الائتمان لدى البنوك المحلية، بحسب مؤسسات تقييم دولية. وأكد محللو ائتمان في وكالات التصنيف ومؤسسات مالية عالمية، أن اعتماد حكومة أبوظبي مبلغ 37,3 مليار درهم للإنفاق على مشاريع رأسمالية، بما يوازي 3,5% من ناتج الإمارة، يدعم التصنيف الائتماني السيادي للإمارة على المدى البعيد. وقال تريفور كولينان مدير التقييم السيادي في «ستاندرد آند بورز» لخدمات المستثمرين، إن الأوضاع المالية القوية التي تتمتع بها حكومة أبوظبي، فضلاً عن صافي الأصول الخارجية، تتيح لها مستويات عالية من القدرة على دعم الاقتصاد وامتصاص المخاطر التي قد تنتج عن التقلبات الخارجية، لافتاً إلى أن قيام المجلس التنفيذي باعتماد مبلغ 37,3 مليار درهم مخصصات مالية لمشاريع رأسمالية في مختلف قطاعات العمل الحكومي للعام الجاري، أي بما يوازي نحو 3,5% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارة، من شأنه أن يدعم القدرة الإنتاجية للاقتصاد على المدى البعيد، وأن يعزز التصنيف الائتماني السيادي الذي منحته الوكالة لحكومة أبوظبي، بالعملتين المحلية والأجنبية على المديين الطويل والقصير عند (AA /A-1+) مع نظرة مستقبلية مستقرة. وأكدت «ستاندرد آند بورز» مطلع الشهر الجاري هذا التصنيف الذي جاء مدعوماً بالوضع النقدي والمالي القوي، ما يوفر لها سياسة مالية مرنة، منوهة بالقوة الاستثنائية وغير العادية لوضع أصولها الصافية الذي يوفر لها حصانة ضد التأثيرات السلبية لتذبذب أسعار البترول على النمو الاقتصادي، والإيرادات الحكومية، فضلاً عن الحساب الخارجي. وقالت الوكالة إن أبوظبي من بين أغنى الاقتصادات في العالم، مقدرة حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنحو 103 آلاف دولار في 2014، مشيرة إلى أن عوامل النمو الاقتصادي تعززت منذ 2010، مدعومة بتوسع الإنتاج النفطي، والإنفاق الحكومي الواسع، وتوسعة القاعدة الإنتاجية للاقتصاد، بما فيه الخدمات والتصنيع. وأكد التقرير قوة مستوى النمو الاسمي للناتج المحلي، متوقعاً أن يراوح الفائض المالي نسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي بين 2014-2017، ما يعزز من قوة وضع أصول الإمارة الصافية التي قدرتها الوكالة عند 208% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة ذاتها. ديون الشركات وذكر التقرير أنه من خلال تطبيق أنظمة خاصة بالدين العام، فإن الحكومة عززت من إشرافها على مستوى الدين الحكومي، هادفة إلى ضمان الاستدامة، ودرء الجهد المالي على الشركات شبه الحكومية. وقدر تقرير «ستاندرد آند بورز» ديون شركات أبوظبي شبه الحكومية بـ 31% من الناتج المحلي الإجمالي، بما في ذلك مستوى دين شركة مبادلة للتنمية، وشركة الاستثمارات البترولية الدولية، وشركة الاستثمار والتطوير السياحي، وأبوظبي للطاقة، مضيفاً أن تلك الشركات مدعومة بدعم صريح من الحكومة إلى الحد الذي لا ينبغي تمييز جدارتها الائتمانية عن الحكومة. وأشادت الوكالة بما أحرزته الحكومة من تقدم في تقوية مؤسساتها الاقتصادية، حيث أنشأت مكتباً لإدارة الدين، وقامت بمراجعة شاملة للإنفاق العام، وأسست إطاراً للميزانية متوسط الأجل، مؤكدة أن النظرة المستقبلية المستقرة تعكس نظرة «ستاندرد آند بورز» للمخاطر المتوازنة للتصنيف، مؤكدة أن اقتصاد أبوظبي سيظل مرناً، إلى جانب بقاء سياستها المالية رشيدة ومرنة. من جهته، لفت خالد حوالدار المحلل الائتماني لدى وكالة موديز لخدمات المستثمرين، إلى الانعكاسات الإيجابية المتوقعة لخطط الإنفاق العام الضخم في أبوظبي على القطاع الخاص، حيث سيزيد هذا الإنفاق من معدلات نمو القطاع، فضلاً عن دوره في تنشيط فرص الإقراض لدى البنوك المحلية. وأشار حوالدار إلى أن النمو السريع الذي يواكب الإنفاق يتطلب إدارته بوعي لتفادى مواجهة تحديات تتعلق بجودة الأصول خلال دورة ائتمانية أخرى. وأكدت وكالة موديز لخدمة المستثمرين في أحدث تقرير لها، أن الأوضاع المالية والاقتصادية المتينة التي تتمتع بها إمارة أبوظبي تسهم في ترسيخ جدارتها الائتمانية في الأسواق العالمية، منوهة بقوة التصنيف الائتماني السيادي المستقر للإمارة من الفئة (Aa2). الاحتياطيات والعوائد وقالت الوكالة إن قوة التصنيف الائتماني لأبوظبي تعززها بشكل رئيسي الإدارة المالية الحكيمة للاحتياطات الهيدروكربونية الضخمة، مشيرة إلى أن العوائد الهيدروكربونية مكنت الإمارة من بناء فوائض مالية وخارجية كبيرة من الناحية الهيكلية، وتسجيل مستوى منخفض للغاية من الديون الحكومية المباشرة، فضلاً عن تراكم كبير في أصول صناديق الثروة السيادية. ولفتت الوكالة إلى أن القوة الائتمانية الأخرى لتصنيف إمارة أبوظبي السيادي تشمل الارتفاع الكبير لنصيب دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والسياسات المالية السليمة، والاستقرار السياسي، والمرونة الاقتصادية في مواجهة التباطؤ الاقتصادي العالمي. وأوضحت الوكالة أن الجهود التي تبذلها حكومة أبوظبي لتنويع مصادر اقتصادها والتوقعات بالارتفاع النسبي في أسعار المواد الهيدروكربونية، أسهمت في ارتفاع توقعات النمو على المدى المتوسط، بالإضافة إلى ما تحظى به الإمارة بعلاقات خارجية قوية مع القوى العالمية الكبرى. وتوقع التقرير أن يصل متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للعاصمة أبوظبي إلى 4,7% سنوياً خلال الفترة من عام 2008 وحتى 2017، مرجحاً أن يصل معدل النمو الاقتصادي لأبوظبي إلى 4,4% في العام الجاري مقابل 5,2% في 2013. وبحسب تقديرات الوكالة، يتوقع أن يبلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في الإمارة إلى 98,97 ألف دولار في العام الجاري، مقابل 103,89 ألف دولار في 2013، وذلك مع توقعات بنمو عدد السكان في الإمارة من 2,5 مليون نسمة في العام الماضي إلى 2,7 مليون نسمة في العام الجاري. وقدرت الوكالة قيمة إجمالي الناتج المحلي الاسمي للإمارة بحوالي 258,6 مليار دولار في 2013، وتتوقع أن يرتفع إلى 267,1 مليار دولار في العام الجاري، ليشكل بذلك اقتصاد الإمارة حصة 64% من اقتصاد الدولة. الإدارة الحكيمة وقالت الوكالة إن التصنيف الائتماني السيادي لإمارة أبوظبي يأتي مدعوماً بشكل رئيسي بالإدارة المالية الحكيمة للاحتياطيات الهيدروكربونية الضخمة التي ساعدت أبوظبي على بناء فوائض مالية وخارجية ضخمة، ودعمت مستوى منخفضاً جداً من الديون الحكومية المباشرة. وتمنح الوكالة أبوظبي التقييم الأعلى من حيث قوة الاقتصاد والملاءة المالية VH+، كما حصلت العاصمة على تقييم مرتفع H+ من حيث قوة المؤسسات الحكومية. وتتفوق الإمارة في تقييماتها عن المتوسط لحكومات دول مجلس التعاون. وقالت الوكالة إن مستويات المخاطرة بالنسبة للقطاع المصرفي أو السيولة للعاصمة أبوظبي متدنية للغاية بفضل الملاءة المالية القوية. وقالت إن نمو الائتمان في أبوظبي حافظ على قوته عند مستويات بين 5 إلى 7% في الأعوام الماضية رغم تبعات الأزمة المالية العالمية. محرك رئيسي من جهته، اعتبر شادي شاهر الخبير الاقتصادي لدى بنك ستاندر تشارترد ـ الإمارات، الإنفاق المتواصل لحكومة أبوظبي على المشاريع الرأسمالية ومشاريع البنية التحتية، أحد أبرز المحركات الثلاث الدافعة لنمو الاقتصاد الوطني خلال الأعوام المقبلة. وأوضح أن القطاعات الاقتصادية غير النفطية كانت هي المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي للدولة بشكل عام، لافتاً إلى أن الإنفاق الحكومي القوي لعب دوراً مهماً في دفع عجلة النمو في أبوظبي. وقال التقرير إن هناك 3 محركات نمو أساسية لاقتصاد الإمارات، تتمثل في الاستثمار القوي في القطاعات غير النفطية في أبوظبي، حيث يقدر حجم الإنفاق على المشاريع في العاصمة في 2014 بحوالي 34 مليار دولار (124,78 مليار درهم). وقال شاهر إن أبوظبي تتبنى سياسة استثمارية حصيفة وقوية، منوهاً بالمنهجية المستهدفة في الإنفاق على المشاريع التي تتسم بالحنكة والانتقائية وفقاً للأولويات، مشيراً إلى أن المنطقة الغربية على سبيل المثال بات نموذجاً لافتاً في التنمية المستدامة على المدى الطويل. وأضاف أن التركيز على تنمية وتطوير المنطقة الغربية سيشكل أهمية كبيرة خلال العامين المقبلين، وهو ما يعكسه حجم الاستثمار المتزايد في المنطقة خلال العام الحالي، مشيراً إلى أن ما تتمتع به المنطقة الغربية من مصادر طبيعية مثل النفط والغاز، يجعلها واحدة من أهم المناطق. وقال إن المنطقة الغربية باتت في السنوات الثلاث الأخيرة نقطة ارتكاز مهمة في عملية تنويع وتطوير البنية التحتية في أبوظبي، من خلال استضافتها لأكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم، فضلاً عن أنها ستضم أول محطة للطاقة النووية في الشرق الأوسط، وكذلك أكبر مصنع للبتروكيماويات في العالم، لافتاً إلى أن أبوظبي تخطط لزيادة الناتج الاسمي للمنطقة الغربية إلى 120 مليار دولار في عام 2030، مقارنة مع 75 مليار دولار في عام 2010.