وقع لي كتاب في الصيف الماضي عنوانه ''تحليل النص الشعري، بنية القصيدة'' للمنظّر الروسيّ يوري لوتمان، فسعِدتُ كثيراً بأن عثرت على كتاب يتناول تحليل النصّ الشعريّ الذي أصبح الهاجس الأوّل لدى النقّاد المعاصرين في العالم كلّه، وخصوصاً لمنظّر ذي صِيتٍ عالميّ؛ فقد كنت وقعتُ على كتاب آخر ليوري لوتمان مترجَم إلى الفرنسيّة بعنوان ''بنية النصّ الفنّيّ'' (La structure du texte artistique)، وهو الكتاب الذي يتناول قضايا الشعريّات باعتبارها دراسة خصوصيّة الأدب، والسِّيمَائيّات باعتبارها علمَ أنظمةِ العلامات؛ وأفدت منه كثيراً بالإحالة عليه لدى تأليفي أحدَ كتبي· وإلى هذا الحدّ كنت أحسب أنّ الأمر يتمحّض لكتابين اثنين ليوري لوتمان، فعلاً، لا لكتابٍ واحدٍ، ولكنّي حين شرعت في قراءة الكتاب المترجَم إلى العربيّة، والذي ترجمه الدكتور محمد فتوح أحمد، لاحظت وجود شبهٍ كبير بين الكتابين، مع تصرّف شنيع في نقل الأفكار، وتساهل مسرف في استعمال المصطلح على المستويين السِّيمَائيّ والْبِنَوِيّ معاً، فاسْتبان لي أنّ الكتاب المترجَمَ إلى العربيّة الذي أصدرته دار المعارف بالقاهرة سنة ،1995 هو نفسه المترجم إلى الفرنسيّة عن دار ''دالمار'' سنة ·1973 وإذا كان الدكتور فتّوح قدّم تلخيصاً متميّزاً في مقدّمة هذا الكتاب، فإنّه حين جاء يترجم النصّ الروسيّ إلى العربيّة لم يحالفْه التوفيق، أو قل: هو الذي اتّخذ سبيله إلى الحرمان، مختاراً، بعدم تنصيصه في مقدّمة الترجمة على أنّه تصرّف في الكتاب فغيّر عنوانه، وتصرّف في مضمونه فاجتزأ بترجمة بعض الفصول دون غيرها، فترجمة الكتاب العربيّ، بالقياس إلى الترجمة الفرنسيّة التي بين يدنا، تبتدئ من صفحة ،148 وإن كانت تناولت قضيّة واحدة من صدر الكتاب، وهي ''الفنّ بما هو لغة''، أو ''الفنّ باعتباره لغةً'' (L-art en tant que langage)، وهو العنوان الذي ورد في النصّ العربيّ بصياغة: ''اللّغة مادّة الأدب''، وشتّان بين الأمرين! كما أنّ الترجمة العربيّة تنتهي قبل نهاية الكتاب· وأمّا عن التصرف في صياغة المصطلحات فحدّثْ ولا حرج، فالمترجم العربيّ يختصر ما يقوم عليه الفصل السادس من مناقشة قضايا نظريّة، وهو: ''عناصر التداوليّة ومستوياتها للنص الفنّي: الشعر والنثر'' بالاجتزاء بعبارة: ''الشعر والنثر''· ثمّ إنّا ألفَينا المترجم يترك قضايا كثيرة من القسم نفسِه الذي ترجمه من الكتاب مثل إهماله: ''التكرار على المستوى الصوتيّ'' (La répétition au niveau phonétique)، ويترجم المترجم العربيّ ''التكرار الإيقاعيّ'' (la répétition rythmique) بقوله: ''الإيقاع أساس البنية الشعريّة''· ونحن وإن كنّا نُقرّ بِعَوَصِ الترجمة، إلاّ أنّه كان يمكن أن يجاوز ذلك إمّا ببذْل جهد أكثر حتّى يترجم الكتاب بحذافيره، وإمّا أنّه كان يعلن في المقدّمة أنّ الترجمة العربيّة لا تمثّل النّصّ الأصليّ برُمّته، كما أنّها تصرّفتْ في جملة من العناوين والمصطلحات، مع ما نعلم بأنّ هذا الكتاب موجَّه إلى العلماء والمختصين، لا إلى عامّة القرّاء·