إدوارد كودي باريس في ظل الإشكالات التي تواجهها الحكومة الفرنسية على خلفية فضيحة التهرب الضريبي، التي تورط فيها أحد الوزراء، اقترح فرانسوا أولاند مشروع قانون في الأسبوع الماضي يجبر الوزراء وبقية كبار المسؤولين على الإعلان عن ممتلكاتهم والخضوع للتدقيق المالي من قبل هيئة مستقلة، سواء قبل تولي المنصب، أو بعده. وينظر المراقبون إلى التشريع الجديد الذي تقدم به أولاند، ويدشن قطيعة حقيقة مع السياسة الفرنسية السابقة، على أنه محاولة يقوم بها الرئيس للتخفيف من حدة العاصفة السياسية التي أثيرت عقب اعتراف وزير المالية السابق، «جيروم كاهوزاك»، في الأسبوع الماضي بأنه يملك حساباً سرياً بأحد البنوك السويسرية. والمشكلة أن الوزير المسؤول عن جباية الضرائب ظل ينفي لشهور عدة أية علاقة له بالحساب البنكي، بل أنكر الأمر تماماً خلال شهادة له أمام الجمعية الوطنية الفرنسية. وفي أول تعليق له على الحادث المحرج للحكومة، قال «أولاند» في خطاب متلفز، إنه يشعر بأنه «مجروح» بسبب أكاذيب «كاهوزاك»، وإنه لتفادي تكرار ذلك في المستقبل، يريد غرس مستوى جديد من «الأخلاق» في الحياة السياسية الفرنسية. وبالإضافة إلى إجبار كبار المسؤولين على الإقرار بممتلكاتهم قبل تولي المسؤولية، أكد «أولاند» أن الحكومة ستنشئ منصباً خاصاً بالمدعي العام للاهتمام بهذه القضايا، بحيث سيكلف الادعاء العام الجديد بمتابعة الجرائم المالية وتضييق الخناق على الملاذات الضريبية في بعض البلدان التي يلجأ إليها السياسيون لإخفاء أموالهم والتهرب من الضريبة. ومن المتوقع أن يصادق البرلمان الفرنسي بسهولة على مشروع القانون بالنظر إلى الأغلبية التي تحظى بها الحكومة في مجلسي البرلمان، النواب والشيوخ، بحيث أعلن رئيس الحكومة، جون مارك أيرولت، بأن التشريع سيرسل إلى البرلمان خلال الشهر الجاري للمصادقة. وكانت صورة «أولاند» قد تعرضت للاهتزاز بسبب الفضيحة، لا سيما بعد اعتراف «كاهوزاك» المتأخر بتورطه في القضية، وهو ما جر عليه انتقادات المعارضة المحافظة التي شككت في نزاهته، أو على الأقل في سلطته وحنكته السياسية، حيث غذت القضية الشكوك حول قدراته في القيادة واختيار لوزرائه، وذلك في وقت يواجه فيه الرئيس مشاكل اقتصادية عديدة تتمثل في ارتفاع معدلات البطالة. وما يراه المحافظون سوء تنظيم يطغى على الحكومة الحالية، ورغم مساعي أولاند والحكومة لترميم صورته واستعادة المبادرة، أكد وزير الداخلية السابق، «بريس أورتيفو»، وأحد الحلفاء المقربين من الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، أن مبادرة الرئيس الأخيرة لا تعدو «نوعاً من التلصص». قائلاً إنها محاولة فاشلة لإعطاء الانطباع للفرنسيين بأنه مسيطر على الأمور «والحال أن الانطباع المتولد لدى الفرنسيين أن الحكومة تعيش على وقع الارتباك والتململ». وفيما كان رئيس الحكومة يدافع عن مشروع القرار أمام الجمعية الوطنية في الأسبوع الماضي قاطع نواب المعارضة كلمته أكثر من مرة صارخين» استقل، استقل». أما رئيسة «الجبهة الوطنية» اليمينية، «مارين لوبان»، فقد سخرت من تعهدات «أولاند» بملاحقة الجرائم المالية والتهرب الضريبي، مشيرة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها المسؤولون الأوروبيون ملاحقتهم للملاذات الضريبية مثل سويسرا ولوكسمبورج دون جدوى، هذا في الوقت الذي نشر فيه موقع «مديابارت» الإخباري تقريراً يشير فيه إلى أن والد «مارين» نفسه، ومؤسس «الجبهة الوطنية» كان يملك حساباً بنكياً خاصاً في بنك سويسري. وبموجب القوانين المعمول بها حالياً في فرنسا يتعين على النواب الفرنسيين الإقرار بذمتهم المالية إلى رئاسة البرلمان، دون أن تعلن تلك التقارير التي تظل سرية. كما أنه لا توجد آلية للتأكد من صحة تلك التقارير، وحتى هذا الإقرار غير المتأكد منه لا ينسحب على الوزراء الذين يختارهم الرئيس، ولا يخضعون للتدقيق المالي قبل توليهم المسؤولية. وفي حالة الوزير المستقيل، كاهوزاك، انتشرت إشاعات في باريس لفترة من الوقت تشير إلى الوضع المالي غير الواضح للوزير، لا سيما وأنه معروف بثرائه وبطلاقه المرير مع زوجته، ما جعلته عرضة للألسنة في الأوساط الباريسية. لكن عندما طفت أولى خيوط الفضيحة إلى السطح من خلال تقرير نشره موقع «مديابارت» في شهر ديسمبر من السنة الماضية، بادر «كاهوزاك» إلى إنكار أي علاقة له بالفضيحة، بل رفع قضية على الموقع الإخباري بتهمة القذف والتشهير، إلا أنه بعدما وجه قاضٍ بفتح التحقيق في الإشاعات خلال الشهر المنصرم، اضطر الوزير إلى تقديم استقالته. فقد كشف القاضي بعد استعانته باتفاقيات التعاون القضائي الموقعة بين فرنسا وسويسرا عن معلومات تُورط الوزير أدت في النهاية إلى اعترافه بامتلاك حساب بنكي في أحد البنوك السويسرية. ومنذ ذلك الوقت والوزير السابق يعاني الملاحقة، بعدما طُرد من الحزب الاشتراكي، ووجهت له تهماً بالتهرب الضريبي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»